إن هو إلا عبد أنعمنا عليه
ملفات متنوعة
- التصنيفات: اليهودية والنصرانية -
كتب/ محمد أبو شنب (1)
من النصارى من يقول بأن المسيح -عليه السلام- إنسان كامل وإله كامل في نفس الوقت، ومنهم من يغلب جانب ألوهيته على بشريته (ناسوته) ومنهم من يغلب جانب ناسوته (بشريته) على جانب لا هوته (ألوهيته)، ومنهم من يعبد مريم -عليها السلام- ومنهم من لا يلتفت إليها مطلقا، وكل فريق فِرَقٌ وفِرَق..
والعجب كل العجب أن السيد المسيح -عليه السلام- لم يقل أبداً في أي مكان من الكتاب (المقدّس) (2) (أنا الله)، ولم يأمر أتباعه يوماً بأن يعبدوه لأنه هو الله، بل لم نسمع أن أحداً ممن عاصر المسيح -عليه السلام-، ولا ممن جاء بعده تقرّب للمسيح بصلاة وصيام ونحو ذلك مما يصرف لله عز وجل.
بل إن نصوص الأناجيل الأربعة تفيض بأن المسيح عليه السلام- كان يخلو بنفسه ليلاً ويُطيل السجود لله رب العالمين، كحال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وكحال داود وسليمان ونوح، عليهم السلام وجميع أنبياء الله والصالحين من عباد الله.
-في إنجيل متّى (4 / 23 ـ 24) وإنجيل مرقس (6 / 40 ـ 48): "وبعد ما صفَّ الجموع، صعَد (أي المسيح) إلى الجبل منفرداً ليصلي. ولما صار المساء كان هناك وحده. وفي الهزيع الرابع من الليل مضى إليهم يسوع ماشيا على البحر!".
-وفي إنجيل مرقس (1/35): "وفي الصباح الباكر جداً قام وخرج ومضى إلى موضع خلاء. وكان يصلي هناك".
-وفي إنجيل لوقا (5 / 16): "وأما هو (أي عيسى) فكان يعتزل في البراري ويصلي".
-وفي إنجيل لوقا (6 / 12) أيضاً: "وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد على جبل ليصلي. وفيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة ولباسه مبيضا لامعاً".
-وفي إنجيل لوقا أيضاً (9 / 18): "وفيما هو يصلي على انفراد، كان التلاميذ معه".(8)
-وفي إنجيل متّى (26 / 36): "حينئذ جاء معهم يسوع إلى ضيعة يقال لها جثـسيماني فقال للتلاميذ: اجلسوا ههنا حتى أمضي وأصلي هناك".(9)
-و في إنجيل متّى أيضاً (26/ 39 ـ 44): "ثم تقدم قليلاً و خرَّ على وجهه (أي سجد)[3] و كان يصلي قائلاً: يا أبتاه إن أمكن فلتعبر هذه الكأس. و لكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت[4]. ثم جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياماً. فقال لبطرس: أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة؟ اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة، أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف. فمضى ثانية وصلى... ثم جاء فوجدهم أيضاً نياماً... فتركهم وصلى ثالثة"[5].
فقد كانت الصلاة عبادة محببة إليه -عليه السلام- يفزع إليها عند الملمات، ويرسم لي الخيال صورة نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو في الشعاب يصلي يوم عاد من الطائف، وجلس يناجي ربه ( ... إلى من تكلني إلى بعيد يتجهّمني أم إلى عدوّ ملّكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي. أعوذ بنور وجهك الذي .... )
ـ والأناجيل تحدثنا بأن المسيح لم يكن يعلم متى الساعة، ولو كان هو الله لعرفها وما خفيت عليه.
(1) في إنجيل مرقس (13 / 32) يقول المسيح عن يوم القيامة :
" و أما ذلك اليوم و تلك الساعة فلا يعلم بهما أحد و لا الملائكة الذين في السماء و لا الابن، إلا الآب ".
(2) و في إنجيل متى (24 / 36)، قول عيسى أيضا :
" و أما ذلك اليوم و تلك الساعة فلا يعلم بهما أحد و لا ملائكة السماوات[6] ، إلا أبي وحده ".
وتحدثنا الأناجيل بأن المسيح نزل عليه جبريل عليه السلام بالوحي من عند الله .
(1) جاء في إنجيل متى (3 / 13 ـ 17):
" حينئذ جاء يسوع من الجليل إلى الأردن، إلى يوحنا[7] ليعتمد منه، و لكن يوحنا منعه قائلاً: أنا محتاج أن أعتمد منك و أنت تأتي إلي؟ . فأجاب يسوع و قال له اسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل برٍّ، حينئذ سمح له. (16) فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء ، و إذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة و آتيا عليه . و صوت من السماوات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ".
(5) و لننظر ما ذكره لوقا عن بدء بعثة المسيح بنزول روح القدس عليه:
" و لما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضا و إذ كان يصلي انفتحت السماء و نزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة و كان صوت من السماء قائلا: أنت ابني الحبيب بك سررت. و كان يسوع عند بدء رسالته في نحو الثلاثين من عمره... و رجع يسوع من الأردن و هو ممتلئ من الروح القدس " لوقا: 3 / 21 ـ 23، ثم 4/.
و نسأل أصحاب التثليث: أليس هذا النص أوضح دليل على نفي إلـهية المسيح و نفي التثليث؟
فأولاً: لو كان المسيح إلـها متجسدا لما احتاج لروح القدس ليهبط عليه بالرسالة!
و ثانياً: لو كان التثليث حقا لكان المسيح متحدا دائما و أزلا مع روح القدس، فما احتاج أن يهبط عليه كحمامة!، و لما قال الله تعالى عند اعتماده و ابتداء بعثته هذا ابني الحبيب، لأنه من المفروض أنه كان جزء اللاهوت بزعمهم من البداية و لأن الله لا يمكن أن تنفصل عنه إحدى صفاته.
وتكلم المسيح ـ عليه السلام ـ غير مرّة أنه مرسل من عند الله ،
في إنجيل لوقا (4 / 42 ـ 43):
" و لما صار النهار خرج و ذهب إلى موضع خلاء و كان الجموع يفتشون عليه فجاءوا إليه و أمسكوه لئلا يذهب عنهم. فقال لهم: إنه ينبغي لي أن أبشِّـر المدن الأخرى أيضا بملكوت الله لأني بهذا أُرْسِـلْتُ ".
(5) و في إنجيل يوحنا (7 / 28 ـ 29):
" فنادى يسوع و هو يعلم في الهيكل قائلا: تعرفونني و تعرفون من أين أنا و من نفسي لم آت بل الذي أرسلني هو حق الذي أنتم لستم تعرفونه. أنا أعرفه لأني منه و هو أرسلني "
في إنجيل لوقا (10/16) في آخر الخطبة التي قالها السيد المسيح عليه السلام للتلاميذ السبعين الذي أرسلهم اثنين اثنين للوعظ و البشارة بالإنجيل في قرى فلسطين، أنه قال لهم:
" الذي يسمع منكم يسمع مني و الذي يرذلكم يرذلني و الذي يرذلني يرذل الذي أرسلني ".
و الآن إليكم هذه العبارة التي قد تفاجئكم بشدة وضوحها و صراحتها في نفي إلهية عيسى :
في إنجيل يوحنا (8 / 40):
" و لكنكم الآن تطلبون أن تقتلونني و أنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله "
أقول: لو لم يكن في الإنجيل سوى هذه الآية لكفى بها دلالة على نفي إلـهية عيسى عليه السلام .
(7) و فيه أيضا (8 / 26 ـ 29):
" لكن الذي أرسلني هو حق و أنا ما سمعته فهذا أقوله للعالم. و لم يفهموا أنه كان يقول لهم عن الآب. فقال لهم يسوع متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو و لست أفعل شيئا من نفسي بل أتكلم بهذا كما علمني أبي و الذي أرسلني هو معي و لم يتركني الآب وحدي لأني في كل حين أفعل ما يرضيه "
(8) و فيه أيضا: (10/36) :
" فالذي قدَّسه الآب و أرسله إلى العالم أتقولون له إنك تجدَّف لأني قلت أني ابن الله؟! "
(9) و فيه أيضا: (20/20) :
" فقال لهم يسوع أيضا سـلام لكم. كما أرسلنـي الآب أرسلـكم أنا "
قلت: ففي العبارة الأخيرة يماثل سيدنا المسيح عليه السلام بين إرسال الآب له و إرساله هو لتلاميذه للدعوة و التبشير، و بالتالي فكما أن تلاميذه و حوارييه ليسوا عيسى بعينه! فبمقتضى التماثل لا يكون عيسى عليه السلام هو الله بعينه، بل يكون رسوله و مبعوثه.
ويحتج النصارى بأن المسيح أحيا ميتا وأبرأ أكمها وأبرصا وخلق طيرا من طين ، وهذه معجزات تكررت مع غيره من أنبياء بني إسرائيل ، وهذا الكلام مثبت في الكتاب المقدس ، فلا توجد معجزة ـ وتدبر معي ـ قام بها المسيح عليه السلام إلا وقد قام بمثلها نبي آخر من إسرائيل . فلم هذا إله وهذا ليس بإله ؟ !
هناك من أحيا شعبا بأكمله ، وهناك من تكلم في المهد ، وهناك من تكلم الصبية بين يديه.(8)
ويحتج النصارى بأن المسيح عليه السلام كان يقول على نفسه أنه ابن الله، والحقيقة التي لا مراء فيها أنه حسب الإنجيل نفسه، لم يكن عيسى يعتبر الله تعالى أباه لوحده فقط، بل كان يعتبره أيضاً أبَ جميع المؤمنين أيضاً، فإذا أطلق على الله تعالى عبارة "أبي"، فقد أطلق مراراً كذلك عبارة: "وأبيكم"، بلا أي فرق، بل علَّم المؤمنين أن يبدؤا صلاتهم اليومية بقولهم: "أبانا الذي في السموات ليتقـدَّس اسمك.. الخ".
-وفي الإنجيل: "طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناءُ الله يُدْعَوْنَ" متّى (5/9).
-وفي الإنجيل: "وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم، ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات" متّى (5 / 44 ـ 45).
وما باركوا لا عينيهم وما اتسعت صدورهم لمن ينتقدهم، وما صنعوا السلام! بل قتلوا وسفكوا وسل الصومال وأفغانستان والشيشان والعراق وأبا غريب وجوانتنامو و .... .
-"وأما الذين قبلوه (أي قبلوا السيد المسيح)، وهم الذين يؤمنون باسمه، فقد مكَّنهم أن يصيروا أبناء الله" يوحنا 1 / 12.
-" قال لها يسوع: لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلى أبي. ولكن اذهبي لإخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبـيكم وإلـهي وإلـهكم" يوحنا (20/17).
وفي الإصحاح السادس فقط من إنجيل متّى، يتكرر لفظ الأب مضافاً للمؤمنين إثنا عشر مرة! فلو كانت أبوَّة الله لشخص تفيد إلـهيته للزم -حسب هذه النصوص الإنجيلية- أن يكون كل المؤمنين آلهة! فإذا بطل هذا اللازم بطل ملزومه.
-" في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم فيَّ وأنا فيكم" يوحنا: 14 / 20.
بل وفي العهد القديم:
-"لكن يكون عدد بني إسرائيل كرمل البحر الذي لا يكال ولا يُعدّ، ويكون عوضاً عن أن يقال لهم لستم شعبي يقال لهم أبناء الله الحي" هوشع: 1/ 10.
وفي مكان آخر من نفس السفر: "أنتم أولاد للرب إلـهكما فعلوا كل شيء بلا دمدمة و لا مجادلة. لكي تكونوا بلا لوم و بسطاء أولاد الله بلا عيب في وسط جيل معوج و ملتو تضيئون بينهم كأنوار في العالم".
ويا أهل الكتاب: { مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [المائدة:75].
----------------------------------------------------------------------
الهوامش:
(1) مشرف حوار بغرفة الإسلام أم المسيحية بالقسم العربي في البالتوك.
(2) كتاب النصارى عبارة عن قسمين: العهد القديم، والعهد الجديد. العهد القديم يتكون من عدة أجزاء: الأسفار الخمسة المنسوبة لموسى عليه السلام، وهي ما يقال لها عند المسلمين التوراة مجازاً، والأسفار التاريخية منسوبة لعدد من الأنبياء الذين عاصروا هذه المرحلة. وأسفار الشعر والحكمة، والأسفار النبوية، واسفار الأبوكريفا -وهي محل خلاف عندهم-.
ويطلق النصارى -لا اليهود- على هذا الأجزاء الأربعة اسم العهد القديم، وتسمّى أيضا الكتب والناموس، ويطلق اسم التوراة على الأجزاء الثلاثة الأخيرة تجوزاً.
والعهد الجديد هو مجموعة الأناجيل الأربعة والرسائل الملحقة بها، وينسب إلى ثمانية من المحررين ينتمون إلى الجيل الأول والثاني من النصرانية، وهم: متّى ومرقس ولوقا ويوحنا أصحاب الأناجيل، ثم بولس صاحب الأربع عشرة رسالة، ثم بطرس ويعقوب ويهوذا، تلاميذ المسيح الذين تنسب إليهم القليل من الرسائل.
وهؤلاء الكَتَبَة الثمانية بعضهم تتلمذ على يد السيد المسيح (متّى - يوحنّا - بطرس - يعقوب - يهوذا)، بعضهم تنصّر بعد المسيح ولم يلقه (بولس ومرقس تلميذ بطرس)، وبعضهم تنصّر على يد من لم يلق المسيح (لوقا تلميذ بولس). راجع -إن شئت- هل العهد الجديد كلمة الله؟!، وهل العهد القديم كلمة الله؟! للشيخ الدكتور منقذ محمود السقار.
(3) السجود أقصى مظاهر التذلل والعبادة لله عز وجل، مما يؤكد عبودية المسيح الخالصة لله تعالى. كما أن هذا يؤكد أيضاً أن السجود لله في الصلاة ليس عبادة مختصة بالإسلام بل عبادة واردة في الأديان السابقة أيضاً.
(4) قلتُ: أليس هذا دعاء المضطر، وليس هذا دعاء المذعن المطيع لله عز وجل.
(5) متّى: 26 / 39 ـ 44. ومثله أيضاً في: مرقس: 14 / 32 ـ 42. و لوقا: 22 / 39 ـ 46.
(6) هكذا في النسخة العربية لإنجيل متّى (طبعة البروتستانت)، ولكن في النسخة المترجمة للغة الإنجليزية واللغة الفرنسية توجد هنا إضافة لفظ: "ولا الابن"، أي أيضاً مثلما ذكر في إنجيل مرقس. وفيما يلي نص العبارة كما جاءت في إنجيل متّى من الـ Bibleباللغة الفرنسية:
" Pour ce qui est de jour , et de l`heure , personne ne les connait , ni les Anges des cieux , ni Le Fis , mais Le Pere seul " Matthieu: 24 / 36. (La Sainte Bible: Nouvelle version segond revisee , Paris, 1978).
(7) هو يحيى عليه السلام، ويسمونه يوحنا المعمدان، وترجمته بالإنجليزي جون.
(8) في إحدى مناظراته يعلل الدكتور/ حسام حمزة -أحد المتخصصين في النصرانيات- سبب كثرة المعجزات وقوتها بأن جِبلة بني إسرائيل كان غليظة لا تستجيب للحق بسهولة، ويستشهد بأمر لطيف جداً وهو المرأة التي كلّمها طفلها حين رأت غنياً وقالت: اللهم اجعل ولدي مثل هذا، فترك الطفل ثديها، وقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم مرّت بها زانية يضربها الناس فقالت اللهم لا تجعل ولدي مثل هذه، فترك الولد ثديها، وقال: اللهم أجعلني مثل هذا، ثم استدارت إليه الأم تكلمه، والحديث مشهور. فلو حصل هذا اليوم لربما ماتت المرأة من الدهشة، أما نساء بني اسرائيل فكُنَّ قساة غلاظ يكلمون الأطفال وكأنه لاشيء.