زيادة العمر للمؤمن زيادة في الخير له
لا ينبغي للمسلم أن يدعو بالموت، إلا أن يشترط أن يكون خيرًا له عند الله عز وجل كما جاء في الحديث
- التصنيفات: الموت وما بعده -
زيادة العمر للمؤمن زيادة في الخير له لما أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: أن رجلين من بَلِيٍّ قَدِما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إسلامُهما جميعًا، فكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر، فغزا المجتهد منهما فاستُشهد، ثم مكث الآخر بعده سنة، ثم تُوُفِّي، قال طلحة: فرأيت في المنام: بينا أنا عند باب الجنَّة، إذا أنا بهما، فخرج خارج من الجنَّة، فأَذِن للذي تُوُفِّي الآخِرَ منهما، ثم خرج، فأَذِن للذي استشهد، ثم رجع إليَّ، فقال: "ارجع، فإنك لم يأنِ لك بعد"، فأصبح طلحة يُحدِّث به الناس، فعجبوا لذلك، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدَّثوه الحديث، فقال: « »، فقالوا: "يا رسول الله، هذا كان أشد الرجلين اجتهادًا، ثم استشهد، ودخل هذا الآخِر الجنَّة قبله"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « »، قالوا: "بلى"، قال: « »، قالوا: "بلى"، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (صححه الألباني في صحيح ابن ماجة [3171]).
وسمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما رجلاً يتمنَّى الموت، فقال: "لا تتمنَّ الموت، فإنك ميت، لكن سلوا الله العافية" (الزهد لهناد: ص255).
وأخرج البخاري ومسلم عن قيس قال: "أتيتُ خبَّابًا وقد اكتوى سبعًا، قال: لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أن ندعو بالموت لدعوت به".
وأخرج النسائي عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (صحيح الجامع: 7265).
وأخرج البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ».
« »: فإن كان لا بد متمنيًا الموت: « »، وهذا يدل على أن النهي عن تمنِّي الموت مقيد بما إذا لم يكن على هذه الصيغة؛ لأن في التمني المطلق نوع اعتراض، ومراغمة للقدر المحتوم، وفي هذه الصورة المأمور به نوع تفويض وتسليم للقضاء.
قال النووي رحمه الله: "وفي الحديث أن مَن خاف ولم يَصبِر على حاله في بلواه بالمرض ونحوه، فليقل: « » إلخ، والأفضل الصبر والسكون للقضاء".
قال السعدي رحمه الله في شرحه للحديث السابق: "هذا نهي عن تمنِّي الموت للضر الذي ينزل بالعبد؛ من مرض، أو فقر، أو خوف، أو وقوع في شدة ومهلكة... أو نحوها من الأشياء، فإن في تمنِّي الموت لذلك مفاسد:
• منها: أنه يؤذن بالتسخط والتضجر من الحالة التي أصيب بها، وهو مأمور بالصبر والقيام بوظيفته، ومعلوم أن تمنِّي الموت ينافي ذلك.
• ومنها: أنه يُضعِف النفس، ويُحدِث الخَوَر والكسل، ويُوقِع في اليأس، والمطلوب من العبد مقاومة هذه الأمور، والسعي في إضعافها وتخفيفها بحسب اقتداره، وأن يكون معه من قوة القلب وقوة الطمع في زوال ما نزل به، وذلك مُوجِب لأمرين: اللطف الإلهي لمَن أتى بالأسباب المأمور بها، والسعي النافع الذي يُوجِبه قوة القلب ورجاؤه.
• ومنها: أن تمنِّي الموت جهل وحمق، فإنه لا يدري ما يكون بعد الموت، فربما كان كالمستجير من الضرِّ إلى ما هو أفظع منه: من عذاب البرزخ وأهواله.
• ومنها: أن الموت يقطع على العبد الأعمال الصالحة التي هو بصدد فعلها، والقيام بها، فكيف يتمنَّى انقطاع عملٍ الذرةُ منه خيرٌ من الدنيا وما عليها؟!
• وأخص من هذا العموم: قيامه بالصبر على الضرِّ الذي أصابه، فإن الله يُوفِّي الصابرين أجرَهم بغير حساب.
ولهذا قال في آخر الحديث: « »، فيجعل العبدُ الأمرَ مُفوَّضًا إلى ربه، الذي يعلم ما فيه الخير والصلاح له، والذي يعلم من مصالح عبده ما لم يعلم العبد، ويريد له من الخير ما لا يريده العبد لنفسه، ويلطف به في بلائه، كما يلطف به في نعمائه" اهـ. (بهجة القلوب الأبرار: ص 208).
والحاصل: أن تمنِّي الموت لضرٍّ دنيوي أمرٌ مكروه، ووجه كراهيته في هذا الحال أن المتمنِّي للموت لضرٍّ نزل به، إنما يتمنَّاه تعجيلاً للاستراحة من ضرِّه، وهو لا يدري إلى ما يصير بعد الموت، فلعله يصير إلى ضرٍّ أعظم من ضرِّه، فيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » (والحديث أخرجه الإمام أحمد، وأبو نعيم في "الحلية" [8/290]، والبزار من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: "قيل: يا رسول الله، ماتت فلانة واستراحت، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: « »؛ [السلسلة الصحيحة:1710]).
فلهذا لا ينبغي له أن يدعو بالموت، إلا أن يشترط أن يكون خيرًا له عند الله عز وجل كما جاء في الحديث.
ندا أبو أحمد