{إلا كَنَفْسٍ واحدَةٍ}
الآيات عن معجزة بدء خلق الإنسان ثم معجزة الخروج عديدةٌ، ومتنوعة الأسلوب في القرآن الكريم وتكرارها لنفس الهدف تذكرة وموعظة للناس أجمعين ولكن أكثر الناس لا يعلمون كما ذكر الله تعالى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم
- التصنيفات: الإعجاز العلمي -
والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
لقد كانت كلمةُ حقٍّ من الله تعالى حين قال الله العزيز الحكيم للملائكة: {إنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَليفة} [البقرة من الآية:30]، وبهذا بدأ الله تعالى خلق الإنسان من عناصر الكرة الأرضية: {مِنْها خلقناكُمْ وفيها نُعيدكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارةً أُخْرى} [طه:55]، وقال الله تعالى: {وَاللهُ أنْبَتَكُمْ مِنَ الأرْضِ نَبَاتاً} [نوح:17].
والآيات عن معجزة بدء خلق الإنسان ثم معجزة الخروج عديدةٌ، ومتنوعة الأسلوب في القرآن الكريم وتكرارها لنفس الهدف تذكرة وموعظة للناس أجمعين ولكن أكثر الناس لا يعلمون كما ذكر الله تعالى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم.
وابتداءُ الخلق هو من إرادة الله ومشيئته فهو الذي رفعَ السماء ووضعَ الميزان وخلقَ الموت والحياة والزمان والأكوان والحيوان والأنام، فخلق الأنام جزء من خلق الله البديع الكبير المتعال، قال الله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ} [السجدة:7].
وقال تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثمَّ مِنْ نُطفةٍ ثمَّ مِنْ علقةٍ ثمَّ يُخْرجُكُمْ طفلاً ثمِّ لتَبْلغوا أشُدَّكُمْ ثمَّ لِتَكُونُوا شُيوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغوا أجَلاً مُسَمًّى ولَعَلَّكُمْ تَعْقِلون} [غافر:67].
وقال تعالى: {وَلقدْ خلقْنا الإنْسَانَ مِنْ سُلالةٍ مِنْ طِين} [المؤمنون:12]، وقال تعالى: {إنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكون} [آلِ عمران:59].
وقال تعالى: {وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثمَّ مِنْ نُطفةٍ ثمَّ جَعَلَكُمْ أزْوَاجاً وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنْثَى ولا تَضَعُ إلا بِعِلْمِهِ ومَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ ولا يَنْقُصُ مِنْ عُمُرِهِ إلا فِي كِتابٍ إنَّ ذَلكَ على اللهِ يَسيْر} [فاطر:11].
وقال تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أهُمْ أشَدُّ خَلْقاً أمْ مَنْ خَلَقْنا إنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ} [الصافات:11].
وقال تعالى: {إذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ} [ص:71].
وقال في سورة الحجر: {وَلقدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُون} [الآية:26].
وفي سورة الحجر أيضاً: {وَإذْ قَال رَبُّكَ للمَلائِكَةِ إنِّي خالقٌ بَشَرَاً مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حّمَإٍ مَسْنونٍ} [الآية:28].
وقال تعالى: {خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ صَلْصَالٍ كالفَخَّارِ} [الرحمن:14].
وقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذي خَلَقَ الأزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الأرضُ ومِنْ أنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يِعْلَمُون} [يس:36].
وقال الله تعالى: {هُوَ الذي خلقكُمْ مِنْ طينٍ ثمَّ قَضَى أجَلاً وأجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثمَّ أنْتُمْ تَمْتَرون} [الأنعام:2]، وقال تعالى: {وَمِنْ آياتِهِ أنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثمَّ إذَا أنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُون} [الروم:20].
هذه الآيات إقرار هادئ يقيني من الله تعالى في خلق البشرية من الأرض واستمرارها على النحو الذي فطرها عليه، وهذه الآيات فيها العظمة والإقرار الرباني الصادق وليس فيها نبرة التحدي، وإنما الموعظة والدليل بأسلوب رقيق يراعي الفهم والإدراك فمن يَعبد الإنسانُ إلا الذي خلقه فأحسن خلقه!
وهذه هي الفطرة السوية فالإنسان بحاجة إلى قوةٍ عظمى يستنير بها في روحه وقرارة نفسه العميقة، فمهما بلغ من القوة والجبروت فإنه ضعيف أمام الحياة والموت والبلاء والدوائر، فقد خلق الله القوي الحكيم الإنسانَ من ضعف حيث قال تعالى: {يُرِيْدُ اللهُ أنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وخُلِقَ الإنْسانُ ضَعِيفاً} [النساء من الآية:28]، وقال تعالى: {اللهُ الذي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قوةً ثمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وهُوَ العليمُ القَدِيْرُ} [الروم:54]، وقال تعالى: {إنَّ الإنْسانَ خُلِقَ هَلوعاً} [المعارج:19].
ومن بعض دلالات خلق الإنسان:
- التأكيد الواضح الناصع على خلق الإنسان من عناصر الأرض في مواضع متناثرة قيِّمة في القرآن الكريم المحكم الآيات.
- لقاء الروح والجسد فالروح من أمر الله في السماء والجسد من الأرض بأمر الله أيضاً، وهذا التمازج العجيب معجزة كبرى من معجزات وضع الميزان في السماوات والأرض.
- السلالة والتسلسل في الخلق فقد وضع الله الناموس حين جعل الخليفة في الأرض من جسد واحد صوَّره ونفخ فيه من روحه فجعله نفساَ واحدة بعد التصوير وإعمال المورثات لأجل الاستمرار والتسلسل ثم خلق منها زوجها وبث منهما البشرية جمعاء في علاقات إنسانية على مدى الحياة، وما توصل له العلم اليقيني من علم الأحياء والهندسة الوراثية دلائل إضافية على عظمة الخلق والخالق. وأسلوب القرآن أسلوب معجز بحد ذاته من كامل الزوايا في الموعظة والمواضيع والتراكيب والدلالات والتنظيم والتأثير اللفظي والقلبي، إن كان ذلك في الترغيب والترهيب أو في التذكير أو في الأحكام أو في العبر والقصص وإلى ما هنالك من الصفات والمواضيع.
لقد أقرَّ الله تعالى وأكَّد أن الغاية من الخلق واضحة جلية والهدف من خلق الإنسان ليس عبثياً وأضاف أن الإنسان في بدء ثم حياة ثم خروج وعودة إلى الله الرحمن الرحيم شديد العقاب، وأنَّ العبادة هي أصل ثابت من أصول الوجود، قال الله تعالى: {أفَحَسِبْتُمْ أنَّمَا خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وأنَّكُمْ إليْنا لا تُرْجَعُون} [المؤمنون:115]، وقال تعالى: {يَا أيُّها النَّاسُ أُعْبُدوا رَبَّكُمْ الذِي خَلَقَكُمْ والذينَ مِنْ قبْلكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [البقرة:21]، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنْسَ إلَّا لِيّعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
وفي الآيات التالية مثلاً يعرض الله أسلوب التحدي في الخلق والبعث ومن يتحدى الكونَ ومن فيه سوى خالقُهُ ومليكُهُ ربُّ الأرباب، قال الله تعالى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إنَّ اللهَ سَمِيْعٌ بَصِيْرٌ} [لقمان:28]، فلِمَنْ يكذِّب بالبعث والنشور أمَّنْ يستهزئ بآيات الله في النشأة الآخرة والمعاد هذه صاعقة من الله تعالى، وهي حجة عظيمة لمن وعاها ويسَّر له الله فهمها، فطوبى لِمَنْ صدَّق وثبت.
نعم، لقد جزم الله بأنَّ ذلك على الله يسير. نعم؛ الخلق كله بداية ونهاية كنفس واحدة عند الله تعالى فهذا هو التحدي الكبير فله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم، والله يسمع ما تقولون ويبصر ما تفعلون وليس في الكون سواه من يخلق ويبعث ويحاسب فيعاقب أشدَّ العقاب ويجزي بالإحسان إحساناً.
فهو الأحد ليس له ندٌّ وليس له شريك في الملك والخلق والبعث، قال سبحانه وتعالى : {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:40]، وقال تعالى: {قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثمّ يُعِيدُهُ قُلْ اللَّهُ يَبْدَؤُا الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيْدُهُ فَأَنَّئ تُؤْفَكُونَ} [يونس:34].
وقال تعالى: {أمْ خُلِقوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُون} [الطور:35]، وقال تعالى: {أفَمَنْ يَخْلُقُ كمَنْ لا يَخْلُقُ أفَلا تَذَكَّرُون} [النحل:17].
وفي سورة لقمان قال تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيْمٍ . هَذا خَلْقُ اللهِ فَأرُونِي مَاذا خَلَقَ الذِيْنَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ في ضَلالٍ مُبِينٍ} [لقمان:10-11].
وعلى نفس النسق وفي ثلاثة مواضع من سورة ق؛ ذكر الله تعالى كم هو يسير عليه سبحانه الخلق والحشر فقال تعالى: {أَفَعَيِيْنَا بِالخَلْقِ الأوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق:15]، وقال تعالى: {وَلقَدْ خَلقْنا السَّماواتِ والأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق:38]، وقال تعالى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلكَ حَشْرٌ عَليْنا يَسِيْرٌ} [ق:44]، وفي السياق نفسه قال تعالى في سورة مريم: {قَالَ كَذَلكَ قَالَ رَبُّكَ هَوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً} [مريم:9].
وقد ذكر الله تعالى بدء الخلق ثم أنه هو يعيده ولا أحد غيره يستطيع إعادة الخلق، بل أضاف ذكر سهولة الخلق وإعادته عليه سبحانه وتعالى، وذلك في مواضع متباينة من القرآن الكريم، فقد قال تعالى في سورة الروم: {وَهُوَ الذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أهْوَنُ عَليْهِ وَلَهُ المَثَلُ الأعْلى في السَّمَاواتِ والأرْضِ وَهُوَ العَزيزُ الحَكِيْمُ} [الروم:27]، وقال في سورة النمل: {أمَّنْ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ومَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ أإلَهٌ مَعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [النمل:64].
وقال تعالى: {اللهُ يَبْدَأ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الروم:11].
وقال تعالى: {أوَلَمْ يَرَوْا كيْفَ يَبْدَئُ اللهُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إنَّ ذَلكَ عَلى اللهِ يَسيْرٌ} [العنكبوت:19]، وقال أيضاً في سورة العنكبوت: {قُلْ سِيرُوا فِي الأرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ بَدَأ الخَلْقَ ثُمَّ اللهُ يُنْشِئُ النَّشْأةَ الآخِرَةَ إنَّ اللهَ عَلى كلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت:20].
وقال تعالى: {إلِيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقَّاً إنَّهُ يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيْدُهُ لِيَجْزِيَ الذيْنَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالقِسْطِ وَالذيْنَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيْمٍ وَعَذَابٌ أليْمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [يونس:4]، وقال تعالى: {إنَّهُ على رَجْعِهِ لقادِرٌ} [الطارق:8].
وقال تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيها نُعِيْدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه:55]، وقال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْناكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِيْنَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيْكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:94].
لو نظرنا إلى الآيات وتمعّنا في ورودها في القرآن الكريم لوجدنا أنها تذكرة وحجة وبرهان، ثم إنها التحدي من الله ذي الجلال والإكرام فله وحده الكبرياء في السماوات والأرض، وهو الذي تحدى البشر والأكوان أنَّ وعده الحق وأنه هو المعيد للخلق كما بدأه وهو عليه هيِّن، قال تعالى: {يوْمَ نَطْوي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ للكتُبِ كما بَدَأنا أوَّلَ خَلْقٍ نُعيدُهُ وَعْداً عَليْنا إنَّا كُنَّا فاعِليْن} [الأنبياء:104].
وقد ذكر الله تعالى في لهجة التحدي العكسي أن الإنسان خصيم مبين، وفي هذا الشأن تِبيان لطبيعة الإنسان والتخيير الذي وضعه الله في فطرة الإنسان وكيانه، فهذا هو الإنسان الذي لم يكن شيئاً مذكوراً ثم كان نطفة صغيرة لا حياة فيها، ثم مضى أطواراً ليُصبح في أحسن تكوين يتحدى خالقه بالكفر والعناد بخياره وملكاته، فقد قال تعالى: {خَلَقَ الإنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإذَا هُوَ خَصِيْمٌ مُبِيْنٌ} [النحل:4]، وقال تعالى: {أوَلَمْ يَرَ الإنْسانُ أنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإذا هُوَ خَصِيْمٌ مُبِيْنٌ} [يس:77].
فالله هو الذي خلق الإنسان وهداه النجدين فكان خصيماً مبيناً إلا من رحم الله وهدى، وتلك هي قصة محيرة لأصحاب العقول المسطحة في أن الله الخالق قد خلق مخلوقاً من نطفة أمشاج صغيرة ليكون له خصماً بيّناً مجاهراً، فكيف يستقيم الأمر على هذا والقدرة بالغة عند الله أمرها في أن تكون ما تريد أن تكون، ولكن الحكمة عظيمة وبالغة والابتلاء لا يتم إلا بالأضداد أحياناً، قال تعالى: {حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْني النُّذُرُ} [القمر:5]، ولكن في البداية وفي النهاية وما بينهما من هو مالك الملك! هو الله العزيز الجبار المقتدر ذو الطول القوي المتين.
ولهجة الإنذار والتحدي واضحة جلية لكل ذي عقل أو بصيرة وهم من رحم الله من العباد على أن يتفكروا في خلق الإنسان، قال الله تعالى: {وَفِي الأرْضِ آيَاتٌ للمُوقِنِينَ . وَفِي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات:20-21]، وعلى ما لها من دلالات ذات أطر متعددة ومتباينة منها الأساس في الوجود من عدم الوجود وفي الخلق في التركيب العنصري والبيولوجي والمورثات والاستقلابات وفي الحواس وفي النفسيات والسرائر وفي الطباع وإلى ما هنالك من معجزات الخلق ودقائق الأمور وعمومها في خلق البشرية واستمرارها الفطري.
استحوذ الخلق والبعث والنشور والرجوع إلى الله تعالى على مساحاتٍ واسعة من القرآن الكريم، فهي إذاً معجزة الإحضار للبشرية جمعاء لا تأخير ولا تبديل ولا استثناء، فلا يجلّي الساعة لوقتها إلا لله تعالى، يا لهول الموقف، {يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيْدٌ} [الحج:2].
والآيات كثيرة؛ منها ما ورد في القرآن الكريم قال تعالى: {يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بالْحَقِّ ذَلكَ يَوْمُ الخُرُوْجِ} [ق:42]، وقال تعالى: {ونُفِخَ فِي الصُّور فإذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ إلَى رَبِّهم يَنْسِلون} [يس:51]، وقال تعالى: {وَإنْ كُلٌّ لمَّا جَمِيعٌ لدَيْنا مُحْضَرُون} [يس:32]، وقال تعالى: {إنْ كَانَتْ إلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإذا هُمْ جَمِيعُ لَدَيْنا مُحْضَرُون} [يس:53]، وقال تعالى: {يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّوْرِ فَتَأْتُونَ أفْوَاجاً} [النبأ:18].
وكلمة الرجوع إلى الله تعالى واشتقاقاتها واردة في القرآن الكريم بكثرة وهي أساس من أسس التوعية والموعظة الربانية وأن هناك عودة حتمية لله الواحد القهار فلا عبثية في الموضوع على الإطلاق، فـ{إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة من الآية:156]، فمرة {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [الروم من الآية:11]، وهي مبني للمجهول ومرة مبني للمعلوم ومرة {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ} ومرة {رَاجِعُونَ}، فسبحان الله مالك الملك ربّ العالمين.
وما أكثر المواضع التي ذكر الله تعالى بدء الخلق والخلق واستمراره ثم إنهاءه إلى الحياة الآخرة، وقد حازت قضية الخلق على حصة كبيرة ومهمة في القرآن الكريم؛ فهي الأساس والأصل في الوجود ولولا الوجود لكان العدم ولكان الله من الأزل إلى الأبد في شؤون شتى لا علم لأحدٍ بها لا تُعدّ ولا تحصى.
قال تعالى: {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:29]، وقال تعالى: {لا يُسْألُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ} [الأنبياء:23].
فمشيئته سبحانه فوق كل شيء، قال الله تعالى: {إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ . وَمَا ذَلِكَ عَلى اللهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر:16-17]، وقال تعالى: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أسْرَهُمْ وإذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أمْثَالَهُمْ تَبْدِيلاً} [الإنسان:28]، وقال تعالى: {ألمْ تَرَ أنَّ اللهَ خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ إنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأتِ بِخَلْقٍ جَديْدٍ . ومَا ذَلِكَ عَلى اللهِ بِعَزِيْزٍ} [إبراهيم:19-20]، وهكذا قال الله تعالى: {يُذْهِبْكُمْ} بمنتهى التصريح الواضح الهادئ دون التحدي الصارخ بكلمة مثل يُدَمِّركم أو ينسفكم نسفاً، واللبيب يفهم والواعي يعرِف أن مشيئة الله ماضية فوق كل شيء وهو الذي يقول للشيء كن فيكون ونواميس الله ووعوده حاضرةٌ ثابتة إلا ما شاء وأمر به من المعجزات.
وهناك آيات أخرى عديدة في ماهية الخلق وتبعاته وما يترتب عليه منها قوله تعالى: {فأمَّا عادٌ فاسْتَكْبَرُوا في الأرْضِ بغَيْرِ الحقِّ وَقَالوا مَنْ أشدُّ منَّا قُوَّةً أوَلَمْ يَرَوْا أنَّ اللهَ الذي خَلَقَهُمْ هُوَ أشدُّ مِنْهُمْ قوَّةً وَكانوا بآياتِنَا يَجْحَدُون} [فصلت:15].
وقوله تعالى: {وقالوا لِجُلودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالوا أنْطَقَنا اللهُ الذي أنْطَقَ كلَّ شيءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ وإليْهِ تُرْجَعون} [فصلت:21].
وقوله تعالى: {أفَعَييْنَا بِالْخَلْقِ الأوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيْدٍ . وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوُسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أقْرَبُ إليْهِ مِنْ حَبْلِ الوَريْدِ} [ق:16-17].
وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَألْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهَ فَأنَّى يُؤْفَكُون} [الزخرف:87].
وقوله تعالى: {وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُون} [الجاثية 4].
وقوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} [الذاريات:49].
وقوله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنْكًمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيْرٌ} [التغابن:2]، وقوله تعالى: {خَلَقَ الإنْسَانَ} [الرحمن:3]، وقوله تعالى: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ} [الواقعة:57]، وقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ} [الملك:2]، وقوله تعالى: {ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيْفُ الخَبِيْرُ} [الملك:14].
وقوله تعالى: {كَلا إنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ} [المعارج:39].
وقوله تعالى: {يَا أيُّهَا النَّاسُ إنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فَإنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إلَى أجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لَتَبْلُغُوا أشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلَى أرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْلًا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإذَا أنْزَلْنَا عَلَيْها المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وأنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيْجٍ} [الحج:5].
وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدوا لآدَمَ فَسَجَدوا إلا إبْليسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِديْنَ} [الأعراف:11]، وقوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أطْوَاراً} [نوح:14]، وقوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى} [القيامة:38]، وقوله تعالى: {هَلْ أتَى على الإنْسانِ حِيْنٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاَ مَذْكُوراً . إنَّا خَلَقْنا الإنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيْراً} [الإنسان:1-2].
وقوله تعالى: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِيْنٍ} [المرسلات:20]، وقوله تعالى: {أفَرَأيْتُمْ مَا تُمْنُونَ . أأنْتُمْ تَخْلُقُوْنَهُ أمْ نَحْنُ الخَالِقُونَ} [الواقعة:58-59]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِيْنٍ . ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِيْنٍ . ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أنْشَأْنَاهُ خَلقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أحْسَنُ الخَالقين} [المؤمنون:12-14].
وقوله تعالى: {مِنْ أيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ . مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ} [عبس:18-19]، وقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الإنْسانُ مِمَّ خُلِقَ . خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} [الطارق:5-6]، وقوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فأحْسَنَ صُوَرَكُمْ وإليهِ المَصِيْرُ} [التغابن:3]، وقوله تعالى: {ولقدْ خلقْناكُمْ ثمَّ صوَّرْناكُمْ ثمَّ قلنا للملائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبليسَ لمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ} [الأعراف:11].
وقوله تعالى: {لقدْ خَلَقْنا الإنسانَ في أحْسَنِ تَقْويْم} [التين:4]، وقوله تعالى: {الذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار:7]، وقوله تعالى: {الذي خَلَقَ فَسَوَّى} [الأعلى:2]، وقوله تعالى: {واللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُون} [الصافات:96]، وقوله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:4]، وقوله تعالى: {إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ . خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} [العلق:1-2].
وقوله تعالى: {وقالوا أئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرْضِ أئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيْدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِروْن} [السجدة:10]، وقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذيْنَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيْدٍ} [سبأ:7].
وقوله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيْمٌ . قُلْ يُحْيِيْهَا الذِي أنْشَأهَا أوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيْمٌ} [يس:78-79]، وقوله تعالى: {قَالَ يَا إبْليسُ مَا مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أسْتَكْبَرْتَ أمْ كُنْتَ مِنَ العَاليْن} [ص:75]، وقوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالوا إئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أإنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيْداً} [الإسراء:98].
وقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَها وَأنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ لا إلهَ إلَّا هُوَ فَأنَّى تُصْرَفُون} [الزمر:6]، وقوله تعالى: {واللهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلَى أرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إنَّ اللهَ عَليْمٌ قَدِيْرٌ} [النحل:70].
وقوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ بِأنَّهُمْ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا وَقَالُوا أئِذا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أإنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيْداً} [الإسراء:98]، وقوله تعالى: {وعُرِضُوا على رَبِّكَ صَفّاً لقدْ جِئْتُمُونا كما خَلَقْناكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ ألَّنْ نَجْعَلَ لكُمْ مَوْعِداً} [الكهف:48]، وقوله تعالى: {خُلِقَ الإنْسانُ مِنْ عَجَلٍ سَأُريْكُمْ آياتي فَلا تَسْتَعْجِلون} [الأنبياء:37].
وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ المَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيْراً} [الفرقان:54]، وقوله تعالى: {َوإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَتَهُمْ وَأشْهَدَهُمْ عَلى أنْفِسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالوا بَلى شَهِدْنَا أنْ تَقُولوا يَوْمَ القِياَمَةِ إنَّا كُنَّا عَنْ هّذا غَافِليْن} [الأعراف:172].
وقوله تعالى: {يَا أيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثيْراً وَنِساءً واتَّقُوا اللهَ الذي تَسَاءَلونَ بِهِ والأرْحامَ إنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقيباً} [النساء:1]، وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أنْشَأكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُون} [الأنعام:98].
وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إليْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيْفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أثْقَلَتْ دَعَوُا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِريْن} [الأعراف:189]، وقوله تعالى: {وَخَلَقْنَاكُمْ أزْوَاجاً} [النبأ:8].
وقوله تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ والأنْثَى} [الليل:3]، وقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إليْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} [الروم:21]، وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ والجِبِلَّةَ الأوَّلِيْن} [الشعراء:184].
وقوله تعالى: {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أزْوَاجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُوْنِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ المُلْكُ لا إلَه إلا هُوَ فَأنَّى تُصْرَفُونَ} [الزمر:6]، وقوله تعالى: {اللهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِيْنَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ التِي قَضَى عَلَيْها المَوْتُ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إلَى أجَلٍ مُسَمَّىً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر:42].
وفي مقارنةٍ عظيمة بديهيةٍ بالضرورة قارن الله تعالى خَلْقَ السماوات والأرض بخلق الإنسان الذي هو -على أهميته بالنسبة للبشر- جزء يسير منهما، فأكد أنَّ خلْقَ السماوات والأرض هو المعجزة الأكبر على الإطلاق بوجودهما ودلالاتهما وآثارهما الواضحة المحسوسة بالحواس والإدراك وكذلك المتخَيلة عند العقل البشري الواسع بقدر فهو المحدود أصلاً بما خلقه الله تعالى فالله أكبر وأوسع وأجلّ، قال الله تعالى: {لَخَلْقُ السَّمَاواتِ والأرْضِ أكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ ولَكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [غافر:57]، وقال تعالى: {مَا أشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَا خَلْقَ أنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّيْنَ عَضُداً} [الكهف:51]، وقال تعالى: {فَاطِرُ السَّمَاواتِ والأرض جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أنْفُسِكُمْ أزْوَاجاً وَمِنَ الأنْعَامِ أزْوَاجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيْهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ} [الشورى:11].
وكذلك في سورة الجاثية: {وَخَلَقَ اللهُ السَّمَاواتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} [الجاثية:22].
والآيات في هذا السياق كثيرة ومتنوعة الأسلوب والدلالات الفرعية في هذا المضمار وهي تربو على مائةٍ وأربعين موضعاً فهو الذي خلقهما بالحق وهو العزيز الحكيم.
إضافة إلى ذلك ذكر الله تعالى في مواضع عدة من القرآن الكريم أنه الخالق لكل شيء على الإطلاق وبلا استثناء فهو الخالق الأوحد الأحد الصمد الوكيل على كل شيء، حيث قال تعالى في سياق آيات عديدة أنه خلق كل شيء وهذا كلام جامع لا استثناء فيه ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، قال تعالى: {بَدِيْعُ السَّمَاواتِ والأرْضَ أنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَليْمٌ} [الأنعام:101]، وقال تعالى: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إلَهَ إلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيْلٌ} [الأنعام:102].
وقال أيضاً في سورة الرعد: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاواتِ وَالأرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ نَفْعَاً وَلا ضَرًّا قلْ هَلْ يَسْتَوي الأعْمَى وَالبَصِيْرُ أمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أمْ جَعَلُوا لِلهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّارُ} [الرعد:16].
وقال تعالى: {اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلَّ شَيْءٍ وَكِيْلٌ} [الزمر:62]، وكذلك قال تعالى: {ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إلَهَ إلا هُوَ فَأنَّى تُؤْفَكُونَ} [غافر:62].
ثم يقول الله تعالى مالك يوم الدين وبعد أن أوجد البشرية أنه هو القاهر فوق عباده في موضعين اثنين في القرآن الكريم كما ورد في سورة الأنعام: {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكيمُ الخَبِيْرُ} [الأنعام:18]، وقال تعالى: {وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَليْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إذَا جَاءَ أحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} [الأنعام:61].
وهي العودة الحتمية إلى الله التي لا مفر منها لأي أحد ممن هباه الله روحاً على هذه الأرض، وعلى هذا وفي الختام نورد قول الله تعالى: {كلّْ نفسٍ ذائقةُ المَوْتِ ونَبْلوَكُمْ بالشَّرِّ والخَيْرِ فتنةً وإلَيْنَا تُرْجَعُون} [الأنبياء:35].
أسأل الله العظيم لي ولكم السداد في القول والعمل وحسن الختام، اللهم اجعلنا مِمَّنْ يعرفون الكتاب ويعملون به ولا تجعلنا من القوم الكافرين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله خالق السموات والأرض خالق البشرية من بني آدم أجمعين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ريان الشققي