اغتيال العِلم في سوريا

لم يترك طاغية الشام بشار جريمة نكراء إلا ارتكبها بحق الشعب السوري، ولم يدع شاردة أو واردة من أفعال الشر إلا اقترفها، حتى إن قاموس اللغة العربية ليعجز عن وصف المذابح التي قام بارتكابها في سوريا، وعن بيان حجم الأهوال التي سببها في هذا الأرض الطيبة المباركة

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


لم يترك طاغية الشام بشار جريمة نكراء إلا ارتكبها بحق الشعب السوري، ولم يدع شاردة أو واردة من أفعال الشر إلا اقترفها، حتى إن قاموس اللغة العربية ليعجز عن وصف المذابح التي قام بارتكابها في سوريا، وعن بيان حجم الأهوال التي سببها في هذا الأرض الطيبة المباركة.

وإذا كان القتل الذي يحصل بسوريا على يد بشار بأبشع صوره وأشكاله، والاغتصاب بأحط صوره وألوانه، وتدمير البيوت وتهجير أهلها منها، يعتبر الأكثر وحشية ودموية في تاريخ البشرية، فإن جريمة اغتيال العِلم والتعليم في سوريا، يمكن أن يوازي كل هذه الجرائم التي اقترفها هذا النظام البائد بحق الشعب السوري.

لقد وأدت عائلة الأسد منذ توليها الحكم في سوريا المواهب العلمية، وقامت بتهجير الكثير من العقول والأدمغة الفكرية، وحاربت المدارس والمؤسسات الإسلامية، وفرضت نظام التعليم الشيوعي الاشتراكي، مغلفًا بقومية عربية زائفة كاذبة، ومجدت في جميع الكتب والمراحل الدراسية عائلة الأسد، حتى لا يخلو كتاب مدرسي من صورة لحافظ أو بشار، ناهيك عن تزوير التاريخ وتحريفه، فهزيمة تشرين أصبحت انتصارا، وضياع الجولان أصبح صمودا وتصديا، وتدمير الاقتصاد وخراب البلاد أصبح حركة تصحيحية.

ومنذ بداية الثورة السورية المسلحة، واستهداف المدارس لم يتوقف خلال عامين كاملين، وفي إحصائية تقريبية لجمعيات حقوق الإنسان ومنظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة فإن حوالي 3000 مدرسة مدمرة خلال الحرب الدائرة في سوريا حتى الآن، وكان آخر هذه المدارس الثانوية التجارية في مدينة الرقة شمال شرق سوريا، في غارة جوية لطائرات الأسد، تسببت بإزهاق أرواح حوالي 16 شهيدا من طلاب هذه الثانوية، في 29/سبتمبر/2013م.

ولم يكتف النظام بذلك بل حول الكثير من المدارس في نقاط الاشتباك إلى ثكنات عسكرية، تتمركز بها قواته التي تحاصر المناطق المدنية، في حين اضطر السوريون إلى تحويل نحو 900 مدرسة إلى مراكز إيواء للنازحين من المناطق الأخرى التي تتعرض للقصف.

وقد نشرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) تقريرا مفصلا عن أطفال سوريا جاء فيه : أن 40% من أطفال سوريا خارج المدارس، وقالت المتحدثة باسم (يونيسيف) ماريكسي ميركادو في مؤتمر صحافي في جنيف الجمعة 6/9/2013 : إن نحو مليوني طفل سوري بين سن 6 و 15 عاما، أي ما نسبته 40 في المئة من إجمالي السوريين في هذه الفئة العمرية، باتوا خارج المدارس، واصفة هذه الأرقام (بالمخيفة). وأشارت ميركادو إلى أنه من أصل هؤلاء المليوني طفل سوري خارج المدارس، نصفهم لجأ إالى البلدان المجاورة لسوريا، مشيرة إلى أنه يوجد أربعة ملايين طفل داخل سوريا متضررين من الأوضاع الأمنية وبحاجة للمساعدة الإنسانية المستمرة.

إضافة إلى ذلك فإن التعليم في المناطق التي تخضع لسيطرة النظام، والتي تعتبر آمنة نسبيا، نظرا لعدم استهدافها من الثوار لوجود مدنيين فيها، فإن المدارس تكتظ بأعداد الطلاب المتزايدة يوميا، وذلك نتيجة لنزوح الكثير من العائلات من المناطق المشتعلة التي تزداد رقعتها يوما بعد يوم، إلى المناطق الأكثر أمنا، حتى وصل عدد الطلاب في الفصل الدراسي الواحد إلى 80 طالبا، فهل بالإمكان تصور قدرة الطالب على الاستيعاب والفهم في ظل هذا الاكتظاظ؟!! بل هل يمكن تصور قدرة المدرس والمعلم على إيصال الفكرة إلى الطلاب في ظل هذا الزدحام ؟!!

أما مدراس المناطق المحررة الخاضعة لسيطرة الثوار، فرغم العراقيل الكثيرة التي تعترضهم، من دمار كثير من المنشآت التعليمية، إلى مخاوف احتمال القصف التي تنتابهم، والتي كان آخرها كما أسلفنا قصف الثانوية التجارية في محافظة الرقة، إلى شح الموارد والوسائل التعليمية التي يحتاجونها، إلى ضعف التمويل والدعم المادي والفني الذي يفتقدونه، فإنهم يواصلون العمل من أجل تعليم الأطفال بإمكاناتهم المتواضعة، متحدين بذلك جميع الصعاب التي تواجههم.

وقد اعتبرت منظمة (هيومن رايتس ووتش) أمس الثلاثاء، أن الأطفال السوريين يخاطرون بحياتهم لمجرد الذهاب إلى مدارسهم، وذلك في بيان حصلت وكالة فرانس برس على نسخة منه، وذلك بعد حادثة استهداف الثانوية التجارية بمحافظة الرقة. وقالت الباحثة في المنظمة المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان (برييناكا موتابارثي) : إن استهداف المدرسة كان الحلقة الأخيرة في سلسلة من الهجمات الحكومية على مدارس أدت إلى مقتل طلاب. وأشارت إلى أن هجمات مماثلة كلفت العديد من الأطفال حياتهم، وجعلت آخرين يخاطرون بحياتهم لمجرد الذهاب إلى المدرسة، وأضافت : في حين يسعى العالم إلى وضع الأسلحة الكيمياوية السورية تحت السيطرة، تقوم القوات الحكومية بقتل المدنيين باستخدام أسلحة أخرى فتاكة. واعتبرت المنظمة أن الاعتداءات على المدارس هي انتهاكات خطيرة للقانون الإنساني الدولي، والأفراد الذين يرتكبون انتهاكات مماثلة عمدا مسؤولون عن جرائم حرب.

إن استهداف العلم والتعليم في سوريا بهذا الشكل والأسلوب الوحشي له ما بعده، فهو يهدف إلى استمرار إحباط وإفشال العملية التعليمية السورية، التي تعتبر أساس أي نهضة أو تقدم لأي دولة في العالم، وستظهر الآثار السلبية لانقطاع أطفال سوريا عن التعليم في المستقبل القريب، إن لم نتدارك ذلك عاجلا غير آجل، فكما أن للبندقية والسلاح أثر كبير في تسريع النصر على بشار، فإن للقرطاس والقلم والعلم أكبر الأثر في تثبيت هذا النصر واستمراره.