كُتِبت له براءتان

يقول النبي صلى الله عليه وسلم موجّها أمته: «مَنْ صَلَّى لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ»

  • التصنيفات: شرح الأحاديث وبيان فقهها - فقه الصلاة -


شرح الحديث:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم موجّها أمته: «مَنْ صَلَّى لِلَّهِ» أي خالصًا لله وابتغاء مرضاته «أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي جَمَاعَةٍ» أي متتالية دون انقطاع، في جماعة، وهذا العدد مقصودٌ غالبًا؛ إذ أن المرء إذا وصل إليه في المواظبة على العبادة، كانت له العبادة بعد ذلك عادةً فلا تشقُّ عليه، «يُدْرِكُ التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى» أي يكبّر التكبيرة التحريمية مع الإمام، يقول الحافظ ابن حجر: "إدراك التكبيرة الأولى سنة مؤكدة، وكان السلف إذا فاتتهم عزوا أنفسهم ثلاثة أيام، وإذا فاتتهم الجماعة عزوا أنفسهم سبعة أيام"، «كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَتَانِ: بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ» أي خلاصٌ ونجاةٌ من النار وعذابها، «وَبَرَاءَةٌ مِنْ النِّفَاقِ» أي يُنفى عنه وصف النفاق، يقول الإمام الطيبي: "أي يُؤمِّنُهُ في الدنيا أن يعمل عمل المنافق، ويوفِّقه لعمل أهل الإخلاص، وفي الآخرة يؤمِّنُهُ مما يُعَذَّبُ به المنافق, ويشهد له بأنه غير منافق، يعني بأن المنافقين إذا قاموا إلى الصلاة قَامُوا كُسَالَى، وحال هذا بخلافهم".

بِمَ تُدرك تكبيرة الإحرام؟
تُدرك تكبيرة الإحرام بأمرين، هما: القيام بالصف حال إقامة الصلاة، ومتابعة الإمام في التكبير، وبعض أهل العلم يُوقٍّت لها بشروع الإمام في قراءة الفاتحة.

يقول الإمام النووي: "يستحب المحافظة على إدراك التكبيرة الأولى مع الإمام، وفيما يدركها به أوجه: أصحها بأن يشهد تكبيرة الإمام، ويشتغل عقبها بعقد صلاته، فإن أخّر لم يدركها...".

ويقول الحافظ ابن رجب: "ونصّ الإمام أحمد في رواية إبراهيم بن الحارث على أنه إذا لم يُدرك التكبيرة مع الإمام لم يدرك التكبيرة الأولى".

حرص السلف على إدراك التكبيرة الأولى:
ورد عن سلفنا الصالح رضوان الله عليهم آثار كثيرة تؤكد حرصهم ومواظبتهم على إدراك تكبيرة الإحرام، ومن ذلك: ما جاء عن مجاهد قال: "سمعت رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -لا أعلمه إلا ممن شهد بدرًا- قال لابنه: أدركت الصلاة معنا؟ قال: نعم، قال: أدركت التكبيرة الأولى؟ قال: لا، قال: لَمَا فاتك منها خير من مائة ناقة كلها سود العين". (رواه عبد الرزاق في مصنفه).

ورُوي عن سعيد بن المسيب قوله: "ما فاتتني التكبيرة الأولى منذ خمسين سنة"، وعن وكيع قال: "كان الأعمش قريبا من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى، واختلفت إليه قريبًا من سنتين، فما رأيته يقضي ركعة"، وعن إبراهيم النخعي قال: "إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه -أي لا خير فيه-"، وعن يحيى بن معين قال: سمعت وكيعاً يقول: "من لم يدرك التكبيرة الأولى فلا تَرجُ خيره".
 

المصدر: إسلام ويب