شعوب لا تنهزم
إيهاب عدلي أبو المجد
قال مونتجمري: "إن المسلمين شعوب لا تنهزم" هذه العبارة وقفت معها كثيراً مع ما نراه حولنا وفي بلادنا مما يناقضها، حتى وقعت على هذه المقولة الرائعة لصلاح الدين الأيوبي: قال رحمه الله تعالى: "إن الهزيمة في حرب شريفة خير من نصر في ظل الخيانة"
- التصنيفات: التاريخ الإسلامي -
قال مونتجمري: "إن المسلمين شعوب لا تنهزم" هذه العبارة وقفت معها كثيراً مع ما نراه حولنا وفي بلادنا مما يناقضها، حتى وقعت على هذه المقولة الرائعة لصلاح الدين الأيوبي: قال رحمه الله تعالى: "إن الهزيمة في حرب شريفة خير من نصر في ظل الخيانة"، وقبل صلاح الدين الأيوبي قال حكيم بن حِزام رضي الله عنه: "بايعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن لا أَخِرَّ إلا قائماً" (أخرجه النسائي)، يعني أن أقتل مقبلاً لا مدبراً على قول كثير من أهل العلم.
إن ما حدث لشرفاء المصريين من خيانة السيسي وشركاه كانت هزيمة شريفة هي في حقيقتها نصر عظيم، وأما نصر السيسي فهو نصر في ظل الخيانة، فلا يتولى الخائنَ إلا خائنٌ مثله، أعاذنا الله من الخذلان، إن لباس ودرع الخيانة والانحطاط أصبح بادياً ظاهراً لكل ذي لب، هل كنا نتصور أن البنات يُعتقلن في الليل؟ هل كان يخطر في خيال طيفنا أن امرأة مسنة تُضرب من جندي مصري؟
التساؤلات كثيرة جداً، ولكن الجواب كفانا إياه صلاح الدين الأيوبي. إنها الخيانة التي تذهب بمروءة صاحبها، هل تدري يا قارئ كلامي هذا المناسبة التي قال فيها صلاح الدين الأيوبي مقولته الرائعة؟
الجواب مفاجأة فعلاً: في الحملة الصليبية الثالثة سنة 1191ميلادية بعد معركة حطين 583هـ، وصلاح الدين الأيوبي في طريقه لفتح عكا بعد بيت المقدس، وخلال تلك الأثناء حدثت خيانة بين صفوف الصليبيين إذ بعث أحد قادتهم رسالة إلى صلاح الدين يساومه فيها على (أورشاليم)، في مقابل أن ينسحب من القتال عندما ينشب ويترك خطوط ريتشارد قلب الأسد عارية!! ولكن صلاح الدين بإدراكه لحقيقة الإسلام الذي يحرر صاحبه من الدناءات ويسمو به في ملكوت السماوات شامخاً رفض أن يتحالف مع خائن، ورد على رسالة هذا الصليبي الخائن قائلاً: "إن الهزيمة في حرب شريفة خير من نصر في ظل الخيانة"، أخي في الله يا لروعة هذه النفس الأبية التي لا تخر إلا قائمة لا تتنازل عن ثوابت دينها الأخلاقية التي هي الأساس في القانون الدولي العام.
عاد فيليب ملك فرنسا إلى بلاده متمارضاً تاركاً ريتشارد وحده في مواجهة قوات صلاح الدين، بعد رفض صلاح الدين أن يبني نصره على خيانة تظل عاراً في صفحات التاريخ المتحدثة عن النصر المزيف الكريه اللون والرائحة والممجوج المذاق! وعند (أرسوف) انتصر ريتشارد على صلاح الدين نصراً جزئياً، ولا يدري أن المنتصر الحقيقي هو صلاح الدين الشامخ المعاني والروح والإرادة! ولكن سرعان ما طلب ريتشارد نفسه الصلح من صلاح الدين الأيوبي وهو منتصر!! ولكن في كوامن نفسه وأغوار خفاياه يعلم بنصر صلاح الدين حقاً، وأنه لو أكمل المواجهة سيُسحق لأن العاقبة للتقوى.
وبالفعل تم صلح (الرملة) سنة 1192ميلادية، كل ما فيه من شروط ليست منافية للإسلام، من تمكين النصارى من الحج لبيت المقدس، وأن يكون لهم قسس فيه، وحرية تنقل المسلمين والمسيحيين في كل البلاد، إلا شرطاً واحداً وهو بقاء المناطق من صور إلى يافا بأيدي الصليبيين، إلى أن جاءت الحملة الصليبية السابعة سنة 1249 ميلادية ونقض العهد بعد الحملات الصليبية الرابعة والخامسة والسادسة الموجهة لمصر خاصة وللشام عامة، واستطاع خليل بن قلاوون السلطان المملوكي من فتح عكا سنة 1291 ميلادية، بعد أن مهد له الطريق الظاهر بيبرس الطريق على طول الساحل الشامي واستأصل دابر الصليبيين بعد مائة سنة من صلح الرملة فتأمل ذلك!!
أخي المسلم ما عليك إلا أن تحيا معتزاً بدينك مستعلياً بإيمانك، متواضعاً بأخلاق نبيك في عز على الكافرين ورحمة بالمؤمنين، لا تغيرك الحوادث أبداً، ولا تستحوذ عليك الانهزامية أبداً، ولا يستعمرك اليأس أبداً، ولا تغرك الواقعية أبداً، إنه طريق واحد بمنظومة متكاملة (توحيد وعدل وجهاد).
مما يبعث في كوامني الأمل أن أقرأ أن أحد المسلمين قال سنة 656 هجرية: "من حدثك أن التتار انهزموا فلا تصدق" هكذا قال من اليأس!! فإذا بسنة 658هجرية تأتي ويأتي نصر الله من مصر، ويندحر التتار أمام الجيش الإسلامي!! قال المولى جل وعلا: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ . هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ . وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران:137-140].