وداعاً داعية الشباب

الداعية أحمد السميري رحمه الله همة تتقاصر دونها الهمم، وتضحية تضمحل أمامها التضحيات، وبذل وعطاء قل أن تراه في غيره.

  • التصنيفات: الدعاة ووسائل الدعوة -


هو الموت ما منه ملاذ، ولا مهرب، زائر لا يستأذن، وساعة لا تستقدم ولا تستأخر، وقضاء نافذ، لا يستثني أحدًا، ولا يفرق بين وضيع أو رفيع. وما الدنيا إلا ظل زائر، وطيف عابر، تمضي أيامها، وتتصرم لياليها، كعقد انفرط، وأوراق تساقطت. ألا وإن الشأن ليس في الموت، فما منه مفر، إنما الشأن في روح تقبض على أي حال ستقبض، وفي أي موطن، أفي طاعة أم معصية، أفي خطوات إلى البر وأسبابه، أم إلى الفجور ومهاويه.

وإن أشرف ميتة يتمناها المرء هي أن يقبض على طاعة وبر، فيبعث يوم القيامة عليها، و ما أشرف تلك الميتة التي مات عليها داعية الشباب، الحريص عليهم، الباذل نفسه في وجوه البر: شيخنا وحبيبنا الداعية أحمد بن عويض السميري رحمه الله وتقبله عنده في الصالحين.

مات رحمه الله وكانت ميتته عظة وعبرة لفئات من الناس، مات ملبياً داعيًا إلى الله، مات ماشياً إلى طاعة، ومتلبسًا بطاعة. الداعية أحمد السميري رحمه الله من دعاة جدّة المتميزين، عرفته أروقة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -عمله الرسمي- محتسباً آمرًا بالمعروف، ناهياً عن المنكر، برفق وحكمة وموعظة حسنة وابتسامة لا تفارق محياه. وعرفه المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد بالعزيزية بجدة -حيث كان يدير مندوبية الدعوة بحي مدائن الفهد- داعية نشيطًا، يبث الحماس في نفوس الدعاة، ويبذل وقته وماله وجهده وجاهه في الدعوة إلى الله عز وجل، دون كلل أو ملل.

الداعية أحمد السميري رحمه الله همة تتقاصر دونها الهمم، وتضحية تضمحل أمامها التضحيات، وبذل وعطاء قل أن تراه في غيره.
كان رحمه الله كريماً يجود بماله في سبيل الدعوة إلى الله، حتى أنه رحمه الله باع سيارته في إحدى السنوات من أجل إعداد مخيم دعوي للشباب ودعوتهم، ودفع راتبه كاملًا في تجهيز حملة الحج الدعوية لهذا العام، فأي كرم هذا الذي يذكرك بالسلف الصالح.


كان رحمه الله بعيدًا عن الشهرة، نافرًا منها، حريصًا على الإخلاص، وأجزم أن كثير من المشايخ وطلبة العلم وعامة الناس الذين تفاعلوا مع خبر وفاته رحمه الله لم يعرفوه أيام حياته، إنما هو القبول من الله عز وجل، والكرامة التي يهبها لمن يصطفي من عباده.

كان رحمه الله دائم الابتسامة، لين الجانب، شديد التواضع، لايرى لنفسه مقامًا أو شأنًا بين إخوانه، رغم منجزاته الدعوية الكبيرة ومنها: إدارته لمندوبية الدعوى بحي مدائن الفهد لسنوات متواصلة، وحملته الدعوية للشباب التي يقيمها مع مجموعة من الدعاة منذ عام 1421هـ، ومشاركاته الدعوية والاحتسابية في العديد أحياء جدة بل وخارجها، وحرصه الدائم على دعوة الشباب بكافة الطرق الدعوية الحكيمة.

ووالله إنك لتذهل مما هيأ الله له من أعمال صالحة قبيل وفاته بأيام، حتى كأن الله عز وجل يعده إعدادا ليتهيأ ليوم وفاته، وقد صدق رسولنا صلى الله عليه وسلم حينما قال: «إذا أحبَّ اللهُ عَبدًا عسَّلَه». قالوا: "ما عسَّلَه يا رسولَ اللهِ؟" قال: «يُوفِّقُ لهُ عملًا صالحًا بين يدَي أجلِه».

حيث رزقه الله ملازمة والدته قبيل ذهابه للحج حيث قدمت عليه وأقامت في بيته وفرح بها أيما فرح وأكرمها وقام على خدمتها، ثم يسر الله عز وجل له هذا العام الإشراف على تحجيج 600 حاج من الشباب وتاب منهم خلق كثير تجاوزوا المئتي شاب، حتى إذا دنت ساعة الرحيل وأتم الله له غالب نسكه، ودع الحجاج في اليوم الثالث عشر ووزع عليهم الهدايا ثم توجه لرمي الجمرات، وسبق قضاء الله النافذ وتعرض لحادث دهس أنهى حياة مليئة بالطاعة والكفاح والعمل المستمر في الدعوة إلى الله، وكانت آخر كلمة له نطقها قبيل الحادث بثواني -كما يذكر من كان بجانبه وقت الحادث- نسأل الله أن يتقبل منا، وتوفي مبتسما نير الوجه رحمه الله وتغمده بواسع رحمته.

وقد كانت وفاته رحمه الله درسًا عظيمًا لكثير من الناس، فلم يكن رحمه الله صاحب شهرة ولا معروفًا عند الناس، لكنك تعجب من حزن الناس عليه وتفاعلهم وتأثرهم في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذه والله علامة إخلاص وصدق وقبول بإذن الله، والناس شهود الله في أرضه.

يقول الشيخ الدكتور عمر المقبل تعليقًا على وفاته رحمه الله: "من علامات حسن الخاتمة أن يقبض الشخص بعد عمل صالح، فكيف إذا قبضت روحه وهو متلبس به!"


ويقول الشيخ الدكتور محمد المهنا: "يحزن القلب على فقد من لهم أثر في الدعوة والخير، فيا شبابنا ويابناتنا قوموا مقامهم وسدّوا مسدهم وعوضونا عن رحيلهم".

رحمك الله ياشيخنا أبا مصعب، وتقبلك عنده في الصالحين وأخلف على أهلك ودعوتك وعوضهم خيرًا، وإنا على فراقك ياداعية الشباب لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا لله وإنا إليه راجعون.



محمد بن مشعل العتيبي