"الموساد" واللعب على التناقضات اللبنانية

علي باكير

  • التصنيفات: العقيدة الإسلامية -

ليس سرا أن المستفيد الأول من الأحداث التي شهدتها الساحة اللبنانية خلال السنوات الأخيرة، وخاصة منذ مقتل الرئيس الحريري هو إسرائيل.

 

ليس ذلك من قبيل"الفوبيا" أو"نظرية المؤامرة" بقدر ما هو حقيقة واقعة على الأرض يتم تكرارها يومياً و بأشكال مختلفة، سواء في لبنان أو فلسطين أو العراق. فالمأزق الإسرائيلي الداخلي يحتّم عليها اللجوء إلى وسائل غير تقليدية في تخريب الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصاديّة في البلدان المجاورة، و حتى البعيدة، و ذلك كي ينشغل العالم بأمور أخرى، و تتفرّق الاتّهامات هنا و هناك، بشكل تضيع معه هويّة الفاعل الحقيقي.

 

لا شك أنّ العمليّة النوعيّة التي حقّقها جهاز المخابرات التابع للجيش اللبناني في الكشف يوم الثلاثاء الماضي عن شبكة عملاء إسرائيلية مسؤولة عن عدد من التفجيرات التي حصلت مؤخراً على الساحة اللبنانية، و أبرزها عملية اغتيال الشقيقين"مجذوب" القياديين البارزين في الجهاد الإسلامي في لبنان، ستغيّر العديد من المسلّمات التي كان يتم تداولها مؤخراً حول تخريب الوضع اللبناني، و المستفيد منه عبر الاغتيالات و التفجيرات التي كانت تجري بشكل دوري.

 

و قد خرق هذا الإنجاز الحالة العامة و الدائرة التي كان يتم توجيه الأحداث بها، ووجه البوصلة أخيرا باتّجاه الموساد الإسرائيلي؛ إذ لطالما كنّا نشير إلى مسؤولية الصهاينة و العملاء التابعيين لهم عن مثل هذه الأعمال، لكنّ الإعلام القويّ و التعبئة التي كانت حاصلة في الساحة اللبنانية كانت تحوّل الأنظار والاتّهامات لجهة محددة وفق مصالح سياسية، الأمر الذي ساهم في تضليل الرأي العام، بل و حتى الأجهزة الأمنيّة اللبنانية التي أصبحت مهمّتها صعبة جداّ في هذه الظروف.

 

على الصعيد الداخلي، لا شكّ أنّ هذا الإنجاز سيعطي دفعة قوية لقوى الأمن الداخلي و الجيش اللبناني، كما من شأنه أن يعطي الثقة للمواطن اللبناني الذي يئس في مرحلة من المراحل من قدرة الدولة على ضبط الأمن في ظل الهيجان الإعلامي و السياسي الحاصل، و المناكفات و الاتهامات، و الاتهامات المضادة بين السياسيين و المسؤولين.

 

على الصعيد الإقليمي و الخارجي، أعادت هذه العملية تسليط الضوء على دور الموساد الإسرائيلي و مصلحته في تخريب الوضع اللبناني، في وقت نسي أو تناسى فيه عدد كبير من المسؤولين هذا الدور التخريبي؛ إذ كانت وجهة الاتّهامات تصبّ في خانة سوريا وحدها.

 

و لا يجب الوقوف عند الحدث فقط و التغني بإنجازاته؛ إذ يجب العمل على الربط بينه و بين مختلف الأحداث التي وقعت خلال السنوات الأخيرة على الساحة اللبنانية. خاصة إذا علمنا أنه - ووفقاً لأحد المسؤولين اللبنانيين- يوجد ما يقرب من (400) عميل موساد أجنبي في لبنان بجنسيات غربية، ناهيك عن عناصر المخابرات الأمريكية و الفرنسية و البريطانية، و هو ما ينبغي وضعه بعين الاعتبار عند حصول أيّ عملية تفجير أو تخريب نوعيّة في لبنان.

 

الإعلان عن هذا الإنجاز يأتي بعد عدةّ أيّام من تقديم المحقق الدولي (سيرج براميرتز) تقريره لمجلس الأمن، و الذي سيتم مناقشته لاحقاً، و لا شكّ أنّ كشف الشبكة الإسرائيلية من شأنه أن يؤدي إلى تنفيس الاحتقان الحاصل ضدّ سوريا التي أبدت ارتياحها لتقرير المحقق (سيرج) الذي كان راضياً من مستوى التعاون السوري وفق ما جاء في التقرير.

 

فحتى الأمس القريب كانت جميع أصابع الاتهام في قضيّة اغتيال الحريري توجّه باتّجاه و سيناريو واحد و مسؤولية سوريا عن هذه العمليّة. و بغض النظر سواء كان هذا التوجّه مقصوداً من قبل القوى الدوليّة، و على رأسها أمريكا وإسرائيل لمصالح خاصّة، أو من قبل بعض وسائل الإعلام التي ما فتئت تصبّ الزيت على النار من خلال تسليط الضوء على ضرورة أن تكون سوريا وراء عمليّة الاغتيال.

 

  أو أنّ العاطفة و المصالح غلبت التعقّل و الصبر؛ فكانت سوريا الهدف الأسهل، أمّا و قد جاءت عملية الكشف عن هذه الخلية الضخمة التابعة للموساد، فعلى سوريا أن تأخذ المبادرة في هذه المرحلة، و تعمل بقدر الإمكان على تحسين و رأْب الصدع في علاقاتها مع لبنان، لاسيما أنّ هناك اتّجاهاً دوليّاً على ما يبدو إلى تهدئة الجبهة اللبنانية بعد أن انتقلت الأولوية إلى الملف الإيراني و العراقي؛ إذ لم يعد الموضوع اللبناني يتصدّر قائمة الاهتمامات الأمريكية.

 

و بما أنّه يبدو إلى الآن أنّ التحقيق في مقتل الحريري سيأخذ وقتاً طويلاً، فمن الضروري على الجهات اللبنانية الداخليّة أو الدولية أو حتى لجنة التحقيق نفسها توسيع دائرة الاحتمالات الواردة تجاه المشتبه بهم بخصوص عملية اغتيال الحريري، لتشمل الجانب الإسرائيلي بالضرورة. فقد كان أكبر خطأ ارتكبه (ميليس) هو الانطلاق من فرضية واحدة في التحقيق تقوم على مسئولية سوريا عن الحادث، وبالتالي فالمطلوب من لجنة التحقيق ليس البحث عن الفاعل الحقيقي، وإنما تجميع"الأدلة" ضد سوريا تحديدا، وإدانتها بأي طريقة!

 

  أمّا الآن و بعد كشف هذه الشبكة التي تعمل لحساب الموساد، فيجب على المحقق (سيرج) أن ينتبه كي لا يقع في نفس الفخ الذي وقع به من سبقه، فإسرائيل ليست بعيدة عمّا يجري في الساحات العربية واللبنانية بشكل خاص، والمجموعة التي تمّ الكشف عنها ليست الأولى و لن تكون الأخيرة.

المصدر: الإسلام اليوم