من ينقذ عُمَرَ العراق؟!
ملفات متنوعة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
((( الأمريكان قتلوا ماما سعاد، والشيعة طردوني وما صلّحوني من جديد لأن اسمي عُمَر )))
مفكرة الإسلام [خاص]: تتوالى المصائب يوميًا على أهل السنة في العراق وكأن الاحتلال لم يأتِ للاحتلال العراق إلا لسفك دمائهم وتشريدهم وقتلهم على الهوية!
فما بين رصاصات الاحتلال في صدور السنّة إلى سياط الشيعة على ظهورهم، تتوالى الحكايات المأساوية على سنّة العراق في عراق الحرية والديمقراطية، حتى أصبح الأمر صفقة رابحة لشركات هوليود لإنتاج أفلام سينمائية عن تلك الحكايات والقصص التي لم يسمع بها من قبل؛ لقلب الحقائق رأسُا على عقب، وتحريف الصورة إلى ما يريده الاحتلال.
اليوم نتناول مأساة رجل فقد زوجته وابنه برصاص الاحتلال، كما فقد جسده، وكما فقد عُمَر ابنه مستقبله بشكل كامل.
'صلاح محمود عبد القادر العبيدي' هو شاب من أهل السنة في بغداد، متزوج من زوجة سنّية من أهل التوحيد، حافظة للقرآن كاملاً. تعرض في يوم 9/1/2006 في شهر رمضان المبارك إلى اعتداء من قبل القوات المحتلة عندما كان متوجهًا وزوجته وطفلاه إلى زيارة أهل زوجته في بغداد، حيث أودى ذلك الاعتداء إلى استشهاد زوجته سعاد سلمان العبيدي ذات الثمانية والعشرين ربيعًا وابنه علي، كما أصيب هو بسبع رصاصات جعلته طريح الفراش لا حراك له، حيث أصيب بشلل وعجز عن التحكم بالأفعال الإرادية كالإدرار والإخراج، كما أصيب ابنه عُمَر البالغ من العمر أربعة أعوام بحروق تقدر بسبعين في المائة جعلته مشوهاً تمامًا.
نترك 'أبو عُمَر' ليروي لنا حكايته بنفسه ويقول:
"في يوم 9/1/2006، ونحن في السيارة من نوع GMCصالون مع السائق، وهو صديقي يدعى 'خلف أبو زيد'، وكان الجو حينها مغبر يقطعه بعض المطر، ونحن على الطريق ما بين سامراء وبغداد صادفنا رتلٌ للاحتلال الأمريكي يسير على نحو معاكس لنا، شعرنا بالخوف وكأن شيئًا قد يحصل لنا فابتعدنا عنهم قدر المستطاع ولم نكن نتوقع أنهم سيطلقون النار علينا، إلا أنهم فعلوا انتقامًا منا، حيث عرفنا فيما بعد أنهم كانوا قد تعرضوا لهجوم من المجاهدين قبل وصولنا بالقرب منهم بدقائق.
فتح جنود الاحتلال النار علينا بشكل كثيف وكأن القيامة قد قامت، ولم أعد أرى حينها إلا التراب والنار. لقد أطلقوا علينا هؤلاء القساة بكل قواهم النار على الرغم من أنهم تأكدوا أننا عائلة ولسنا مقاومة حيث كان .."، وهنا سكت قليلاً وقد أخذت دموعه تناسب على خده، وقد تأكّد لنا أنا قد حركنا مواجعه، ثم أخذ نَفَسَهُ وحاول حبس دموعه فقال: "لقد كان ابني علي يجلس في حجري وزوجتي وابني عُمَر في الخلف بينما كان الأخ 'أبو زيد' صاحب السيارة رحمه الله هو من يتولى القيادة.
وما هي لحظات حتى شعرت بالأخ 'أبو زيد' سائق السيارة يصيح بي: "أبو عُمَر" تشهّد فنحن ميّتون!! صرنا نصيح بالشهادة ونرفع باسم الله.. ياالله .. ياالله .. ياالله، والسيارة تشتعل فيها النار ولا أعلم مصير زوجتي أو ابني أو السائق.
وتوقف إطلاق النار فأسرعتُ في محاولة خروجي من السيارة التي بدأت بالاشتعال، ورميت بنفسي إلى الخارج، ثم حاولت الدخول مرة أخرى إلى السيارة لإنقاذ زوجتي وولدي، وتمكنت من إخراج ابني والذي وجدته قد فارق الحياة! فوضعته جانبًا وركضت إلى زوجتي من الباب الخلفي للسيارة فوجدتها هي الأخرى قد فارقت الحياة..
وتوجهت بعدها من الباب الثاني الخلفي للسيارة إلى ابني عُمَر فوجدته لا زالت فيه روح، لكن النار تشتعل برأسه وجسمه، وكأن مادة حارقة ما قد صُبَّت على جسده الطري. حاولت بالتراب أن أطفئ النار من رأس عُمَر، وبالفعل تمكّنت من ذلك.. كنت أصرخ بأعلى صوتي.. لقد كانت ليلة ولا كل الليالي.. لقد أزال ذلك المنظر كل بهجة الحياة لدي!
عندها جاء الخنازير جنود الاحتلال، وقاموا بتوجيه رشاشاتهم إليّ وأنا أنزف من كل مكان، وأحتضن ابني وقد التصق جلده الناعم بثوبي، فكان لحمًا بلا جلد، وعيني مفتوحة لا أدري، هل أبكي أو أصرخ؟ هل سيغمى علي.. هل.. هل.. هل.. ماذا أفعل؟ لا أدري! لا أعلم!!
بعدها أراد جنود الاحتلال حملي ووضعي في عربه همفي، وأنا لا زلت أنظر إلى جسد زوجتي والسائق يحترقان داخل السيارة توسّلت بهم، ناشدتهم أن يدعوني أُخرج زوجتي. أخاطبهم إنها زوجتي.. زوجتي يا ناس.. يا بشر!!
لكنهم سحبوني بقوة، أنا وابني عُمَر، وظلت النار تشتعل بجسد الحبيبة ورفيقة العمر زوجتي سعاد، وابني الأكبر علي بجوار السيارة وقد فارق الحياة، أما السائق رحمه الله فقد التحم رأسه بمقود السيارة والنار تأكل بهم رحمهم الله جميعًا.
أفقت بعدها على نفسي وأنا في قاعدة البكر الأمريكية، وأطباء يحيطون بي، وكذلك جنود، وعلمت حينها أنني خسرت ابني وزوجتي فسألتهم عن عُمَر، فقالوا لي عبر مترجم: إن عُمَر حيّ وستتمكن من اللقاء به عن قرب، كما علمت أنني أصبت بسبع رصاصات في جسدي، لازالت واحدة مستقرة حتى الساعة قرب النخاع الشوكي وهي ما سببت لي شلل وعجز كامل.
وعندما جاءوا بعُمَر ونظرت إليه أغمي علي وفقدت الوعي والإحساس بالكامل، فكنت أعزّي نفسي أن الله ترك لي من هذه الحياة الدنيا عُمَر، لكن عُمَر كان غير عُمَر الأول! لقد كان طفلي الصغير مشوه بالكامل!! وحتى الأمريكان عندما جاءوا به كانوا يحملونه باشمئزاز.
خرجت أنا وابني عُمَر بعد شهر كامل من المكوث عندهم، وكانوا يحجبون الصحفيين الأجانب الزائرين لهم من رؤيتنا، وقد أعطوني عشرين دولارًا لأتمكن من الذهاب إلى أهلي وأنا هنا الآن.
أما زوجتي فقد أكلتها النار، ولم يتبقَ منها إلا العظام، كما السائق نفس الأمر وأما ابني علي فقد أكلته الكلاب في تلك المنطقة؛ نظرًا لتأخر الناس في القدوم إليهم، حيث المنع من التحرك وكذلك صعوبة الجو في ذلك اليوم، وتم دفن كل من زوجتي والسائق على شكل عظام فقط.
أما بني فقد حُملت بقاياه في كيس ودفن كما قيل لي بعد ذلك.
لا زوجة ولا صحة ولا ابن سليم ولا منزل، فحتى منزلي الذي كنت أسكن به بإيجار شهري قدره300 ألف دينار عراقي (200 دولار)، طردني منه صاحبه الشيعي لأنني حدّاد أبواب وأكسب المال من يدي، ولم أعد أتمكن من دفع إيجار المنزل، فرمى بأغراضي إلى الشارع، وأنا وابني نسكن عند أحد أهل الخير من أهل السنة في بغداد.
وهو من يتكفّل وزوجته وأبناؤه برعايتي ورعاية ابني من خروجي إلى الحمام حتى غسلي وغسل ملابسي وتنظيف ابني عُمَر، فأنا عاجز كما ترى.
بعدها أقنعني بعض الخيريين بالتوجه إلى مستشفيات بغداد لعلاجي وعلاج ابني، لكني صدمت بالنتيجة حيث كشف علي خمسة أطباء عراقيين، وأكدوا لي أن الرصاصة مسمومة، ولا يمكن لأطباء العراق إجراء تلك العملية هنا، فهي دقيقة وتكاليفها تصل إلى أربعة آلاف دولار في الخارج.
أما عُمَر فقد ذهب به أهل الإحسان من مصلى الجامع المجاور لنا إلى المستشفيات ببغداد كافة، وكانت النتيجة أنه يحتاج إلى علاج في مستشفى ابن سينا في بغداد، ولا غير ابن سينا يتمكن من علاجه؛ فهو أرقى مستشفيات بغداد. وعندما توجه به الخيّرون إلى هناك، وعلم مدير المستشفى أن اسمه عُمَر، وهو من أهل السنة قال بالحرف الواحد باللهجة العراقية: "هو اسمه عُمَر؟ خليه يموت أشرف له، ما عندنا علاج للي أسماؤهم عُمَر"!!!! رفض ولم يوافق حتى أن يراه طبيب مصري مقيم في تلك المستشفى.
عندها سلّم الناس الذين وقفوا معي أمرهم لله وقالوا: نجمع له المال ونعالجه في عيادة خاصة، وذهبوا به إلى إحدى العيادات الخاصة لطبيب مشهور في العراق فقال لهم: إنه يحتاج إلى عملية ترقيع وعملية تجميل وتقويم للأطراف، ولا يوجد مثل هذه العمليات في العراق، يجب أن يخرج إلى خارج العراق وهناك تتم له عملية قبل أن يمضي وقت عليه، ولا يمكن له حينها أن يعالج أبدًا. وكلفة العملية التي خمّنها الطبيب من خمسة آلاف دولار إلى سبعة آلاف دولار، ولا طاقة لي بها لا أنا ولا كل من أعرفهم.
هذا أنا وهذه مأساتي وحسبي الله ونعم الوكيل"..
بهذه الكلمات قطع صلاح حديثه المبكي، وهو يبكي.. وواصل بعد دقائق من الصمت المطبق على جميع الحضور قائلاً: "أتعرف لمن أشتاق؟"
- المراسل: إلى زوجتك رحمها الله؟
- صلاح: لا والله فهي شهيدة، وأنا مشتاق إليها وإلى ابني طبعًا، لكني مشتاق إلى أن أسجد سجدة واحدة لله تعالى، وأنا واضع جبيني على الأرض، فأنا أصلّي بالتفكير الآن فقط! وأنا منذ نعومة أظفاري لم أترك صلاة واحدة في المسجد إلا ما ندر والحمد لله، كما أنني أتمنى أن يعيد الله عُمَر إلى ما كان عليه أو أقلّ، حتى يتمكن من العودة إلى طبيعته، فهو الآن كما ترى مشوّه ولا طاقة لي بتكاليف علاجه، ولم يبق لي إلا الله وعُمَر في هذه الدنيا، والذي تأتيه نوبة بكاء كلما تذكّر ذلك المنظر الرهيب!!"
أما عُمَر فيقول باللهجة العراقية: "الأمريكان قتلوا ماما سعاد، والشيعة طردوني وما صلّحوني من جديد لأن اسمي عُمَر"!
خرجنا والدموع تملأ عيوننا بعد أن قال والد عُمَر ذلك البيت من الشعر:
مالي سوى قرعي لبابكَ حيلةً فإذا ردَدْتَ فأيَّ بابٍ أطرُقُ