نزيف الاقتصاد المصري
يمكن لجميع الأطراف السياسية المتناحرة في مصر إلقاء اللائمة على بعضها البعض في تدهور الاقتصاد المصري، لكن المواطن ليس في وارد الاستماع إلى جملة من التراشقات اللفظية وغير اللفظية التي تفسر تراجع الاقتصاد المصري ووصوله إلى منحدرٍ مقلق.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
يمكن لجميع الأطراف السياسية المتناحرة في مصر إلقاء اللائمة على بعضها البعض في تدهور الاقتصاد المصري، لكن المواطن ليس في وارد الاستماع إلى جملة من التراشقات اللفظية وغير اللفظية التي تفسر تراجع الاقتصاد المصري ووصوله إلى منحدرٍ مقلق.
يختلف الفرقاء في مصر لكنهم متفقون على أن الاقتصاد يمر بعاصفة مدوية؛ تنسب الصحافة المصرية في أحد عناوينها (الأهرام 25 أكتوبر) للحكومة قولها إن ثمة "مؤشرات إيجابية على تحسن الاقتصاد المصري" لكنها ما تلبث أن تتبع ذلك العنوان بآخر أسفل منه يقول: "البنك المركزي: ارتفاع تاريخي لديون مصر نهاية يونيو إلى 1.8 تريليون جنيه"!
ومهما يكن من أمر؛ فإن الشعب يجد نفسه ضحية هذا التحول المفاجئ مع غروب شمس 3 يوليو الماضي؛ فالنفق الذي دخل إليه الاقتصاد مُخلِّفاً نحو ثلاثة ملايين عاطل عن العمل، إضافيين على ملايين العاطلين بالأصل، في قطاع السياحة وحده كفيل بأن يخلف مشاكل لا حدود لها.
فإذا ما انضاف إليها تعثر الحكومة العجوز وتآكل الاحتياطي الأجنبي، وزيادة أثقال وهموم مليارات الدولارات التي دخلت مصر مؤخراً مندرجة تحت بند القروض ذات الربا العالي النسبة، والتي تبلغ نحو 12 مليار دولار، لم تضف كثيراً للاحتياطي النقدي الأجنبي مع اندفاعها في خزينة مثقوبة، وموازنة عاجزة، ما نجم عنه ثبات نسبي في حجم هذا الاحتياطي منذ ذلك التاريخ، برغم ضم 8.7 مليار دولار للموازنة أتت فعلياً من دول عربية، لم تعد مستعدة لفتح خزائنها للانجذاب إلى الثقب الأسود الاقتصادي المصري.
والاستثمار الذي بدأ في التدفق إلى مصر بعد الانتخابات الرئاسية الماضية للإفادة من سوق واعدة مع محفزات استثمارية عالية لإقامة مشروعات شراكة عملاقة كمحور قناة السويس وتنمية سيناء وبعض المصانع العالمية، سرعان ما تبددت الآمال باستمرارها أو جلبها، ونشرت الأهرام قبل أيام قائمة بالشركات الكبرى التي انسحبت من السوق المصرية وأغلقت مكاتبها فيها، منها، شركة توماس كوك الألمانية للسياحة والسفر، و(TUI) شقيقتها الألمانية، ومصانع جنرال موتورز وتويوتا وسوزوكي، وشركة رويال داتش شل النفطية العملاقة، وشركة باسف الألمانية العملاقة للكيماويات، وشركة يلدز التركية للصناعات الغذائية، ومصانع إلكترولوكس السويدية للأجهزة المنزلية، ومنذ بدأت حالة الطوارئ في 18 أغسطس بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة، رحلت على الأقل 8 شركات عالمية كبرى عن البلاد.
والمشكلة الكبرى التي تواجه الاقتصاديين الرسميين في مصر الآن، أن لا أفق لديهم في إنقاذ الاقتصاد، فلا المناخ جاذب للاستثمار، ولا أزمات الوقود والأمن والطرق، ولا حالة الانسداد السياسية تسمح بخيال اقتصادي واعد.
ويُعزِّز كل هذا توقف معظم القطارات حتى الآن، وارتفاع أسعار المواصلات تبعاً لذلك، والازدحام المروري، وارتفاع الأسعار بنسبٍ عالية جداً في فتراتٍ وجيزة وبقفزاتٍ لا تتحملها المداخيل المتوسطة، حيث تراوحت الزيادات في قوائم الطعام الرئيسة لما بين 50-100% خلال 4 شهور فقط؛ فيما يستقبل المصريون هذا الموسم بملابس شتوية تزيد بنسبة 40% عن العام المنصرم.
الأمل الذي تنعقد عليه آمال الحكومة المعينة الآن أن تنجح مساعيها في تلجيم اقتصادها مجدداً بحزمة أخرى من الديون، التي لا الدول العربية ستقبل على منحها بلا ضمانات، ولا الصندوق الدولي، ولا الدول الغربية... لذا؛ بدأ كثيرون يخلصون إلى الاعتقاد بأن لا حل اقتصادي في مصر دون عودة الأمور إلى مسارها الذي كانت عليه قبل حلول ظلام ليلة 3 يوليو الماضي.
إذ لا بديل برأيهم سوى المصالحة وتجاوز المعادلة الصفرية الإقصائية التي أودت بدور مصر الإقليمي والدولي، ودمَّرت اقتصادها وحلمها.