تفكيك المشهد المصري الحالي بين الواقعية والأماني
خالد غريب
الأخبار والتحليلات المتداولة على مواقع التواصل والمواقع الإخبارية، ومن شخصيات معروفة يتداولها الكثيرين وأنا منهم؛ والكل يضع رؤيته حولها معظمها يدور بلهفة حول بشريات انتهاء وسقوط الانقلاب العسكري الدموي في مصر.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
الأخبار والتحليلات المتداولة على مواقع التواصل والمواقع الإخبارية، ومن شخصيات معروفة يتداولها الكثيرين وأنا منهم؛ والكل يضع رؤيته حولها معظمها يدور بلهفة حول بشريات انتهاء وسقوط الانقلاب العسكري الدموي في مصر.
ومحورها الرئيسي يرتكز حول تغير مواقف القوى الرئيسية المؤثرة في المشهد؛ وهي:
1- تغيير موقف أمريكا والغرب.
2- تغيير وانشقاق بين القيادات العسكرية المصرية.
3- تمرير مبادرة أو مصالحة مختزلة تحديداً بين الإخوان المسلمين والمؤسسة العسكرية.
وبالطبع كل تلك المواقف؛ تأتي على خلفية:
- صمود الشعب الأسطوري في الميادين والشوارع رافضاً لهذا الانقلاب.
- فشل قادة الانقلاب في إحداث الاستقرار النسبي؛ الذي يمكن من خلاله تمرير الانقلاب برغم كل ما فعله من أدوات من المفروض أنها انقرضت تاريخياً.
ولذا يتحدّث البعض كثيراً عن التحذير من الأخبار المتداولة من قرب سقوط الانقلاب وتصريحات بعض قادة الغرب ومفكريه الإيجابية وِفق المفردات السابقة:
• لعدم التأثير النفسي على الممانعين للانقلاب.
• والحِراك الجماهيري.
• وأخيراً عدم شق الصف بين مكونات التحالف الوطني لدعم الشرعية.
• ولا سيما حِرَفية الأجهزة الداعمة للانقلاب في توظيف هذه الحالة وخبراتهم النفسية في التأثير على الجموع البشرية، وامتلاكهم الإعلام والصحافة... إلخ؛ كجهاز الشئون المعنوية، والأجهزة الاستخباراتية سواءً الداخلية أو الخارجية، وكذلك الشركات العملاقة في مجال التسويق والدعاية والإعلان التي استعان بها الانقلابيون داخلياً وخارجياً.
وهذا التحذير صحيح إلى حدٍ كبير؛ بل اذهب أبعد من ذلك أن تغيير بعض مواقف الدول الكبرى، أو تصريحات كبار القادة والمفكرين الغربيين، أيضاً من الممكن بل ومن المؤكد أن معظمهم يتخذوا مواقف وتصريحات معينة ربما تكون رافضة للانقلاب إنما في النهاية ستصُب في صالحه.
وهذه معادلة يفهمها السياسيين أو ربما سأشرحها فيما بعد، أو ربما أذكر الآن بمواقف مشابهة عندما وقفت أمريكا وبعض الدول الغربية وحتى إسرائيل تدافع عن الإخوان المسلمين ضد بطش جمال عبد الناصر بهم؛ وكان ذلك حينها يصُب في مصلحة ناصر ضد الإخوان.
ولذا سأحاول إجمال الأمر في نقاط بسيطة؛ وهي محسومة لي من عدة جهات:
1- أن أمريكا والغرب والشيوعيين (روسيا والصين) وإسرائيل؛ يتمنوا نجاح الانقلاب لأنه سيوفر عليهم حقبة زمنية كان لابد منها وهي قبول المشاركة الإسلامية مرحلياً في المنطقة تحت رقابة أمريكية أوروبية صارمة حتى عبور مرحلة ما بعد الربيع العربي وامتصاص تبعاتها.
ومن ناحية أخرى أن الانقلاب يُمثِّل أيديولوجية تابعة لهم ولمصالحهم في مقابل أيديولوجية ممانعة لهم ولمصالحهم.
إلا أنهم غير مقتنعين بإمكانية مرور الانقلاب هذه الفترة لأن هذا يعاكس ويخالف كل ما جاءت به مراكز بحوثهم وأجهزة استخباراتهم؛ فهم يترقبون الأمر من باب "أفلح إن صدق".
وتأتي معظم تصريحات قادتهم ومفكريهم الآن بل واهتزاز مواقفهم في هذا السياق؛ إذاً؛ تغيير المواقف الغربية والأمريكية الوارد في البُشريات الإخبارية المتداولة عن قرب سقوط الانقلاب، ليس بالأمر المهم وِفقاً لما تم شرحه.
2- الانشقاق داخل صفوف قادة المؤسسة العسكرية.
مع أنه خيار بعيد ويمكن اعتباره من الترف الفكري وِفق ما رأيناه في الفترة السابقة؛ إلا أنه يظل قائماً كبابٍ خلفي مفتوح في حالة إحكام الحصار على المؤسسة العسكرية بسبب ضغوط ما، ولكن ليس بالشكل المتداول في البُشريات الإخبارية على المواقع.
بل في ظني أنه له مُحرِّكات أخرى لن تبتعد عن التنافس والصراع السياسي الظاهر في نسيج الحالة المصرية، وضِف عليه الأذرع التي تحدّث عنها الرئيس مرسي التي تتلاعب بالداخل المصري وبالتأكيد أن تلك الأذرع تعلم أن أي منطقة للتلاعب خارج الجيش لن تكون مؤثرة ومن ثم يظل هذا الاحتمال قائماً ولكن بدرجةٍ قليلة.
3- المبادرات... نعم تسرَّبت إلينا عدة مبادرات منها ما هو حقيقي ومنها ما هو بالونات اختبار، وقياس رأي ومنها ما هو توظيف نفسي استخباراتي ومنها بالفعل ما هو لشق الصف؛ إلا أنه يظل هذا الخيار هو الأقوى، مادام الطرف الممانع يرفع راية السلمية.
إذاً؛ وبالمنطق يريد أن يصل إلى مبادرة تحقق له أغلب أهدافه مع بعض التنازلات البسيطة، وعلى قدر الصمود ونسبة التأثير في الشارع تتشكل شكل المبادرة من حيث نسبة المكتسبات إلى نسبة التنازلات وهذا أمر لا أظن أن عاقل سيختلف معي فيه، وإلا ما معنى السلمية والصمود ونبذ العنف.
ولكن فعلاً ودون مزايدة هناك إشكالية حقيقية وعَقَبة لا أتخيل كيفية عبورها، مما يعطيني انطباعاً غريباً بالتناقض في هذا الخيار؛ وهي قضية الدماء والقصاص للشهداء، هذه المسألة ليست كارت من كروت الضغط بل هي مسألة حقيقية لا يمكن تعديها، إذاً هي تُكرِّس حالة واضحة لا ريب فيها وهي:
• وجوب محاكمة القتلة، والقتلة هم الانقلابيون.
• وحكم القاتل هو الإعدام.
إذاً العقدة في هذا الخيار؛ هو أني أطلب من مجرم يحمل سلاح أن يعطني سلاحه لكي أقتله أنا به!
وبرغم أن الصورة الآن تعكس قوة هذا الاتجاه بل حتى الحِراك في الشارع يسير نحوه؛ إلا أن تلك المعضلة والعقدة تجعل تنفيذه مستحيلاً.
وهذا هو التناقض الذي أتحدث عنه.
إذاً؛ ماذا يتبقى الآن من خيارات في المشهد؟
أظن أن ما تبقى -وأظن أنه لا محيص عنه- هو أن يتحول هذا الصمود والفعاليات في الشارع إلى ثورة شعبية كاملة (تسونامي) جديد مثل 25 يناير؛ ليُعتبَر موجة ثانية حقيقية للثورة أخذت مرحلة مخاض ربما أصعب من مخاض الموجة الأولى.
ولكن أظن أن المسألة في هذه الحالة تتطلب رؤية أخرى أو على الأقل تعديل ولو طفيف في الرؤية الحالية.
الإخوة الأحبة؛ أردت فقط أن أحاول فرد وتفكيك المفردات سوياً حتى نرى الأمور بشكلٍ أوضح، ولا نكون عرضة للمؤثرات الكثيرة الإخبارية المتداولة حتى لا نقع فيما حذّر منه البعض، وحتى نحاكي الأحداث واقعياً بعيداً عن التمني الوجداني.