الاستقرار القريب البعيد في مصر والمنطقة كلها لبناء واحد -رؤية تحليلية

خالد غريب

إن الاستقرار في مصر والمنطقة العربية أصبح معضلة حقيقية، وسيعتمد وصول المنطقة إلى حالة من شبه الاستقرار على مدى اقتراب الأنظمة المشكلة في المنطقة عقب ثورات الربيع من نموذج التحول الجيوسياسي المخطط له سلفاً ليتلاءم مع التحولات العالمية في العقد الأخير.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


إن الاستقرار في مصر والمنطقة العربية أصبح معضلة حقيقية، وسيعتمد وصول المنطقة إلى حالة من شبه الاستقرار على مدى اقتراب الأنظمة المشكلة في المنطقة عقب ثورات الربيع من نموذج التحول الجيوسياسي المخطط له سلفاً ليتلاءم مع التحولات العالمية في العقد الأخير.

بمعنى؛ أنه بالفعل هناك أُسس ومحاور محددة لتشكيل الأنظمة الجديدة؛ بل كان هناك عدة مقترحات، وقامت معظمها على كيفية امتصاص الزخم والفوران الإسلامي الطبيعي عند إسقاط الأنظمة القديمة في المنطقة للانتقال إلى مرحلة جديدة وتصور عالمي واحد وإدخال الشرق الأوسط تحديداً في هذا التصور فكانت المقترحات لهذا النموذج هي:

1- تدشين أنظمة مختلطة ذات نسب محددة سلفاً وِفق معادلات دقيقة تجمع داخلها تنوعات: (دينية، أيديولوجية، أثنية، عرقية).

ولكن بنسبة خلط معينة تمكنها من خلق حالة من التماسك الوهمي المرحلي، يملك مفاتيحه قادة النظام العالمي الجديد.

وقامت تجارب عديدة في هذا السياق أهمها في تونس والمغرب العربي؛ إلا أن التجربة لم تحقق نسبة النجاح المطلوبة لاعتمادها في باقي المنطقة ولازالت تحت الملاحظة والتعديل.

2- استدعاء أيديولوجية تاريخية مدروسة جيداً ومسيطَر عليها وهي الشيوعية بكافة أقسامها ثبت وأن حققت نجاحات في المنطقة العربية تاريخياً في مقابل المد الإسلامي المعوِّق الحقيقي لأي مخطط لإعادة تشكيل للمنطقة.

على أن يكون استدعاء تلك الأيديولوجية مرحلياً مؤقتاً لامتصاص المزاج والفوران الإسلامي وخصوصاً بعد ثورات الربيع العربي، ومن ثم يمكن الخلاص من تلك الأيديولوجية العجوزة مرةً أخرى بسهولة لبدء المرحلة العالمية الجديدة.

3- إبقاء المنطقة برمَّتها في حالة من الفوضى العارمة المسيطَر عليها عسكرياً بمعنى وضع تلك الفوضى داخل محيط كل دولة في المنطقة على أن لا تتعدى حدودها وضمان قطع أواصر الروابط بين تلك الدول لضمان إبقاء تلك الفوضى تحت السيطرة -مرحلياً- وانتظار ما ستُسفِر عنه تلك الفوضى من إضعاف لكافة الأطراف، ومعطيات جديدة في كل الأحوال ستخدم سهولة إعادة تشكيل (الخريطة الجيوسياسية) للنظام العالمي الجديد بالنسبة للمنطقة بل حتى وبالعالم وخصوصاً منطقة شرق آسيا.

وعلى أن يكون هناك نوعين من الفوضى حسب تركيبة كل دولة ونسب المخاطرة:

النوع الأول: فوضى عسكرية (اقتتال داخلي).
النوع الثاني: فوضى سياسية (سلمية).

4- العودة بالمنطقة إلى الأنظمة العسكرية الديكتاتورية مع وجود حالة بين الدولة واللادولة أي حالة من الاستقرار الشكلي النسبي.

مع أخذ الاحتياطات اللازمة لحساسية هذا الخيار وأيضاً كحالة مؤقتة يمكن من خلالها استثمار ما تبقى من جيوش المنطقة لعبور تلك المرحلة الحساسة؛ ولذا روعي في هذا المحور.

رسم مسار غاية في التعقيد مبني على غرز ألغام وأدوات التدمير الذاتي الزمني عند استخدام هذا الخيار؛ وهو ما يعني تدمير تلك الجيوش المتبقية ذاتياً فور انتهاء مهمتها.

خشية فقدان السيطرة على تلك الجيوش مهما كانت ولاءات قادتها للنظام العالمي الجديد كما حدث أحياناً عبر التجارب في التاريخ الحديث.

5- المد العكسي.

وهذا خيار تم دراسته بل وتطبيقه في بعض التجارب الحديثة في العراق وأفغانستان والصومال بل أيضاً ولبنان، وبعض دول الخليج، واليمن. وهو استخدام وتوجيه الاختلافات المنهجية التاريخية والعقائدية بين التيارات الإسلامية السياسية نفسها، مثل: (الإخوان المسلمين، السلفية العلمية، السلفية السياسية الحديثة، السلفية الجهادية).

يضاف إلى ذلك بعض الطوائف والمِلَل المنحرِفة والموالية للغرب مثل الحركات الصوفية وبالطبع الشيعة... إلخ، (وهذا ما يتم تجربته الآن بشكلٍ واسع ودقيق في سوريا)، ومحاولة فتح مجال له في بعض الأماكن الأخرى في المنطقة.

6- دمج أكثر من خيار من الخيارات السابقة في حالة واحدة أو في دولة من الدول إذا اقتضت الضرورة أو إذا كانت تلك الدولة تُمثِّل خطر حقيقي لتميزها عن باقي الدول في الكثافة السكانية أو التركيبة السياسية أو الموقع الجغرافي (مثل مصر على سبيل المثال).

خلاصة تلك الرؤية أيها الأحبة:

هو أن حالة الاستقرار المنشودة لن تتوقف على بعض الأهداف قصيرة المدى كما يظن البعض مثل:

- انتهاء الانقلاب العسكري في مصر أو تمكُنه من المضي قُدماً.
- أو انتهاء الحوار الوطني السقيم في اليمن.
- أو تغلُّب أحد الفئات المتقاتلة في ليبيا.
- أو الوصول إلى اتفاقٍ شامل بين حركة النهضة والشيوعيين في تونس.
- أو القضاء على بشار الأسد في سوريا.

بل كما قلنا في بداية المقال ستتوقف حالة الاستقرار عبر مدى تهيئة الأجواء في المنطقة لإعادة هيكلة الخريطة الجيوسياسية وِفقاً لمتطلبات الحالة العالمية الجديدة.

والتي تعتمد بدورها على تقييم جميع التجارب السابقة واختيار الأنسب منها ليتلاءم مع هذا النموذج المُعَدّ سلفاً للمنطقة بل والمعلَن عنه صراحةً وتوثقه الوثائق الرسمية والحكومية سواءً في أمريكا أو حتى وثائق الحكومات العربية نفسها.

كما يدخل عنصر آخر محدد لزمن الوصول إلى الاستقرار النسبي؛ وهو الانتهاء من بعض الملفات الأخرى والمعلَّقة والمعقدة بعض الشيء مثل ملف شرق أسيا وتحديداً تدشين العلاقة الجديدة والانتهاء من اللمسات الأخيرة لدور ما يُسمّى بالدول العظمى وحصتها ودورها في النظام العالمي الجديد ولا سيما الصين التي برزت بشكلٍ جديد في الحقبة الأخيرة كقِوى لا يُستهان بها قد تقلب الطاولة في أي وقت من الأوقات، وبإدخال المنطقة في حالة من الحالات السابقة يمكن تركها دون خوف للانتهاء من هذا الملف وهذا ما يُبرِّر إلى حدِّ ما تقليل الاهتمام الأمريكي بما يحدث في منطقة الربيع ولا سيما بعد الانقلاب العسكري في مصر.

ومما تقدّم؛ قد يقول البعض إذاً؛ أنتم عادة ما تتحدثون عن السيناريوهات والمخططات، ولا تضعون الحلول اللازمة.

أقول: ابدأ رؤية الأوضاع بشكلها الكامل الصحيح هو البداية الحقيقية لتقديم الحلول.

وأقول أيضاً: أننا لسنا في أماكن اتخاذ القرارات في المنطقة.

فقط نحاول -وبإخلاص- توضيح الرؤية للأطراف المختلفة لعلهم يُعِيدوا صياغة الأفكار من جديد؛ لأننا لازلنا نظن أن هناك مخلصين موجودين بين صفوف الأطراف المتصارعة وليسوا محصورين في فصيلٍ بعينه، كما أن قناعاتنا لازالت بأن القلوب بين إصبعي الرحمن يقلبهما كيف يشاء، فرُبّ معاند ارتكب الكثير من الحماقات يعود إلى رشده ويتغير الأمر بالكلية، ومع ذلك إذا طُلِبَ مِنَّا تقديم الحلول أو المقترحات إلى أي فصيل لن نتوانى في ذلك.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام