هل نحن حقاً أهل الوفاء؟

أم أن الوفاء كانت صفةً للعرب، وقد مات العرب، فغاب من بعدهم الوفاء، ولم يرث الخلف وفاء السلف، ولا فروسية العرب ونُبل أخلاقهم، لم يعد في زماننا للوفاء مكان، ولا للشهامة والنبل مطرح.

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -


أم أن الوفاء كانت صفةً للعرب، وقد مات العرب، فغاب من بعدهم الوفاء، ولم يرث الخلف وفاء السلف، ولا فروسية العرب ونُبل أخلاقهم، لم يعد في زماننا للوفاء مكان، ولا للشهامة والنبل مطرح.

فلا قيمة لماضي، ولا تقدير لسابقة، ولا اعتراف بفضل، ولا إقرار بحق، ولا جبر لكسرٍ، ولا إقالة من عثرة، ولا مد يد لعونٍ، ولا انتشال من ضائقة، ولا ستر لعيبٍ، ولا حفظ لعِرض، ولا احترام لشيبة، ولا لتقدير لمكانة، ولا قدسية لشرف، ولا طهارة لقيم، ولا مقاربة في الخيرات، ولا تسديد في العقبات.

عجيبٌ أمر العرب!


كيف كانوا، وكيف صاروا، قد نسوا وفاء أجدادهم، ونخوة آبائهم، وشِمم السابقين من قبلهم، هم كما قال فيهم المثل، وصدق فيهم قول حكماء العرب، يتكاثرون بسكاكينهم على من سقط، ولو كان يوماً سيداً عليهم، ورأساً لهم، ينتظرون غيبته فيأكلون لحمه حياً ولا يبالون، ينتهزون ضعفه وعليه يتكالبون وبه يتآمرون، يتربصون سقطته وعليه ينهالون ولا يرحمون، لا يتطلعون إلى ما أعطى، وإلى خير ما قدّم، ولا يقفون عند أياديه البيضاء، وصفحاته الناصعة السمحاء، ولا يذكرون إيثاره لغيره، ونسيانه لنفسه، وتضحيته بما يملك، بل يحدِّون لذبحه نصل سكاكينهم، ويمضون شفرات ألسنتهم ولا يبالون، يتبارون في طعنه، ويتنافسون في تمزيق نفسه وجسده.


ويلٌ لنسل العرب من سوءِ خلقٍ قد نفذ، فهو سيفٌ ماضٍ يحز الرقاب، ومن كان يوماً سيافاً فهو على النطع يوماً سينزل، فطباخ السم يذوقه، وصانع المقصلة عليها جلس، وبها رأسه عن جسده فصلت.

ويحكم أيها العرب، احفظوا أنفسكم، وقوا ماضيكم ومستقبلكم، فلا تنقلبوا مع كل ريح، ولا تسيروا مع أي ركب، ولا ترفعوا راية كل منتصر، وعلم كل غالب، ولا تتبعوا أي ناعق، ولا تصدقوا كل مدعٍ، بل كونوا للحق أوفياء، ومع أصحاب الفضل كرماء، فهذا خلق رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أهل الفضل وصاحب الخلق العظيم والحسن، فما غمط حقاً، ولا أساء إلى نفس، ولا أكل حقاً، ولا نام على ظلم بشر، ولا خان ولا غدر، ولا تآمر ولا انقلب، ولكنه أوفى للناس آماناتهم وهم كفرة، وزرع في المسلمين من بعده الصدق والأمانة.

فيا أيها العرب يا أهل الوفاء والكرم، ويا أصحاب الأخلاق والشيم؛ احفظوا الأفضال، وأقيلوا عثرة الرجال، ولا تبوؤا بخير الناس، وكونوا أوفياء لأبنائكم وإخوانكم، وأهلكم وعشيرتكم، يكن النصر دوماً في ركابكم، والعِزّة تتيه في رحالكم، الوفاء خلقٌ كبير، وصفةٌ عظيمة، لا يحملها إلا الرجال، ولا يلتزم بها إلا أهل الحق، وهم الأصلاء من أمتنا، والخيرون من أهلنا، والطيبون من شعوبنا.



مصطفى يوسف اللداوي