آداب وأوقات الدعاء

الدعاء مخ العبادة، وهو أكرم شيء على الله سبحانه وتعالى وهو طريق إلى الصبر في سبيل الله، وصدقٌ في الالتجاء، وتفويض الأمور إليه، والتوكل عليه، والتنعُّم بلذة المناجاة لله.

  • التصنيفات: تزكية النفس -


تمهيد:

الدعاءُ هو سلاح المؤمن في وقت الرَّخاء والشدة، وهنالك الكثير من الآيات التي توضِّح عظَمة وأهمية الدعاء، منها قول الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر من الآية:60].

كما أنَّ السنَّة النبوية أشارت قولاً وفعلاً إلى مكانة الدعاء، وقد أخبرنا رسولُنا الأمين أن الدعاءَ هو العبادة؛ «الدعاءُ هو العبادة» (رواه الترمذي).

فالدعاءُ أصلُ العبادةِ؛ فالله سبحانه وتعالى افتتح كتابه الكريمَ بالدعاء في سورة الفاتحة؛ دعاء ثناءٍ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:2]، ودعاء مسألةٍ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، دعاء مسألة متضمنًا دعاء ثناء، ونقصد بدعاء المسألة: دعاءَ العبد لربه، وطلبه منه، وسؤاله له ما ينفعه في دنياه وآخرته، ودفع ما يضرُّه، وكشف ما ألَمَّ به.

الدعاء مخ العبادة، وهو أكرم شيء على الله سبحانه وتعالى وهو طريق إلى الصبر في سبيل الله، وصدقٌ في الالتجاء، وتفويض الأمور إليه، والتوكل عليه، والتنعُّم بلذة المناجاة لله.

الدعاء هو عبادة سهلة ميسورة بمقدور كل إنسان سقيم أو معافًى، مسافر أو مقيم، صغير أو كبير، في كل زمان ومكان أن يلتجئ إلى الله، ويدعو ويطلب من الله موقنًا بالإجابة، غير متسرعٍ فيها.

آداب الدعاء:

من فضائل الله على عباده أن أنعم اللهُ عليهم بنعمة الدعاء إليه، واللجوء والإلحاح في الدعاء والطلب والرجاء منه؛ فلذلك لا بد للعبد من التأدبِ بآداب، منها:

الإخلاص لله تعالى.

• استفتاح الدعاء بالحمد والثناء على الله تعالى، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.

• الحزم في الدعاء واليقين في الإجابة.

• الإلحاح في الدعاء وعدم الاستعجال.

• حضور القلب والذِّهن.

• عدم الدعاء على الأهل والمال والولد والنَّفْسِ.

• أن يسألَ الله تعالى بأسمائه الحسنى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الأعراف من الآية:180].

الأوقات المفضَّلة للدعاء:

مع أن الدُّعاء ليس مختصًّا بزمان ولا مكان، فإن هنالك أوقاتًا يفضَّل فيها الدعاءُ، نذكُر منها:

جوف الليل الآخر ووقت السَّحر:

تصديقًا لقول رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قيل لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم: أي الدُّعاء أسمع؟ قال: «جوفُ اللَّيل الآخِر، ودبُر الصَّلوات المكتوبات» (رواه الترمذي).

الوقت بين الأذان والإقامة:

عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُرَدُّ الدعاءُ بين الأذان والإقامة» (رواه أبو داود والترمذي).

عند السجود:

صونًا لقول خير البرية؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «أقرب ما يكون العبدُ من ربه وهو ساجد، فأكثِروا من الدعاء» (رواه مسلمٌ).

ساعة مِن يوم الجمعة:

أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذكَر يوم الجمعة فقال: «فيه ساعةٌ لا يوافقُها عبدٌ مسلم وهو قائم يصلي يسألُ اللهَ شيئًا إلا أعطاه إياه»، وأشار بيده يقلِّلُها (متفق عليه).

دعاء يوم عرفة:

أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «خير الدعاء دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير» (رواه الترمذيُّ).

من فضائل الدعاء واللجوء إلى الله وقت الأزمات:

إكرام الله عز وجل للمضطرين الذين يدعونه ويلجؤون إليه سبحانه؛ بأن يفرِّجَ عنهم ويجيب دعاءهم؛ قال الله تعالى في سورة النمل: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ} [النمل من الآية:62].

وهذا كان دأبَ الأنبياء عليهم السلام كما ذكَر اللهُ تعالى عنهم في القرآن الكريم: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا} [الأنبياء من الآية:90] فكان لأنبياء الله أدعيةٌ وذكرٌ والتجاء إلى الله وقت الأزمات والشدة، يدعون الله مخلِصين له الدين، منها:

1- دعاء نبي الله يونسَ ذي النون؛ قال الله تعالى: {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:87].

فانظروا كيف كان دعاؤه والتجاؤُه سببًا في نجاته من بطن الحوت، وقد قال اللهُ تعالى في سورة الصافات: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ . لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143-144].

2- دعاء نبي الله نوح عليه السلام قال اللهُ تعالى: {وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} [الأنبياء:76].

3- دعاء نبيِّ الله أيوبَ عليه السلام وقد قال الله تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83].

لقد واجه نبيُّ الله أيوب عليه السلام محنته بالصبر الطويل، والشكر، والعبادة الخالصة لله ربّ العالمين؛ قال الله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} [ص من الآية:44]، فاستجاب الله دعاءه، وكشَف ما به من ضرٍّ؛ قال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} [الأنبياء من الآية:84].

4- دعاءُ نبي الله زكريا عليه السلام؛ قال الله تعالى: {وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء:89].

5- دعاء نبي الله داود عليه السلام كما جاء عن رسولِنا الأمين؛ عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «كان من دعاء داودَ: اللهمَّ إني أسالك حبَّك، وحبَّ مَن يُحِبُّك، والعمل الذي يُبلِّغني حبَّك، اللهم اجعل حبَّك أحبَّ إليَّ من نفسي، وأهلي، ومن الماء البارد» (رواه الترمذي).

مِن حُسن إسلام المرء الاقتداءُ والتَّتبعُ والانتهاج لسيرة المصطفى عليه السلام فله الحمد والشُّكر بأن شرَّفنا بنور يستضاء به، إنه محمد خاتم النبيين، وقائد الغُرِّ المحجَّلين، وشفيعنا يوم الزحام، وهادينا إلى الصراط القويم؛ فقد رغَّبت السُّنن المطهَّرة في الدعاء، وحثت عليه، وقد أتحفتنا كتب السيرة المعطرة بالأحاديث لرسول الله تحثُّ على الدعاء، والدعوات التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها:

• عن أنس رضي الله عنه قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم آتِنا في الدنيا حسنة، وفى الآخرة حسنة، وقِنا عذاب النار» (متفق عليه).

• عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كان يقولُ عند الكرب: «لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله ربّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربّ السموات وربّ الأرض، وربّ العرش الكريم» (متفق عليه).

• عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان مِن دعاء رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذُ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجاءة نقمتك، وجميع سخَطك» (رواه مسلم).

• عن عائشة رضي الله عنها أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ في دعائه: «اللهم إني أعوذ بك من شرِّ ما عملتُ ومن شرِّ ما لم أعمل» (رواه مسلم).

• دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ربه سبحانه وتعالى عند أهل الطائف؛ كما ورد في (سيرة ابن هشام)؛ خرج النبي صلى الله عليه وسلم في عام الحزن إلى الطائف راجيًا أن يستجيبوا لدعوته وينصروه، فلم يرَ ناصرًا، بل آذَوْه أشد الأذى، رفع يديه يشكو إلى الله فقال: «اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت ربُّ المستضعفين، أنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيدٍ يتجهمني؟ أم إلى عدوٍّ ملَّكْتَه أمري، إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزلَ بي غضبُك، أو يحلَّ عليَّ سخَطُك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك».

خاتمة:

ختامًا هلمَّ عباد الله نلهج بالدعاء، والتضرُّع إلى الله سبحانه وتعالى، ونتيقن أن دعوة المؤمن لا ترد! والخير فيما يختاره الله له من تعجيل الإجابة، أو يُعوِّضه الله بما هو أولى له عاجلاً أو آجلاً، أو بأن يدفع عنه من السوء مثلها، أو يدَّخر له في الآخرة خيرًا مما سأل؛ استنادًا إلى قول النبيِّ المعصوم صلى الله عليه وسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما على الأرض مسلمٌ يدعو الله تعالى بدعوة إلا آتاه اللهُ إياها، أو صرَف عنه من السوءِ مثلها، ما لم يَدْعُ بإثمٍ أو قطيعة رحم»، فقال رجلٌ من القوم: إذًا نُكثِر، قال: «اللهُ أكثر» (رواه الترمذي)، ورواه الحاكم من رواية أبي سعيد، زاد فيه «أو يدّخر له من الأجر مثلها».

فهيا نعطر ألسنتنا بالذكر والدعاء ونحن على أعتاب شهر الخير والغفران، يجب أن نغتنم أوقات السَّحر في الدعاء لإخواننا المستضعَفين في بقاع العالم الإسلامي، وأن نتيقن بأن دعوة المسلم لأخيه المسلم بظَهْر الغيب مستجابة.


وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.



هالة فاروق عمر