بيان في وجوب قيام الشعب المصري لإبطال الانقلاب الغادر

حامد بن عبد الله العلي

تشتعلُ في مصر هذه الأيام انتفاضة شعبٍ ينشد الخلاص من عصابة انقلابية مجرِمة فاسدة، وثَبَت على الدولة وثْب قطّاع الطريق، واستولت عليها استيلاء اللصوص على المسروق في جنح الظلام، بُغْية إعادة مصر إلى ما كانت عليه في عهد فرعونها المخلوع، بعد أن قامت على ذلك الفرعون، ثورة 25 يناير، ثورة الحق، والعدل، والكرامة، فأطاحت به، وبعصابات الشرّ التي أقامها على مصر وشعبها، تعيث فيهم فساداً ثلاثة عقود.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


الحمد لله القائل: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف من الآية:56]، والصلاة والسلام على نبيّنا محمد القائل: «أفضل الجهاد كلمة حقّ عند سلطان جائر» (رواه الترمذي)، وعلى آله وصحبه وبعد:

قال الحقّ سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ} [الشورى من الآية:39].

وقال: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} [الشورى من الآية:41].

وقال صلى الله عليه وسلم: «فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل» (حديث صحيح رواه مسلم).

تشتعلُ في مصر هذه الأيام انتفاضة شعبٍ ينشد الخلاص من عصابة انقلابية مجرِمة فاسدة، وثَبَت على الدولة وثْب قطّاع الطريق، واستولت عليها استيلاء اللصوص على المسروق في جنح الظلام، بُغْية إعادة مصر إلى ما كانت عليه في عهد فرعونها المخلوع، بعد أن قامت على ذلك الفرعون، ثورة 25 يناير، ثورة الحق، والعدل، والكرامة، فأطاحت به، وبعصابات الشرّ التي أقامها على مصر وشعبها، تعيث فيهم فساداً ثلاثة عقود.

بُغية إعادة ذلك العهد البائس المظلم، بكلّ ما فيه من فساد للبلاد، وإفساد للعباد، وانتهاك للكرامة، وهتك للحرمات، ونهب للدولة، واستنزافٍ لثروتها في أطماع أعداء الأمة، وتسخير مقدّراتها في مخطّطات المتربّصين بالإسلام، والعروبة، وإلقائها في شباك الصهاينة، وإخضاعها لعصا التآمر الصهيوغربي.

ثمّ إن لهذه العصابة الانقلابية المجرِمة ومن معها، وراء ذلك، هدفاً أدهى وأمر، وأخبث، وأخطر، وهو إجهاض نهضة الأمة في ظلال ربيعها العربي، الربيع الذي انطلق ليُحرّّر شعوبنا من العبودية للطغاة، ويعيد لها سلطتها على أوطانها، ويحقق لها فيها العِزَّة، والكرامة، ويبسط العدل، ويحفظ الهوية.

هذا؛ وقد خطّط لهذا الانقلاب المجرِم في أرض الكنانة، التحالف الصهيوغربي، مع المُطاح بهم من فلولِ النظام السابق، مع دولٍ خليجيةِ وظيفيّة تخدم التحالف الصهيوغربي، وتحقق أطماعه، مع أقباط مصر الذين مازالوا يعادون الإسلام، ويتمنّون زواله من مصر.

وقد استحلُّوا -كعادتهم في سبيل تحقيق مكرهم الشيطاني- أقذر الوسائل من القتل، وسفك الدماء، والاعتقالات التعسفية، وتكميم الأفواه، وإهدار الكرامة، وانتهاك الحريّات، والكذب، وقلب الحقائق، وإشاعة الفِرى.

وعاملوا الشعب كأنه قطيعٌ لهم؛ فألغَوْا أصواته التي أتت بالرئيس المنتخب، والمؤسسات التي بُنيت على ذلك، ونصبوا أنفسهم فراعنةً على مصر، وشعبها! يفعلون فيه ما يشاؤون، من وراء رئيسٍ (طرطور) وإجراءات زائفة مضحكة، لاتخفى سخافتها على الأطفال!

هذا وإن أبشع التداعيات الخطيرة التي ستثمرها هذه الحرب الصهيونية على مصر -فيما لو نجحت وستفشل بإذن الله- إعادة خنق الحق الفلسطيني، ومحاصرة غزة، والتآمر على الجهاد فيها، ووضع مؤسسات الدولة المصرية في خدمة الكيان الصهيون!

فضلاً عن بثّ الإحباط في نفوس الشعوب العربية، وزرع الشعور باليأس من الخلاص من حكامهم الطغاة، فكأن الانقلابيين ومن وراءهم يقولون للشعوب العربية: لقد فشل ربيع مصر، وسيفشل ربيعكم كلُّه، ألم تعلموا أنه قد كُتب عليكم أن تكونوا قطعاناً نقودها، وننهب ثروات أوطانها، ونفعل فيها ما نشاء، فليستحوذ عليكم اليأس من الخلاص، ولتقطعوا كلّ رجاءٍ من الخروج من حظيرة العبودية!

كما أنّ من تداعيات هذا الانقلاب لو نجح -لاقدر الله- محاربة الدين في مصر، وملاحقة العلماء، والدعاة، ومؤسسات المشروع الإسلامي، كعهد الفرعون المخلوع، وأشدّ.

وقد بدأت بوادر التضييق على الجهاد السوري أيضاً؛ فأعلن مكتب الثورة السورية في دمشق أن العصابة الانقلابية في مصر قد سلّمت ناشطين سوريين من القاهرة إلى نظام بشار، وهم الآن في معتقلاته، كما أعلنت العصابة الانقلابية في مصر، إجراءات تضيّيقيه على اللاجئين السوريين بعدما كانت مصر هي الدولة العربية الوحيدة التي تسمح للاّجئين بالتنقل بحريّة، والعمل، والدراسة، وتخفّف إجراءات دخولهم مصر، بتسهيلاتٍ مميزة.

ولهذا فرح بشار وعصابته، وحزب اللاّت -الذي وزّع الحلوى في لبنان يوم الانقلاب!- بالانقلاب الغادر على الرئيس المصري، إذْ كان مرسي -نجّاه الله من القوم الظالمين- أوّل رئيس يقيم مؤتمراً للانتفاضة الأحوازية، ومكتباً دائماً لهم، وأول رئيس عربي يعقد مؤتمراً عاماً حضره مئات العلماء يُمثِّلون أكثر من 70 حركة، ومؤسسة في العالم، لإعلان الجهاد في سوريا، كما أعلن الترضّي على الخلفاء في طهران في مؤتمرٍ عام، فجنّ جنون النظام الإيراني، وثار الهلع في صدر بشار وعصابته، من توجه مصر تحت حكم الرئيس المنتخب محمد مرسي!

ولهذا فرحت إيران بالانقلاب، وندّد خطيب جمعة طهران بالإخوان بعد عزل مرسي! وكلّ ذلك خشية أن تنهض مصر، فتصبح قوة إقليمية تنافس فتزيح إيران من المنطقة، وتسحب البساط من تحت أقدامها، وتخرج من يدها القضية الفلسطينية، وتتحدّ مع الثورة السورية ضدّها.

هذا؛ ولاريب أن التصدّي لهذه المؤامرة الخبيثة، التي وارء الانقلاب المجرم في مصر، وذلك بإسقاط هذا الانقلاب الأسود المشؤوم على الأمة، من أعظم الواجبات، وأفرض الفرائض، في دين الله تعالى، شريعة الحقّ، والعدل، والكرامة، والعزّة، شريعة جهاد الطغاة، والمفسدين، ونصرة المظلوم، وإغاثة المضطهدين.

ولئن كانت كلمة الحق أمام سلطان جائر أفضل الجهاد -كما صح في الحديث عن طارق بن شهاب رواه أحمد وغيره- لما تُحدِثُهُ من إحقاق الحق، وإبطال الباطل، وتغييرٍ إيجابيِّ يصبّ في مصلحة الأمة، وكان قتيلها أفضل الشهداء عند الله تعالى.

فإن الانتفاضة السياسية السلمية التي يقودها الشعب المصري ضد الانقلابيين الخونة، ولمحو آثار انقلابهم الغادر، ودرء تداعياتهِ بالغة الخطورة، ليس على الشعب المصري فحسب، بل على الأمة الإسلامية بأسرها، إنها أعلى درجة في الإيمان، وأعظم مكانة في الإسلام.

وإنّ الواجب على الأمّة الإسلاميِة، أعانة الشعب المصري، على قيامهم هذا بالحق، لإرجاع الأمر إلى أهله، والحقّ إلى نصابه، وجعل كلمة العدل هي العليا، ولقمع أهل الفساد، والظلم، والطغيان، وجعل كلمتهم هي السفلى.

ويجب على العلماء، والدعاة، والمثقفين، أن يبيّنوا بطلان الانقلاب وما يترتب عليه، وأن يُظهروا حقيقة العصابة التي دبّرتهُ، وقامت به، وأنهم الطغاة بعينهم، مصّاصو دماء الشعوب أنفسُهم، ولكن بلباسٍ، وقناعٍ جديدين.

وأن يعلنوا أن نهوض الشعب المصري لإسقاطهم جهادٌ شرعيُّ مفروض، تكليف ديني واجب، المفرّط فيه آثم، والمتآمر عليه خائن للدّين، والأمة.

كما يجب عليهم عزل الفكر المنحرف -المتمثّل فيما يُسمّى حزب النور- الذي رضي أن يجعل الدين غطاءً لإضفاء الشرعية على مشروع العدوّ لحرب الأمة، ولإذلالها!

كما يجب في كلّ البلاد الإسلامية، عزلُ أمثالهم، وفضحُهم، وتعريتُهم، من المتاجرين بالدين، فإنّ هذا الفكر الذي خرج من رحم المخابرات! قد أصبح ظهراً -بإسم التدين- لكل باغٍ على الأمة، ومركوباً -بلحى زائفة- لكلّ طاغية يريد إهلاكنا، وإفسادنا، وإخضاع أمتنا لأعدائها!

كما يجب على سائر الأمّة كلٌّ بحسب قدرته أن يمدّ نهوض الشعب المصري في وجه الانقلاب الغادر بكلّ ما يقدِر عليه، محتسِباً أجر الجهاد في نصرة الإسلام، ابتغاء عزّتِهِ، وطلباً لرفعتِهِ، وسعياً لإعلاءِ كلمتِهِ.

هذا ونسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العليا، وباسمه الأعظم الحي القيوم، ذو الجلال والإكرام، أن يُكلّل إنتفاضة الشعب المصري على الانقلاب الغادر بالنجاح، وأن يُسقط الخونة، وأن يقطع دابرهم، وأن يجبرَ كسرَ هذا الشعب المتآمر عليهِ، ويداوي جراحاته، وينهي عذاباته، ويُعقب له النصر، والظفر على أعدائه، ليعيش بكرامة، وعِزّة، وعدل.

كما نسأله سبحانه أن يخسف بقائد الانقلاب السيسي، وعصابته، ومن أعانه، وأن يرينا فيهم عجائب قدرتِهِ، بأن يحيق بهم مكرهم السيئ، ويردّ كيدهم إلى نحورهم، ويُفشل كلّ مساعيهم الشيطانية، حتى نراهم تحت أقدام الشعب المصري أذلة صاغرين.

ونسأله جل وعزّ، أن ينهض بمصر إلى العلياء، في نظام الكرامة، والعدالة، والحريّة، في ظلال الإسلام الوارفة، وعدالته العظيمة النائفة، لتنهض الأمة بنهضة مصر، فترتقي سُلّم العزّة الأمجد، وتعتلي مدارج المجد الأعلى.

والله أعلم، وصلى الله على نبيّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وحسبنا الله ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير.