مصر الجريحة واللاهية في ظل الانقلاب

عاشت مصر بالأمس في الذكرى الأربعين لنصر أكتوبر المجيد ليلة صاخبة ودامية بكل المقاييس، عاشت بين مشهدين لوطن واحد وشعب واحد بين الجرح والألم واللهو والطرب، مشهد عزف فيه الرصاص على صدور معارضي الانقلاب الذين خرجوا يستردوا حرية شعب وإرادته التي سلبها العسكر وداستها البيادة، ومشهد رقص تغنى فيه المطربون والمفوضون لمن انقلب على الشرعية وخطف الرئيس المنتخب وقتل الشباب واعتقل الرجال والنساء ونهب خيرات مصر.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


عاشت مصر بالأمس في الذكرى الأربعين لنصر أكتوبر المجيد ليلة صاخبة ودامية بكل المقاييس، عاشت بين مشهدين لوطن واحد وشعب واحد بين الجرح والألم واللهو والطرب، مشهد عزف فيه الرصاص على صدور معارضي الانقلاب الذين خرجوا يستردوا حرية شعب وإرادته التي سلبها العسكر وداستها البيادة، ومشهد رقص تغنى فيه المطربون والمفوضون لمن انقلب على الشرعية وخطف الرئيس المنتخب وقتل الشباب واعتقل الرجال والنساء ونهب خيرات مصر.

من المؤكد أنه شعب واحد الذي عاش ليلة الاحتفال بأكتوبر المجيد، وليس كما يزعمون شعبين، ولكنه شعب ممزق النسيج، مسلوب الحرية والإرادة، بعضه يضحّي من أجل استردادها ويُقدِّم دمائه رخيصة من أجلها، والبعض الآخر يُفوِّض بكامل إرادته من سلبها.

مصر الجريحة في يوم احتفال النصر استشهد من شبابها الأبرار خمسين شهيداً واعتقل قرابة خمسمائة وأُصيب العشرات، وبالمقابل تغنّى ورقص البعض الآخر ومُنِحَ آلاف الجنيهات، بينما كانت تنتفض الميادين ضد الانقلاب، وتصرخ أمهات الشهداء وتسيل الدماء.

في يوم النصر أبدع سلاح الشرطة والجيش عندما واجه أبناء الوطن بينما ظل متخاذلاً وصامتاً أربعين عاماً منذ أكتوبر المجيد، بالأمس كان الرصاص متفيهقاً وبشراسة منقطعة النظير في الميادين، لكن ما نعلمه يقيناً أن من ارتكب المجازر والمذابح ضد شعبه منذ الانقلاب ليس جيش أكتوبر المجيد، وليس هو ذاته من ينسق أمنياً ويبذل قصارى جهده لحماية عدوه الصهيوني الذي قاتله منذ أربعين عاماً على نفس الحدود.

مصر الجريحة واللاهية بالأمس ارتقت في سماءها مواكب الشهداء، بينما كان يطلق في فضائها الألعاب النارية لقادة الانقلاب الذين سفكوا دماء أبنائه في مجازر الحرس الجمهوري، والمنصة، وفض ميدان النهضة ورابعة العدوية ورمسيس، وميدان مصطفى محمود، تلك الميادين التي شهدت ارتقاء آلاف الشهداء.

مصر الجريحة صامدة بعضها يتأوّه من شدة الألم، وبعضها الآخر يرقص من شدة الطرب، وهذا هو قمة المشهد العبثي الذي تعيشه المحروسة في ذكرى الانتصار، بعضها يترنّح من شدة الألم وآخر يتمايل من شدة الطرب، تبكي على الشهداء وتضحك للقاتلين، تزف أعراس الشهداء الأحرار في الميادين، بينما يرقص العبيد في بلاط الجلادين، ولكن يبدو أن المشهد ليس جديداً، فلقد علمنا قبل ذلك وبعضنا عاش ورأى نفس المشهد في عهد الطاغية جمال عبد الناصر فبينما كان يُعدم الشهيد سيد قطب صاحب "الظلال" وعبد القادر عودة صاحب "التشريع الجنائي في الإسلام" والشيخ "محمد فرغلى" مرعب الصهاينة على الحدود، وبينما كان يقبع في السجون وقتها عشرات الآلاف كان عبد الوهاب يغني لعبد الناصر "تسلم يا غالى" واليوم نفس المشهد يتكرّر، ولكن بعد كثرة الطغاة والقتلة والمفسدين تطورت الأغنية واللحن فصارت "تسلم الأيادي".

من المؤكد أن عبثية المشهد لن تدوم، وستشفى مصر من هذا المرض الذي ألمَّ بها وأفقد بعضها الإحساس ببعضها الآخر، حيث فقدت لُحمة الجسد الواحد حين يتداعى إذا أصيب أحد أعضائه بالسهر والحمى.

ستسترد مصر عافيتها وتبرأ من سقمها بعد أن يزول الانقلاب، فنرى جيشها أسداً هصوراً على العدو مرابطاً على الحدود، حانياً عطوفاً على شعبه في الداخل، وستمجِّد مصر أبنائها الأبرار والشهداء الذين نهضوا من أجل عودة إرادتها وريادتها وشرعيتها وهويتها التي يحاول أن يسلبها الانقلابيون.


محمود المنير