(اطلب لها رُجَيْلاً)
عبد الله بن محمد الشهراني
الأفكار -فضلاً عن العقائد- حتى تنجح وتُثمِر تحتاج لها رِجالاً يحملونها لا تحملهم، ويُضحّون في سبيلها بكل مايملكون من جهدٍ ووقتٍ ومال..
- التصنيفات: تربية النفس -
كان المهلّب بن أبي صفرة داهية من العظماء، جاءه رجل فقال: أريد منك حويجة! فقال المهلّب: "اطلب لها رُجَيْلاً". يعني: أن مثله لا يُسأل إلا عن حاجة عظيمة والحويجات الصغيرة يبحث لها عن الصغار.
وهكذا الناس فيهم الرجل والرُجيل، تُفرِّق بينهم همتهم واهتماماتهم وطموحاتهم وأعمالهم.
وما نيل المطالب بالتمني *** ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا
والأفكار -فضلاً عن العقائد- حتى تنجح وتُثمِر تحتاج لها رِجالاً يحملونها لا تحملهم، ويُضحّون في سبيلها بكل مايملكون من جهدٍ ووقتٍ ومال:
يجود بالنفس أن ظن الجواد بها *** والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وكثير من الأخيار-وخاصة الشباب- تحترق نفوسهم غيرة على الحرمات والمقدسات وشوقاً لنصرة الدين وحِرصاً على إعلاء كلمة الله، وأكرم بها من مشاعر صادقة؛ ولكنها لا زالت في عالم النوايا والأمنيات ونحتاج إلى ترجمتها إلى مشاريع وبرامج في عالم الواقع بكل حكمة وبصيرة.
وهذا هو الفارق الدقيق بين جيل الدعوة والصحوة المعاصر -إلا القليل- وجيل الدعوة في صدر الإسلام الذين وصفهم الله بأجلِّ وأكملِ الأوصاف فقال: {لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الحشر من الآية:8].
ثم زكّى هذه الأوصاف فقال: {أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر من الآية:8].
ثم وصف أنصارهم فقال: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر:9].
إن النية الصالحة والعمل المخلص الدؤوب على بصيرة بلا تطلُّع بل وبكل تخفُّف من مطامع ومطامح الدنيا؛ هو الذي يحتاجه هذا الدين من أنصاره.
أخي فامضِ لا تلفت للوراء *** طريقك قد خضّبته الدماء
ولا تلتفت ههنا أو هناك *** ولا تتطلَّع لغير السماء
وكما قال ابن القيم رحمه الله: "وكان بعض السلف الصالح يقول: ياله من دين لو أن له رجال".
إن الجيل السابق تحكّمت مبادؤهم ومعتقداتهم في تصرفاتهم وأعمالهم وعلاقاتهم بغيرهم فكان بذلهم وكانت تضحيتهم تبعاً لذلك عالية وغالية، ولم تتحكم فيها ظروفهم وارتباطاتهم الاجتماعية والأسرية، وأما الجيل المعاصر فأغلبهم تتحكم ظروفهم وأعمالهم وارتباطاتهم في ما يُقدِّمونه من جهد وبذل وتضحية لدينهم، وشتّان شتّان بين الجيلين والفريقين، وحين نصل في تضحيتنا لديننا إلى ما وصل إليه الجيل السابق فأبشروا بموعود الله.
نبني كما كانت أوائلنا *** تبني ونفعل مثل ما فعلوا
وذلك ليس على الله بعزيز، أسأل الله تعالى بمنِّه وفضله وجوده وكرَمه أن يستعملنا وإياكم في طاعته وأن يجعلنا من أنصار دينه.
فدَت نفسي وما ملكت يميني *** شباباً صدقوا فيهم ظنوني