النسخة الخنزيرية
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة غير مُمْكِن؛ لأن العقيدة مختلفة، فعقيدة أهل السنة والجماعة توحيد الله وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى، وأنه لا يدعى معه أحد لا ملك مقرب، ولا نَبِيّ مُرْسَل، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب، ومن عقيدة أهل السنة محبة الصحابة رضي الله عنهم جميعاً، والترضِّي عنهم، والإيمان بأنهم أفضل خلق الله بعد الأنبياء، وأن أفضلهم أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عن الجميع، والرافضة خلاف ذلك فلا يمكن الجمع بينهما، كما أنه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنيين وأهل السنة، فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة.
- التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب -
يُعتبَر الخنزير أقذر الحيوانات، إذ هو قمام لِفَضَلاته، مُعْرِضاً عن الطيبات.
وتَتَشَابَه أخلاق بعض الناس مع طبائع الحيوانات قال سفيان بن عيينة في قوله تعالى: {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم} [الأنعام من الآية:38].
"منهم من يكون على أخلاق السباع العادية، ومنهم من يكون على أخلاق الكلاب، وأخلاق الخنازير، وأخلاق الحمير، ومنهم من يَتَطَوّس في ثيابه كَمَا يَتَطَوّس الطاووس في رِيشه، ومنهم من يكون بَلِيداً كالحمار، ومنهم من يُؤثِر على نفسه كالدِّيك، ومنهم من يألَف ويُؤلَف كَالْحَمام، ومنهم الحَقود كَالجَمَل، ومنهم الذي هو خَير كُله كَالغَنم، ومنهم أشباه الذئاب، ومنهم أشباه الثعالب التي يَروغ كَرَوغَانها".
ورحم الله ابن القيم إذ يقول: "وتأمَّل حكمته تعالى في مَسْخِ من مُسِخ من الأمم في صور مختلفة مناسبة لتلك الجرائم، فإنها لما مُسِخَتْ قلوبهم، وصارتْ على قلوب تلك الحيوانات وطباعها؛ اقتضت الحكمة البالغة أن جُعلت صورهم على صورها لتتم المناسبة، ويكمل الشَّبَه، وهذا غاية الحكمة، واعْتَبِر هذا بمن مُسخوا قردة وخنازير كيف غَلبتْ عليهم صفات هذه الحيوانات وأخلاقها وأعمالها، ثم إن كنت من المتوسِّمِين فاقرأ هذه النسخة من وجوه أشباههم ونظرائهم كيف تراها بادية عليها، وإن كانت مستورة بصورة الإنسانية فاقرأ نسخة القردة من صُوَر أهل المكر والخديعة والفسق الذين لا عقول لهم، بل هم أخفّ الناس عقولاً، وأعظمهم مكراً وخِداعاً وفسقاً، فإن لم تقرأ نسخة القردة من وجوهم فلست من المتوسمين، واقرأ نسخة الخنازير من صور أشبهاهم ولاسيما أعداء خيار خلق الله بعد الرُّسُل وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّ هذه النسخة ظاهرة على وجوه الرافضة يقرأها كل مؤمن كاتب وغير كاتب، وهي تَظهر وتَخفى بحسب خِنْزِيرية القلب وخُبْثه، فإن الخنزير أخبث الحيوانات وأردؤها طباعاً، ومن خاصيته أنه يَدَع الطيبات فلا يأكلها، ويقوم الإنسان عن رَجيعه فيُبادِر إليه.
فتأمَّل مُطَابَقة هذا الوَصْف لأعداء الصحابة، كيف تجده مُنطبقاً عليهم، فإنهم عَمدوا إلى أطيب خَلْق الله وأطْهَرهم فَعَادَوهم، وتَبَرّؤوا منهم، ثم وَالَوا كُلّ عَدو لهم مِن النصارى واليهود والمشركين، فاستعانوا في كل زَمان على حَرب المؤمنين الْمُوَالِين لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالمشركين والكفار، وصرّحوا بأنهم خَير منهم.
فأيّ شَبَه ومُناسبة أولى بهذا الضَّرْب مِن الخنازير؟ فإن لم تقرأ هذه النسخة من وجوههم فَلَسْتَ مِن الْمُتَوَسِّمِين". اهـ.
إذا تأمَّلت هذا فتأمَّل مواقف الرافضة قديماً وحديثاً من خيار الناس، وتعرُّضِهم لهم بالطعن والسب والشتم والقذف. في حين سَلِم منهم اليهود والنصارى، ولا غَرو إذ الرفض نسل يهودي غذي بلبان الباطنية، فَدِينهم قائم على السبّ، ومُرْتَكِز على النَّيْل مِن أهل الفضل.
وإن تعجب فاعْجَب لِتَمْجِيدهم لأبي لؤلؤة المجوسي في حين يَسُبُّون بل ويلعنون الخلفاء الثلاثة، وتأمل في مواقف المعاصرين منهم. كيف جاءت ردود أفعالهم باهتة -كَوُجوههم-، هَزيلة -كَدِيَانتهم- إذا ما تطاول متطاول منهم على الأنجم الزهر، أو رَام مَأفون تَشويه ضوء القمر، في حين كانت لهم غَضبة مزمجرة حين تَعَرّض بعض الخطباء للرِّجْس النَّجس، الخبث الخبيث، الشيطان الرجيم، صاحب الآراء الشاذة، والمواقف الضالة، وطَالَبَت رموزهم بِتَجْرِيم الخطيب ومُحاكمته، أما أن يُنال مِن عِرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويُطعن في رَمْز الشرف وتاج العفاف فهذا لا يَستحق -عند الرافضة- إلا استنكاره على تَقِيّة واستحياء، ذلك أن مَن تَفَوّه بذلك لم يَزِد على أن أظهر مَكنون الدِّين الْمُتَنَاقِض "دين الروافض".
فَكُتُب القَوم طَافِحة بِكُلّ مُعْتَقَد آسِن، ناضِحة بِالسّب، فائضة بالشَّتْم واللعن، فَكُلّ الناس -عَداهم- أولاد زنا، وخُصومهم أنجاس، ودماء وأموال النواصب -أهل السنة- حلال، فلا يجدون غضاضة فيما يَقوله أمثال الخاسر الخبيث، وصِهره اللعين، وصدق الله: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} [النور من الآية:26].
وحَسبك أن تَعلم بهذا وأمثاله حقيقة دِين الرافضة، وأنه ليس لديهم أصلاً ولاء لله ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم، بل حقيقته مُعاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم روى الإمام اللالكائي مِن طريق عبد الله بن محمد بن أبي مريم قال: قيل لِمحمد بن يوسف الفريابي قال: ما تقول في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؟ قال: قد فَضَّلَهَما رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخبرني رَجل مِن قُريش أن بعض الخلفاء أخذ رَجُلَين مِن الرافضة فقال لهما: والله لئن لم تُخبراني بالذي يَحملكما على تنقّص أبي بكر وعمر لأقتلنكما، فَأبَيَا؛ فَقَدَّم أحدهما فَضَرب عنقه، ثم قال للآخر: والله لئن لم تخبرني لألحقنك بصاحبك. قال: فَتُؤمِّنِّي؟ قال له: نعم. قال: فإنا أردنا النبي فقلنا: لا يُتَابِعنا الناس عليه، فقصدنا قَصد هذين الرَّجُلَين، فَتَابَعَنا الناس على ذلك، قال محمد بن يوسف: "ما أرى الرافضة والجهمية إلاَّ زنادقة".
وروى الإمام اللالكائي من طريق مالك أبي هشام قال: كنت أسير مع مِسْعَر، فَلَقِيه رجل مِن الرافضة قال: فَكَلّمه بشيء لا أحفظه فقال له مِسعر: تَنَحّ عني، فإنك شيطان.
وحقيقة الطعن في الصحابة وأمهات المؤمنين: الطعن في الدِّين؛ لأن الدِّين إنما وَصَلنا عن طريقهم قال الإمام مالك بن أنس: "مَن سبّ الصحابة فلا سَهْم له مع المسلمين في الفَيء".
ويقول الإمام مالك عن الرافضة: "قومٌ أرادوا الطعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يُمكنهم ذلك، فطعنوا في الصحابة ليقول القائل: رجل سوء كان له أصحاب سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لَكَان أصحابه صالحين".
وروى الخلال في كتاب "السنة" عن أبي بكر المروذي قال: سألت أبا عبد الله (الإمام أحمد) عن من يَشتم أبا بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم قال: ما رآه على الإسلام، قال: وسمعت أبا عبد الله يقول: قال مالك: "الذي يشتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس لهم سَهْم -أو قال-: نَصيب في الإسلام".
وروى عن عبد الملك بن عبد الحميد قال: سمعت أبا عبد الله قال: "مَن شَتَم أخاف عليه الكفر مثل الروافض، ثم قال: من شتم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا نأمن أن يكون قد مَرَقَ عن الدِّين".
وروى عن زكريا بن يحيى قال: حدثنا أبو طالب أنه قال لأبي عبد الله: "الرجل يشتم عثمان، فأخبروني أن رجلاً تكلّم فيه فقال: هذه زندقة".
وروى عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن رجل شتم رجلاً مِن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما أراه على الإسلام".
وقال محمد بن يوسف: "ما أرى الرافضة والجهمية إلاَّ زنادقة"؛ ذكره الإمام اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة.
وقال عمر بن حبيب: "إذا كان أصحابه صلى الله عليه وسلم كَذّابين فالشريعة باطلة، والفرائض والأحكام في الصيام والصلاة والطلاق والنكاح والحدود كُلّه مَردود غير مَقبول".
وعقيدة أهل السنة والجماعة أن حبّ الصحابة وأمهات المؤمنين دِين وإيمان، وبُغضهم كُفر ونِفاق قال الإمام الطحاوي في عقيدة أهل السنة والجماعة: "ونُحِبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم، وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلاَّ بخير، وحُبهم دِين وإيمان وإحسان، وبُغضهم كُفْر ونِفاق وطُغيان". أهـ.
وقال الإمام أبو زرعة الرازي: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يَجْرَحُوا شهودنا لِيُبْطِلُوا الكتاب والسنة، والْجَرْح بهم أولى، وهم زَنَادِقة" أ.هـ.
وقال القرطبي في تفسيره: "الصحابة كُلهم عُدول، أولياء الله تعالى وأصفياؤه، وخِيرته مِن خَلْقه بعد أنبيائه ورُسُله، هذا مذهب أهل السنة، والذي عليه الجماعة مِن أئمة هذه الأمة" أ.هـ.
ومَن طَعن في أمهات المؤمنين فليس مِن المؤمنين، بل هو مِن الكافرين قال ابن كثير رحمه الله في حقّ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها: "وقد أجْمَع العلماء رحمهم الله قاطبة على أن مَنْ سَبَّها بعد هذا ورَمَاها بما رَمَاها به الذين ذُكِروا في هذه الآية فإنه كافِر؛ لأنه مُعَانِد للقُرآن، وفي بَقِية أمهات المؤمنين قولان: أصحهما أنَّهُن كَهِي" أ.هـ.
ومَن طَعن في أمهات المؤمنين فقد آذى رسول رب العالمين صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً} [الأحزاب:57].
قال ابن كثير -بعد ذِكْر الأقوال في الآية-: "والظاهر أن الآية عامة في كل مَن آذاه بشيء، ومَن آذاه فقد آذى الله"أ. هـ.
ومَن طَعن في أمهات المؤمنين فقد طعن في عِرْض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخَالَف ما كان عليه أئمة آل البيت، فقد كان أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يَنْهَى عن سبّ الصحابة، وعاقَب الذي وَقَع في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وتَكلَّم فيها، فقد ذَكَر المؤرِّخون: أن عليّاً رضي الله عنه بَلَغه أن بعض الغوغاء عَرّض لعائشة بالقول والإساءة، فأمَر مَن أحْضَر له بعضهم وأوجعهم ضرباً، ثم جهزها علي إلى المدينة بما احتاجت إليه، وبعثها مع أخيها محمد مع أربعين من نسوة البصرة اختارهن لمرافقتها، ثم جاء يوم ارتحالها فودعها واستعتبتْ له، واسْتُعْتِب لها، ومشى معها أميالاً وشَيَّعها بَنُوه مسافة يوم، فذهبت إلى مكة فَقَضَت الحج، ورَجَعَتْ إلى المدينة، وكذلك كان أصحاب عليّ رضي الله عنه يقولون في حقّ أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
ولذا لَمَّا سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بَعَث عليٌّ عمارَ بن ياسر وحَسن بن علي فَقَدِمَا الكوفة فصعدا المنبر، فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل مِن الحسن، قال عبد الله بن زياد الأسدي: فاجتمعنا إليه فسمعت عماراً يقول: "إن عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنها لِزَوجة نبيكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تُطيعون أم هي" (رواه البخاري).
وفي رواية: "قام عمار على منبر الكوفة فذكر عائشة وذَكَر مَسيرها، وقال: إنها زَوجة نَبِيِّكم صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة، ولكنها مما ابْتُلِيتم"، ومَن وُجَد في قلبه غيضاً على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فهو كافِر بِنصّ القرآن قال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الفتح:29].
قال القرطبي في تفسيره: قال مالك: "مَن أصبح من الناس في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد أصابته هذه الآية -ذكره الخطيب أبو بكر-، قلت: لقد أحسن مالك في مَقالته وأصاب في تأويله؛ فمن نَقَص واحداً منهم أو طَعن عليه في روايته فقد رَدّ على الله رب العالمين، وأبطل شرائع المسلمين قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} الآية، وقال: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح من الآية:18]... إلى غير ذلك مِن الآي التي تضمنت الثناء عليهم، والشهادة لهم بالصدق والفلاح.
والأحاديث بهذا المعنى كثيرة، فحذار من الوقوع في أحد منهم، فمن نَسَب وَاحِداً مِن الصحابة إلى كَذِب فهو خارج عن الشريعة، مُبْطِل للقرآن، طَاعِن على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ومَتى أُلْحِق واحد منهم تَكذيباً فَقد سُبّ، لأنه لا عار ولا عَيب بعد الكُفر بالله أعظم مِن الكَذب، وقد لَعن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَن سَبّ أصحابه، فَالْمُكَذِّب لأصغرهم -ولا صغير فيهم- داخل في لعنة الله التي شَهِد بها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وألزمها كُلّ مَن سَبّ واحداً من أصحابه أو طعن عليه" أ. هـ.
وقال ابن كثير رحمه الله: "ومِن هذه الآية انْتَزَع الإمام مالك رحمه الله، في رواية عنه بِتَكْفِير الرَّوَافِض الذين يبغضون الصحابة، قال: لأنهم يغيظونهم، ومَن غاظه الصحابة فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة مِن العلماء على ذلك، والأحاديث في فضائل الصحابة والنهي عن الـتَّعَرّض لهم بِمسَاءة كثيرة، ويكفيهم ثناء الله عليهم، ورضاه عنهم". اهـ.
فمن غاظَه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم، أو اغتاظ منهم؛ فقد أدخل نفسه في وَصْف الكُفار، بِنصّ القرآن، ومَن وَقَع في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ففي قلبه غِلّ على خيار الأمة قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10].
ومَن كان في قَلْبِه غِلّ وحِقْد على خيار الأمة فهل يُتوقَّع أن يكون في قلبه وِدّ ومَحَبة لِمن هو دونهم مِن أتباعهم؟
وهذه رسالة صريحة في وجوه دُعاة التقارُب مع العقارِب.
سُئل سماحة شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال التالي: من خلال معرفة سماحتكم بتاريخ الرافضة، ما هو موقفكم من مبدأ التقريب بين أهل السنة وبينهم؟
فأجاب رحمه الله: "التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة غير مُمْكِن؛ لأن العقيدة مختلفة، فعقيدة أهل السنة والجماعة توحيد الله وإخلاص العبادة لله سبحانه وتعالى، وأنه لا يدعى معه أحد لا ملك مقرب، ولا نَبِيّ مُرْسَل، وأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم الغيب، ومن عقيدة أهل السنة محبة الصحابة رضي الله عنهم جميعاً، والترضِّي عنهم، والإيمان بأنهم أفضل خلق الله بعد الأنبياء، وأن أفضلهم أبو بكر الصديق، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، رضي الله عن الجميع، والرافضة خلاف ذلك فلا يمكن الجمع بينهما، كما أنه لا يمكن الجمع بين اليهود والنصارى والوثنيين وأهل السنة، فكذلك لا يمكن التقريب بين الرافضة وبين أهل السنة لاختلاف العقيدة التي أوضحناها"أ. هـ.
وسُئل رحمه الله: وهل يمكن التعامل معهم لضرب العدو الخارجي كالشيوعية وغيرها؟
فأجاب رحمه الله: "لا أرى ذلك ممكناً، بل يجب على أهل السنة أن يتّحدوا وأن يكونوا أمة واحدة، وجَسداً واحداً، وأن يَدْعُوا الرافضة أن يَلتزموا بما دَلّ عليه كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم مِن الحق، فإذا الْتَزَمُوا بذلك صاروا إخواننا، وعلينا أن نتعاون معهم، أما ما دَامُوا مُصِرّين على ما هم عليه مِن بُغض الصحابة وسبّ الصحابة إلاَّ نفراً قليلاً، وسب الصديق وعمر، وعِبادَة أهل البيت كَعَلِيّ رضي الله عنه وفاطمة والحسن والحسين، واعتقادهم في الأئمة الاثني عشرة أنهم معصومون، وأنهم يعلمون الغيب؛ كل هذا مِن أبطل الباطل، وكل هذا يُخَالِف ما عليه أهل السنة والجماعة".