من روائع الأمثال العربية: زببت وأنت حصرم

يُضرب هذا المثل للرَّجل الذي يتعاطى رتبةً قبل أن يصل إليها، كمَن يَقْعد للتدريس ولمَّا يستكمِلْ آلَتَه، وكمَن يقعد للفتوى ولمَّا يأخُذْ عُدَّته.

  • التصنيفات: الشعر والأدب -

 

يُضرب هذا المثل للرَّجل الذي يتعاطى رتبةً قبل أن يصل إليها، كمَن يَقْعد للتدريس ولمَّا يستكمِلْ آلَتَه، وكمَن يقعد للفتوى ولمَّا يأخُذْ عُدَّته.

ومعنى زبَّبْتَ؛ أي: جَعَلتَ من نفسك زبيبًا، والحِصْرِم: أوَّل العِنَب، فإذا كان أخضر سمِّي حِصْرِمًا، ولا يُسمَّى اليابس إلا زبيبًا.

ويروى هذا المثل برواية أخرى، وهي: "فلان يتَزَبَّب وهو حِصْرِم"، ويُروى برواية ثالثة، وهي: "زَبيب وأنت حِصْرِم".

وأصل المثل أن أبا الفتح عثمانَ بنَ جني الموصلي، النحْوِيَّ المشهور، قعَدَ للإقراء وتعليم الناس النحْوَ في الموصل، وما زال شابًّا.

ومرَّت الأيام، فمرَّ به أبو علي الفارسي، وهو يدرِّس الناس في حلقته، فسأله أبو علي عن مسألةٍ في التصريف، فقَصَر فيها.

فقال له أبو علي: "زَبَّبْتَ وأنتَ حِصْرمٌ".

فانتبه ابن جني لقصد الشيخ، فترك التدريس، ولازم أبا علي الفارسي أربعين سنةً حتى مَهَر في العربية، وحَذَق فيها عنه، وأتقن الصَّرف، فما أحَدٌ أعْلَم به منه.

ولما مات أبو علي الفارسي، تصدَّر بَعْدَه تلميذه أبو الفتح ابن جني في مجلسه ببغداد، وقعد لتعليم الناس، ورحم الله الشافعي حين قال:




أَخِي لَنْ تَنَالَ العِلْمَ إِلاَّ بِسِتَّةٍ *** سَأُنْبِيكَ عَنْ تَفْصِيلِهَا بِبَيَانِ
ذَكِاءٍ وَحِرْصٍ وَاجْتِهَادٍ وَبُلْغَةٍ *** وَصُحْبَةِ أُسْتَاذٍ وَطُولِ زَمَانِ

ولقد ذَكَر هذا المثَلَ الشُّعراءُ في شِعرهم، ومن ذلك قول ابن النقيب:

إِذَا صَرْصَرَ البَازِي فَلاَ دِيكَ يَصْرُخُ *** وَلاَ فَاخِتٌ فِي أَيْكَةٍ يَتَرَنَّمُ[1]
وَمَا الْمَوْتُ إِلاَّ طَيِّبٌ طَعْمُهُ إِذَا *** تَدَايَكَ فَرُّوجٌ وَزَبَّبَ حِصْرِمُ[2]


أهم المراجع:

1- (زهر الأكم في الأمثال والحكم، لليوسي).

2- (تاج العروس من جواهر القاموس، للزبيدي، ج31، ص: [496]).

3- (فوات الوَفَيات، للكتبِي، ج 1، ص: [330].

ــــــــــــــــــ

[1] الفاخت: ضرب من الحمام المُطَوَّق، والأيكة: هي الشجرة التي تلتف حول بعضها.

[2] الفروج:هو فَرْخ الدَّجَاج، وتدايك: جعل من نفسه ديكاً ولا زال صغيراً.