محاكمة مرسي

ربما آخر ما يتطلع المصريون وهم ينتظرون محاكمة الرئيس المصري محمد مرسي إلى معرفته هو تفاصيل القضية التي يُحاكَم بها؛ حيث مناخ تحقيق العدالة في مصر لم يعد مما يتعاطى معه الشعب المصري الآن.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


ربما آخر ما يتطلع المصريون وهم ينتظرون محاكمة الرئيس المصري محمد مرسي إلى معرفته هو تفاصيل القضية التي يُحاكَم بها؛ حيث مناخ تحقيق العدالة في مصر لم يعد مما يتعاطى معه الشعب المصري الآن.

فالمصريون مع انقسامهم الحاد هذه الأيام ليسوا آبهين بالإجراءات القانونية؛ فكثيرون باتوا متعاطفين مع الرئيس المصري ويعتبرون محاكمته نوعاً من الهزل والتمثيل، ويدركون أن المشهد لا يُعبِّر إلا عن عملية تجميل لحالة اختطاف بدأت مبكرة ثم تلتها رحلة البحث عن تهمة للرئيس المختطف، انتهت بالخاطفين إلى "تلفيق" تهمة قتل متظاهرين من مناصري الرئيس أنفسهم بالقرب من القصر الرئاسي (الاتحادية) دفاعاً عن الرئيس والقصر ضد مهاجمين أشعروا الحرائق بزجاجات المولوتوف داخل حديقته، ويَعتبرون ذلك محاكمة سياسية غرضها إبعاد رئيس منتخب عن السلطة تمهيداً لتولي أحد قادة "الانقلاب" منصبه.

والبعض كذلك يكرهون الرئيس مرسي ويقابلون محاكمته بارتياح بغض النظر عن إجراءاتها، ما دامت ستقود البلاد إلى التهدئة والاستقرار، وإلى إماتة الأمل لدى مناصريه، الذين يُطلِقون على أنفسهم أنصار الشرعية، فيما يجردهم هؤلاء من هذا الاعتبار.


لكن مهما يكن من آراء معارضة للمحاكمة أو مؤيدة لها، ومن قناعة متولدة لدى البعض ببراءته أو إدانته؛ فإن المحاكمة بحد ذاتها ستفاقم المشكلات التي تعانيها مصر ولا تحلها؛ فلا هي ستحقق العدل وتعيد الشرعية لأصحابها عند فريق، ولا ستحقق الاستقرار الذي يتطلع إليه جماهير الفريق الآخر.

لا حل في الأفق إذن إن أُدين الرئيس أو بُرئ، أُهين أو عُزِّز، فالذين بحثوا عن الوحدة بعد 30 يونيو، وطمعوا في الاستقرار لم يحصلوا عليهما، والبلاد ماضية إلى المجهول في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية، وازدياد معدلات البطالة مع انضمام جيش من العاطلين عن العمل يفوق الملايين الثلاثة من العاملين في قطاع السياحة إلى جيوش العاطلين، والحديث عن عودة الاستثمار للبلاد صار سلعة لا شاري لها، والأحوال المعيشية تزداد سوءًا مع توقف القطارات الجزئي وارتفاع الأسعار الهائل، بما يفوق قدرة معظم الأسر الفقيرة على الاحتمال.

أما المحاكمة ذاتها؛ فحتى "متعة الشماتة" لدى بعض كارهي حكم الرئيس مرسي لن ينالونها مع استحالة بث المحاكمة مباشرة في ظل أجواء شديدة الاحتقان، وفي المقابل؛ فإنها ستكون حافزاً لدى الطرف الآخر على مواصلة جهوده بالمظاهرات وغيرها لتحقيق ما يصبو إليه من رئيس رآه من خلال تسجيل مرئي بثته صحيفة الوطن الموالية للنظام على صفحتها الأحد، صامداً ثابتاً مطمئناً على نحو مغاير لما أراده ناشرو المقطع.


كما أن صدى تلك المحاكمة الدولي سيخصم كثيراً من رصيد النظام الحالي في الخارج بخلاف محاكمة مبارك، ولن يتمكن النظام من تسويق الإجراءات الاستثنائية غير الاعتيادية في العالم، والتي اتخذها من أجل منع تأثير الرئيس على جمهوره وأنصاره؛ فهو إن نجح في الإخفاء لا يمكنه تبريره على صعيد آخر، فالأهداف التي يرنو إليها النظام من المحاكمة ربما ينجح في تحقيق بعضها، لكنه من المحال أن يكبح من تأثيراتها السلبية في الداخل المصري، وفي العالمين العربي والدولي.

تبدو المحاكمة إذن للنظام شراً لابد منه، كما تبدو لأنصار الرئيس سُمّاً لابد لهم من تجرعه، وبين هذا وذاك لا يشعر المواطن بأن الأمور تسير في طريقها الصحيح، لاسيما وهي تقترب من حافة التصعيد والتصعيد المقابل... وحافة الإفلاس أيضاً!