أطب مطعمك
دار القاسم
قال صلى الله عليه وسلم:" لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت
حتى يبلغ آخر رزق هو له، فأجملوا في الطلب: أخذ الحلال ،وترك الحرام"[
السلسلة الصحيحة 2607].
- التصنيفات: موضوعات متنوعة -
إعداد علي بن محمد الدهامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا ، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لا يخفى أننا في زمن فتحت فيه الدنيا على الناس، وكثرت تجاراتهم، وتعددت مكاسبهم، وكثرت صور البيوع التي حيرت الناس ولبست عليهم، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتي على الناس زمان مايبالي الرجل من أين اصاب المال من حلال أو حرام. ولكن من يسعى إلى اللحاق بركب النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه لا يتأثر به الناس ،ولايتابعهم فيما يخالفون فيه هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يأكل التمرة ؛لأنه يخشى أن تكون من تمر صدقة، وقد قال عليه الصلاة والسلام:"أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا :حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة ،وعفة طعمة" وقال صلى الله عليه وسلم:" لا تستبطئوا الرزق، فإنه لم يكن عبد ليموت حتى يبلغ آخر رزق هو له، فأجملوا في الطلب: أخذ الحلال ،وترك الحرام"[ السلسلة الصحيحة 2607].
وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لايقبل إلا طيباً، وإن الله- تعالى- أمر المؤمنيين بما أمر به المرسلين فقال) يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً)[ المؤمنيين51]، وقال تعالى :(يا أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم)[البقرة172] ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء:يارب يارب ، ومطعمه حرام ،ومشربه حرام،وملبسه حرام، وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك؟"[رواه مسلم].
قال ابن رجب -رحمه الله-في شرحه لهذا الحديث:"وفي هذا الحديث إشارة إلى أنه لايقبل العمل ولا يزكوا إلا باكل الحلال، وأن أكل الحرام يفسد العمل، ويمنع قبوله، لفغنه قال بعد تقريره" إن الله طيب لايقبل إلا طيباً" إن الله أمر المؤمنيين بما أمر به المرسلين فقال:( يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً) وقال:( يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم) والمراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال، وبالعمل الصالح، فما دام الكل حلالاً فالعمل صالح مقبول ، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولاً؟! وما ذكره بعد ذلك من الدعاء وأنه كيف يتقبل مع الحرام فهو مثال لاستبعاد قبول العمال مع التغذية بالحرام".
وقد اختلف العلماء في حج من حج بمال حرام ومن صلى في ثوب حرام، هل يسقط عنه فرض الصلاة والحج بذلك ؟وفيه عن الإمام أحمد روايتان، وهذه الأحاديث المذكورة تدل على أنه لايتقبل العمل مع مباشرة الحرام ، لكن القبول قد يراد به الرضا بالعمل، ومدح فاعله، والثناء عليه بين الملائكة، والمباهاة به، وقد يراد به حصول الثواب والأجر عليه ،وقد يراد به سقوط الفرض به من الذمة كما ورد أنه لاتقبل صلاة الآبق ولا المراة التي زوجها عليها ساخط، ولا من أتى كاهناً ، ولا من شرب الخمر أربعين يوماً، والمراد-والله أعلم- نفي القبول بالمعنى الأول أو الثاني وهو المراد-والله أعلم- من قوله -عز وجل-:(إنما يتقبل الله من لمتقين)[المائدة27]،ولهذا كانت هذه الآية يشتد منها خوف السلف على نفوسهم ، فخافو ا أن لا يكونوا من المتقين الذين يتقبل منهم، وسئل أحمد عن معنى(المتقين) فيها فقال :"يتقي الأشياء فلا يقع فيما لا يحل له ". وقال أبو عبدالله النباجي الزاهد رحمه الله:"خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بمعرفة الله-عزوجل-،ومعرفة الحق،وإخلاص العمل لله ، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة لم يرتفع العمل ،وذلك أنك إذا عرفت الله-عزوجل-ولم تعرف الحق لم تنتفع ، وإن عرفت الحق ولم تعرف الله لم تنتفع،وإن عرفت الله وعرفت الحق ولم تخلص العمل لم تنتفع ، وإن عرفت الله وعرفت الحق واخلصت العمل ولم يكن على السنة لم تنتفع، وإن تمت الأربع ولم يكن الأكل من حلال لم تنتفع".
وقال وهيب بن الورد :"لوقمت مقام هذه السارية لم ينفعك شئ حتى تنظر ما يدخل بطنك حلال ام حرام".
ويقول ميمون بن مهران:"لايكون الرجل تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه وحتى يعلم من أين ملبسه، ومطعمه، ومشربه".
ويقول حذيفة المرعشي:"جماع الخير في حرفين : حل الكسرة ،وإخلاص العمل لله".
ويقول ابو حفص النيسابوري "أحسن ما يتوسل به العبد إلى مولاه الافتقار إليه، وملازمة السنة،وطلب القوت من حله". وقال يوسف بن أسباط:"إذا تعبد الشاب يقول إبليس :أنظروا من أين مطعمه؟ فإن كان مطعمه مطعم سوء قال :دعوه لاتشتغلوا به ،دعوه يجتهد وينصب، فقد كفاكم نفسه".
وقال سهل بن عبدالله:" من نظر في مطعمه دخل عليه الزهد من غير دعوى".
وسأل رجل سفيان الثوري عن فضل الصف الأول فقال :"انظر كسرتك التي تأكلها من أين تأكلها؟ وقم في الصف الأخير "وكأنه-رحمه الله- رأى من الرجل استهانة بهذا الأمر،فأحب أن ينبه إليه؛لأنه أهم مما سأل عنه".
وقال إبراهيم بن أدهم:" ما أدراك من أدراك إلا من كان يعقل ما يدخل جوفه".
وقال يحي بن معاذ:" الطاعة خزانة من خزائن الله إلا أن مفتاحها الدعاء ،وأسنانه لقم الحلال" وقال ابن المبارك:" رد درهم من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف درهم حتى بلغ ستمائة ألف "وكان يحيى بن معين ينشد:
المال يذهب حله وحرامـــــــه يوما وتبقى في غــــــــــدٍ آثامه
ليس التقي بمتقٍ لإلهـــــــــــه حتى يطيب شرابه وطعامــــــــه
ويطيب ما يحوي وتكسب كفه ويكون في حسن الحديث كلامه
نطق النبي لنا به عن ربــــــه فعلى النبي صلاته وسلامـــــــه
لقد كانوا -رحمة الله عليهم- يؤكدون على هذا المعنى كثيرا حتى أن الفضيل -رحمه الله- لما أراد أن يعرف أهل السنة قال :"اهل السنة من عرف ما يدخل بطنه من حلال".
عن عائشة رضي الله عنها قالت:كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوماً بشئ فأكل منه أبوبكر ،فقال له الغلام :أتدري ماهذا ؟فقال أبوبكر: وما هو؟ قال تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة،إلا أني خدعته فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه، فأدخل أبوبكر يده فقاء كل شئ في بطنه.
فاللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، واغننا بفضلك عمن سواك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.