الشعوب بين التدين الحقيقي و(القشري)
تفخر كثير من الشعوب المسلمة بأنها متدينة بطبيعتها وأنها تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أمر إيجابي ويدعو حقا للفخر ولكن السؤال هو: هل هذا وحده يعد كافيًا لكي تعتبر هذه الشعوب نفسها متدينة بشكل حقيقي؟ إننا إذا دققنا قليلا لنجد أن هناك قصورا واضحا في فهم التدين ومعناه وفقًا للشريعة الإسلامية ونجد الكثير من السلبيات التي ترتبط بهذا المفهوم.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
تفخر كثير من الشعوب المسلمة بأنها متدينة بطبيعتها وأنها تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وهو أمر إيجابي ويدعو حقا للفخر ولكن السؤال هو: هل هذا وحده يعد كافيًا لكي تعتبر هذه الشعوب نفسها متدينة بشكل حقيقي؟ إننا إذا دققنا قليلا لنجد أن هناك قصورا واضحا في فهم التدين ومعناه وفقًا للشريعة الإسلامية ونجد الكثير من السلبيات التي ترتبط بهذا المفهوم.
فالكثير من الناس يظنون أن حب الدين وحده كافيا لكي يعتبرون أنفسهم متدينين دون العمل بالأوامر والنواهي ومعرفة ما يجب وما لا يجب من الأمور وإذا حدثهم أحد في ذلك أنكروا عليه قائلين: "إننا نعرف الله أكثر منك"، وقد تجد بعض هؤلاء لا يصلي وإذا صلى لا يداوم على الصلاة ويخوض في كثير من المحرمات معتمدا على عبارات مثل (الله رب قلوب)، (والمهم النية). وينكر هؤلاء بشدة على من يدعوهم لمعرفة أمور دينهم التي يجهلونها ويظنون أن الدين يتركز فقط في أركان الإسلام وأن بقية أمور الدين من الفرعيات.
والأعجب من ذلك أن وصل الأمر ببعضهم لكي يعتبر أن تحكيم شرع الله من الأمور الثانوية لأنه ليس من أركان الإسلام كما يزعمون؛ بل يعتبرون من يتكلم في هذا الأمر من الخوارج والتكفيريين رغم أنه من لوازم الشهادتين عند أهل السنة كما أن الإيمان عند أهل السنة هو قول وعمل ولكن المفاهيم تتداخل وننتهي إلى شعوب تكتفي بمحبة عامة للدين دون معرفة لكثير من أحكامه أو تنفيذ لها ثم تدخل في معارك عنيفة مع من يريد أن يصلح لها هذه المفاهيم.
المدهش في الأمر أننا نجد العلمانيين بصحفهم وقنواتهم الفضائية يدخلون في الطريق ونسمع منهم لفتاوى واجتهادات دينية ما أنزل الله بها من سلطان محاولين تكريس هذه المفاهيم الخاطئة وإنكار المفاهيم الصحيحة بشتى الوسائل، ويأتون بعدد من رجال التصوف وعلماء السلطة لكي يداهنوا الناس ويشيدوا بما هم عليه وكأننا في عهد الصحابة رضوان الله عليهم.
إن الهجمة الشرسة التي تشنها بعض السلطات ضد التيارات الإسلامية بدأت تستخدم لمهاجمة الدين نفسه وسط صمت من فئات واسعة من المجتمع وهو ما يؤكد أن مسألة التدين هذه تحتاج إلى مراجعة.
كما أننا نرى هجوما شرسا على تحكيم الشريعة الإسلامية ومحاولة جعلها مسألة هامشية ولا نرى غضبا يتكافأ مع أهمية القضية من قبل الشعوب اللهم إلا من التيارات الإسلامية وهو ما يشير إلى قصور في فهم كثير من الشعوب الإسلامية لمسألة التدين. إن بعض الشعوب أوشكت على أن تعتبر نفسها (شعب الله المختار) فهي تعرف الدين وعلمته لكل البلاد ولا تحتاج أحد يعلمها! رغم انتشار لكثير من البدع والمعاصي والجهل بأمور هامة من الدين فيها.
هذه الحالة النرجسية والنكران الذي تعيشه بعض الشعوب أفرز تيارات لا دينية تلعب على هذا الوتر من أجل أن تصل لأهداف سياسية خطيرة وهدامة تشمل صناعة أوطان علمانية لا تحترم القيم الإسلامية وتمرر الشذوذ والزنا على أنه من الحريات الشخصية كما تبرر العصف بالإسلاميين على أنهم (متطرفين) لمجرد أنهم يدعون للإسلام بمعناه الشامل دون الوقوف به عند مجرد العاطفة.
إن المجتمعات الإسلامية تمر بمرحلة فارقة وحرجة من تاريخها إما أن تستمر في دربها بمساوئه ولا نسمع لها صوتا في المستقبل ولا نرى اندفاعة حول إصلاح حقيقي في فهم الدين والحياة والحرية والحكم، أو أنها تنطلق نحو آفاق أرحب وأوسع تعيد فيها نفض الغبار عن الكثير من المفاهيم والمصطلحات ولا تستسلم لمن يريدون توجيهها نحو الهاوية.
خالد مصطفى