الإعدامات الطائفية في العراق

منذ اللحظة التي تم فيها إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بطريقة طائفية شيعية بامتياز، وبمباركة أمريكية لمزيد من إثارة الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة؛ كان العراق على موعد مع موجة إعدامات طائفية مستقبلية ضد أهل السنة على أعلى المستويات، ليكتمل بذلك السيناريو الأمريكي الصهيوني الشيعي في بلد كان من أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية، ومن أكثر الدول التي تخشاها إسرائيل في المنطقة.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


منذ اللحظة التي تم فيها إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بطريقة طائفية شيعية بامتياز، وبمباركة أمريكية لمزيد من إثارة الصراع الطائفي بين الشيعة والسنة؛ كان العراق على موعد مع موجة إعدامات طائفية مستقبلية ضد أهل السنة على أعلى المستويات، ليكتمل بذلك السيناريو الأمريكي الصهيوني الشيعي في بلد كان من أكبر الداعمين للقضية الفلسطينية، ومن أكثر الدول التي تخشاها إسرائيل في المنطقة.

لقد كانت توقيت الإعدام بيوم عيد الأضحى المبارك في 30 ديسمبر 2006م، ومكان الإعدام في مقر الشعبة الخامسة التابعة لدائرة الاستخبارات العسكرية والذي كان يحاسب كل من يثبت تعاونه مع النظام الإيراني، ولطريقة الإعدام الطائفية حيث أربعة أفراد ملثمين تبين فيما بعد أنهم من جيش المهدي، والعبارات الطائفية التي قيلت وقت تنفيذ الإعدام من قبل هؤلاء، توحي بأن الدولة في العراق بقضائها ومحاكمها وجيشها وشرطتها قد ذهبت، وأن المليشيا الطائفية قد حلت محلها، وأن مسلسل الإعدامات في هذا البلد لن ينتهي بما حصل في ذلك اليوم، بل يمكن القول أنه قد بدأ، وأن سلسلة من الإعدامات ستطال أي مخالف للنهج الطائفي الشيعي الذي سيتبعه المالكي في هذا البلد.

وهذا ما أكده الزمان حين دار دورته ووصل بنا إلى مشهد الإعدامات الطائفية التي يقوم بها المالكي منذ أن سلّمه الأمريكان الحكم في العراق وإلى هذه اللحظة، فقد أعلنت منظمة العفو الدولية، عن ارتفاع معدلات تنفيذ أحكام الإعدام في العراق إلى أعلى مستوى لها، منذ احتلال العراق عام 2003م.

وأوضحت المنظمة في آخر تقرير لها أمس أن الحكومة العراقية أرسلت الخميس الماضي، سبعة سجناء على الأقل إلى حبل المشنقة، ما أثار مخاوف من أن المزيد من السجناء يواجهون عقوبة الإعدام.

وتابعت المنظمة أن 132 شخصاً على الأقل أُعدموا في العراق خلال العام الحالي، وهو أعلى معدّل من نوعه منذ أن أعادت البلاد العمل بعقوبة الإعدام عام 2004م، غير أن العدد الحقيقي يمكن أن يكون أعلى من ذلك بكثير لأن السلطات العراقية لم تنشر الأرقام الكاملة.

وأشارت المنظمة إلى أن العراق شهد 120 عملية إعدام عام 2009م، و129 عملية إعدام على الأقل في العام الماضي من عمليات الإعدام المعروفة، بالمقارنة مع 132 عملية إعدام في العام الحالي.

والمدقق في أسماء ومذهب من ينفذ بحقهم حكم الإعدام سيلاحظ ودون عناء أن جميعهم من أهل السنة، وكأن الشيعة في العراق منزهين عن ارتكاب الجرائم التي توجب عقوبة الإعدام بحقهم؟ أو لكأن أهل السنة هم من يرتكبون وحدهم الجرائم -وخاصة الإرهابية منها- في العراق.

ورغم المباركة الأمريكية الصهيونية الضمنية لجرائم المالكي؛ إلا أن ذلك لا بد أن يطعم بتصريحات بعض المنظمات الدولية حول تجاوزات الحكومة العراقية بهذا الشأن، وهي لا تعدو استهلاكاً إعلامياً ليس أكثر، ولا بأس بإيرادها في هذا التقرير لبيان ضخامة الجريمة التي ترتكب بحق المسلمين من أهل السنة في العراق بتهم الإرهاب الذي يمارسه المالكي ويدين به الآخرين.

وفي هذا الصدد قال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية (فيليب لوثر): "إن زيادة استخدام العراق لعقوبة الإعدام، وغالباً بعد محاكمات جائرة تردد بأن العديد من السجناء اشتكوا خلالها من التعرض للتعذيب، لإجبارهم على الاعتراف بالجرائم، هي محاولة غير مجدية لحل مشاكل الأمن والعدالة الخطيرة في البلاد".

وتشير أرقام منظمة العفو الدولية إلى أن حالات الإعدام في العراق بلغت أكثر من 129 حالة في 2012م، وهو رقم مضاعف قياساً بعدد الإعدامات المسجلة سنة 2011م (68 حالة على الأقل)، ويعد بذلك أكبر ارتفاع سجله العراق في عدد الإعدامات منذ سنة 2005م، وقد عدّت تقارير منظمات عالمية -منها العفو الدولية- الكثير من تلك الأحكام بأنها لا تخضع لمعايير المحاكمات العادلة، وأن الاعترافات تؤخد تحت وطاة التعذيب.

وهذا ما أكده كثير من الأحزاب العراقية والمحللين السياسيين بل علماء القانون أيضاً، فقد كشف عضو القائمة العراقية إبراهيم المطلك عن ممارسات غير قانونية من قبل المحققين الذين يتولون الاستماع للمتهمين، وأشار إلى أن التحقيق يقام في غرف مظلمة، تستخدم فيها أكثر الوسائل قسوة في التعذيب، مما يجعل المدان يعترف بأعمال لم يفعلها.

كما أشار الإعلامي والمحلل السياسي عدنان حسين إلى أن الأحكام التي اعتمدت على بلاغات المخبر السري تفتقد الشرعية، لأن أغلبها كيدية، موضحاً أن الحكومة العراقية اعترفت بذلك من خلال حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء.

بل إن الخبير القانوني محمد السامرائي اعتبر أن أحكام الاعدامات غير قانونية ولا دستورية، وصرح بأن أحكام الدستور تنص على أن تنفيذ أحكام الإعدام يحتاج إلى مصادقة محكمة التمييز قبل أن ترسل إلى رئاسة الجمهورية لغرض المصادقة عليها، وتعاد إلى وزارة العدل لتنفيذها بحق المدانين، وهذا ما لم يحصل في أحكام الإعدامات التي تنفذ في العراق.

ورغم الإدانات المحلية الكثيرة على استمرار تنفيذ أحكام الإعدام الطائفية في العراق، ومن بينها هيئة علماء المسلمين في العراق وبيانها الصادر منذ أيام بهذا الخصوص، والتي أوضحت فيه تمادي حكومة المالكي في انتهاج سياسة الإعدامات، حتى وصل الأمر بها إلى سياسة تنفيذ أحكام الإعدام بصمت ودون الإعلان عنها بموقع وزارة العدل العراقية الرسمي، تجنباً للضغوط الدولية وانتقادات منظمات وهيئات حقوق الإنسان العالمية.

رغم كل ذلك فمسلسل الإعدامات الطائفية مستمر في العراق؛ لأن لغة الكلام والشجب والإدانة لم تعد تجدي نفعاً في هذا العصر، حيث الكلمة الفصل فيه للقوة العسكرية والاقتصادية، ولا مكان فيه للتنديد والاستجداء أو الترجي والتمني.



عامر الهوشان