لاخيار للخليج إلا بدعم المقاومة العراقية
ملفات متنوعة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
مهنا الحبيل كاتب ومحلل سياسي
لا شك أنه من أسباب الحبور والسعادة انتشار مشاعر التضامن بين أرجاء الوطن العربي لدعم الشعب اللبناني وصمود المقاومة فيه في مواجهتها للمعركة الإستراتيجية للعدو، هذا الاستثناء للبنان وبعد أن أقفل النظام الدولي بشدة أبواب الدعم لأهلنا في فلسطين وفي العراق يعيد طرح السؤال مرة أخرى عن أهمية مشاعر التضامن، وواجب الدعم لقوى المقاومة وبنيتها الإنسانية في جميع الجبهات العربية، وحديثنا هنا عن العراق لا يسقط أو يخفف أبداً من المسؤولية تجاه فلسطين القضية المركزية، والتي تعاني أيضاً من حصار دولي ظالم يستهدف روح المقاومة وشخصيتها الاعتبارية لإضعافها حتى يتمكن العدو من تنفيذ مشروع الاستسلام النهائي.
لكن خصوصية المرحلة التي نعيشها هي التي دفعتني لكي أكتب عن ضرورات دعم المقاومة العراقية ومسؤولية الشعب العربي في الخليج، بل وحتى المؤسسة الرسمية فيه بحكم الجوار والتأثير لو وعت حجم المعركة، وأدركت معنى تراجع المقاومة العراقية أمام المشروع الإستراتيجي المعادي بطرفيه الأمريكي والإيراني، و تبعات تمكن المشروع من منطقة الخليج العربي.
ثلاث جبهات تقاتل دونها المقاومة
الحالة العراقية فريدة، وهي تجربة نادرة منذ تشكل العالم الجديد، وإعلان عُصبة الأمم، وبعدها هيئة الأمم المتحدة، فلقد واجهت المقاومة العراقية أعنف آلة حرب وأقدرها تقدماً وتقنية، وأكثرها وحشية وجراءة على انتهاك القيم الإنسانية، ونفّذت مشروعها دون أي طرف مقابل في التوازن الدولي أو الصراع الإقليمي أو النظام الرسمي العربي المحيط بالعراق، كل هذه الأطراف كانت تخدم معادلة واحدة في معركة احتلال العراق هي معادلة المحتل الأمريكي قبل بدء المعركة وبعد الاحتلال وحتى هذه الساعة.
وعلى الرغم من ذلك كله فقد أثبتت المقاومة الوطنية العراقية أن الإنسان العربي المنتمي لقيم الإسلام الأصيل شخصية نضالية لا نظير لها في تاريخ المقاومة الشعبية في العالم الجديد، سواء العالم الثالث المضطهد أو حركات مقاومة في مناطق أخرى، كلها استفادت من ميادين أطراف إقليميه أو دولية للمواجهة مع الاحتلال الجاثم على بلدانها، فيما انفرد العراقيون بالمهمة التاريخية الصعبة، بل والمستحيلة، وكسروا قاعدة التحليل الإستراتيجي في مثل هذه الحالات، وهاهم حتى الآن يتقدمون على ساحة المواجهة العسكرية المباشرة مع قوات الاحتلال الأمريكي، ويلحقون به الخسائر، ويهرب هو إلى ساحات التآمر السياسية مع الأطراف الداخلية والإقليمية لمحاولة احتواء انتصار المقاومة العراقية.
المحور الثاني إيران الصفوية
لقد واجه المحتل تصاعد قوى المقاومة بإعطاء الفرصة لإيران لتركيع هذه الانتصارات المتصاعدة، فأصبحت المقاومة في مواجهة مع الطرف الإيراني على جبهتين:
الجبهة الأولى: هي القوى الأمنية المعدة أيدلوجياً وعسكرياً في إيران، والتي تم إدخالها مع الاحتلال، وانضمت إلى الجيش العراقي الذي أسسه بريمر، وكانت تُستخدم في عمليات الاقتحام والحصار لمناطق ومدن المقاومة كالفلوجة والرمادي وغيرها جنباً إلى جنب مع قوى الاحتلال.
والجهة الثانية: هي المؤسسات الأمنية الداخلية التي كانت تتولى إنهاك وتعذيب وقتل المقاومين العراقيين والوصول إلى المعلومات الأمنية التي تخدم الاحتلال في حربه الشرسة مع المقاومة العراقية، ومع ذلك كله انتصرت المقاومة العراقية على الاحتلال وحلفائه، وأظهرت بسالة وقوة احتمال منقطعة النظير، كانت الروح الفدائية والتضحية في سبيل الأمة العربية ومرجعيتها الإسلامية وقوداً للعراقيين الأبطال.
الجبهة الثالثة الوحدة الوطنية
وأما الجبهة الأخطر فكانت قدرة وقوة المقاومة الإسلامية الوطنية العراقية على توحيد أهداف معركتها على الرغم من الضغوط النفسية الهائلة التي تُصب عليها، بل والذي يستفزّها لدخول معارك توظّف لمصلحة الحرب الأهلية في العراق، ومن خلال أجواء خطيرة كانت تسعى لكي تدخل المقاومة في هذه اللعبة القذرة إلاّ أن المقاومة حافظت على خطها النضالي الشريف، وتجنّبت أن تقع في نفس الفخ الذي زرعه الاحتلال لبعض القوى العسكرية القادمة من خارج العراق، والتي استخدمت لكي تكون طرفاً مقابلاً للطرف الإيراني في إشعال الفتنة وتبادل عمليات القتل رداً على جرائم مؤسسات الأمن الداخلي التي أسسها الاحتلال ودعمتها إيران.
لا خيار للخليج العربي إلا بدعم المقاومة العراقية
إذا نحن أمام حالة فريدة في مواجهة مشروع خطير لا يستهدف الهوية القومية والإسلامية للمنطقة فحسب، بل ويستهدف استقرارها ووحدتها الاجتماعية والوطنية، ونحن نرى أنه كلما تكرّس مشروع الاحتلال الأمريكي على الأرض مع الثقافة الإيرانية المعادية لوحدة المجتمع العربي في الخليج ظهرت لنا أبواق من القنوات تسعى لإيقاد الفتنة بين مواطني المنطقة كلها، وليس العراق فحسب، وكلما انتصرت قوى المقاومة وغطاؤها السياسي كالمؤتمر السياسي الذي يرأسه الشيخ جواد الخالصي والشيخ حارث الضاري الزعيم الإسلامي الوطني الكبير تراجعت حُمّى الخطاب الطائفي ومفاهيم الطائفية السياسية التي تمزّق المجتمعات العربية في الخليج لمصلحة الموقف الإيراني والأمريكي معاً.
أما المنظور الأمريكي فسيكون من الغباء أن نتصور بأن الأمريكيين قد أغفلوا منطقة الخليج من مشروعهم للشرق الأوسط الجديد، وتوقعاتهم التي وردت في دراستها، بـل إن الخليج هو محور هذا المشروع خاصة مع تداعيات الحرب الأهلية في العراق على المنطقة، وبالتالي إيجاد قواعد لعبة جديدة كلياً، وإعادة رسم المنطقة على قاعدة لعبة الشطرنج (كش ملك)، وأشير هنا إلى الخريطة الجديدة لتقسيم المنطقة على أساس طائفي بعد تداعيات أحداث العراق؛ أي مفاهيم أساسية لمنطقة الولاء والحماية بحسب ما يُفرض حتى على الطرف الأمريكي من تداعيات ضخمة لا يستطيع مواجهتها، ولكن يسعى لتأمين مصلحته العليا وإنهاك الخصوم في حروب يعيد بعدها سيطرته على المنطقة بتخطيط جديد يقابله المعسكر الإيراني وخطته الإمبراطورية.
إذاً ننتهي إلى حقيقة هي أن صمّام الأمان للمحافظة أولاً على وحدة العراق وإنقاذه من مخطط الحرب الأهلية، وبالتالي حماية المنطقة وهويتها القومية الإسلامية يكمن في دعم المقاومة العسكرية والسياسية، والتي تحتاج إلى دعم مادي لو تُرك لأهل الخليج إيصاله لهذه الأطراف الراشدة التي لا تعبث بدماء الأبرياء لكان في هذا الدعم وقاية لا تساوي سياسياً ولا اجتماعياً مقابلها الكبير ونتائجها الإيجابية، وهنا تبرز مهمة مؤسسات المجتمع المدني، والجمعيات السياسية في الخليج.
الأمر الثاني هو التحصين الإعلامي الراشد ضد خطاب الفتنة والفرقة الذي تتبناه القنوات الإيرانية المؤسسة حديثاً في الخليج، وما تفعله من تفرقة الصف وتعزيز جوانب الخلاف في قضايا كبرى بين أبناء الطائفيين لتمهيد الأجواء أمام فتنة لا يعلم مداها إلا الله، وهذه المهمة تقوم بها مشاريع إعلامية مستقلة ينبغي أن يُفتح لها المجال لكشف المخطط الأمريكي والإيراني على السواء، ويكفي أن يُعزّز إسناد مثل هذه المهمة إلى مجلس يضم كأساس له القوى الشيعية العروبية في العراق، والتي رصدت الفتنة الطائفية وآثارها على الوطن العراقي، ومن ثم امتداداته إلى المنطقة، مع من يماثلهم في الوعي من الطرف السني، ويستخرج خطاباً موحداً يهدي للوحدة ويدعم وحدة الشعب العراقي وصمود مقاومته، واليوم هو يوم العمل، أما غداً فــيلتفت الآخر إلى ما قيل وهو يتمتم:
محضْتُهمُ نصحي بمُنعرجِ اللّوى فلم يستبينوا القولَ إلا ضُحى الغدِ