المقاومة العربيّة وميلاد الشرق الأمريكي
ملفات متنوعة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
مهنا الحبيل*
يبدو أن الثقة التي تتمتع بها الخارجية الأمريكية -أو هكذا أرادت أن تبدو، خاصة بعد انتكاستها الكبيرة في العراق على أيدي المقاومة العراقية- جعلتها تحاول التعويض وإعادة طرح مشاريعها الشاملة في المنطقة، بهدف إعادة الاعتبار لشخصية الأمريكي المنهزم أمام المقاومة العربية.
محاولة رسم هذه الثقة جاءت في إعلان "كونزا ليزا رايس" في تصريحها بأن الشرق الأوسط يُولد من جديد، وهو رسالة أكثر منه إعلان للنظام الرسمي العربي ولحلفاء واشنطن، سواء كتيّارات أو حكومات أو مجاميع ناشطة، ويبقى خارج الدائرة خصوم الولايات المتحدة الرئيسيين: المقاومة العسكرية في مواطن الاحتلال وغطاؤها النضالي السياسي، والمقاومة السياسية في عموم الوطن العربي.
من هنا نستطيع استنتاج أهداف الحملة العسكرية المتزامنة في لبنان وفلسطين المحتلة، ومن هنا بالضبط نقرأ كيف تم دمج حماس في إشارة ضمنية واضحة في الخطاب الرسمي العربي والدولي بنفس الحديث عن محور القضية اللبنانية ومواجهة حزب الله للعدوان الصهيوني.
يصاحب هذا التصريح الضمني بتحميل المقاومة مسؤولية الأحداث، خاصة في فلسطين بعد عملية مفاوضات طرحها أبو مازن على الفصائل الفلسطينية المقاومة، بعد التنسيق مع أطراف تابعة لفريق أوسلو في فتح استبقت الفصائل بموافقتها، وأما باقي الفصائل، وفي مقدمتهم حماس المستهدف الرئيسي للمؤامرة الأمريكية، والتي كالمعتاد لا تجد عادة في هذه المبادرات أي توازن معقول لتحقيق وقف إطلاق النار سوى تهيئة المسار الإسرائيلي الأمريكي المدعوم دولياً من التقدم على الأرض على حساب الشعب العربي في فلسطين المحتلة دون أي حقوق.
وإذاً ستصير المقاومة إلى رفض هذه المبادرة التي تدعوها للاستسلام المطلق، وهنا يُستدعى الموقف من حزب الله بوضوح من جديد لكي يُحمّل الطرف الذي لا يقبل مبادرات ما يُسمّى القيادة (الشرعية) حسب المفهوم الدولي، وإذاً فهو عاصٍ مستحق للحرب والمواجهة، هكذا تُبعثر الأوراق وتُوجّه الجهود في مسار متزامن مع تصفية قضية المقاومة والممانعة في لبنان، بغض النظر عما تحدثنا عنه سابقاً من علاقة المقاومة في لبنان بهذا الطرف أو ذاك، خاصة بعد أن ظهر أن هذه الأطراف الإقليمية أبدت تخاذلاً واضحاً في دعم حزب الله بعد أن شاركها وبفعالية محورها المتحد.
فمعركة حزب الله الآن يُنظر إليها في هذا السياق العربي من الصراع مع الكيان الصهيوني أكثر من أي أمر آخر.
ونحن هنا نفرز فرزاً دقيقاً بين الواجهة النضالية لمعركة حزب الله في مواجهة العدوان الصهيوني، وبين مشروع الحركة الصفوية شريكة الاحتلال للعراق وذراع واشنطن في تشكيل الخليج الجديد، فلا نغفل هذه القضية كلياً، بل نعتقد أن البعض يريد أن يستثمر مشاعر الأمة كغطاء يُعمي الرأي العام عن المشروع الأمريكي المنفذ بأيدي الصفويين في المشرق العربي، ليس ذلك لأسباب طائفية مطلقاً، ولكنه لواقع سياسي إستراتيجي نُفِّذ في العراق والغفلة عنه، يعني تسليم العمق القومي الإسلامي للأمة لهذا التحالف الذي دمر العراق.
ففي نفس الوقت يتم حقن الأجواء مجدداً في العراق لتعزيز الحرب الأهلية الطائفية مع ذات الأطراف التي لعبت الدور الرئيس في التعاون مع الاحتلال، ومن ثم يسعى الاحتلال إلى زيادة وقود الحرب الأهلية والمواجهات الطائفية عبر "الحكيم" و"الصدر" بعد أن هيأ لهم الأجواء، وأشعرهم بأن فرصة النفوذ لقيادة العراق الجديد قد تتعثر، ولذا يجب السعي إلى تعجيل مشروع التقسيم، وهو بالضبط ما قام به عمار الحكيم مؤخراً في جولته التي شملت كردستان، وصرّح غير مرة بضرورة التعجيل بقيام فيدرالية الوسط والجنوب، أعقبه نشر الخريطة الجديدة والتي رُسمت على أسس طائفية محضة، ذات بعد إستراتيجي لواشنطن قام برسمها أحد المحللين العسكريين في واشنطن، وفي مطبوعة تخص وزارة الدفاع الأمريكية وهذا لايعني حتمية تنفيذ الخريطة أو أن واشنطن تعلن عن مخططاتها بسهولة، ولكنه إشارة لتلاقي التفكير بين الطرفين في هذه الجغرافيا الحيوية.
هذه الأجواء التي تُصنع في مقابل الحرب العسكرية ضد المقاومة في فلسطين المحتلة ولبنان يحاول الأمريكيون عبرها إلى خلط الأوراق بقوة أمام المقاومة الإسلامية الوطنية في العراق، ولقد تزامن هذا مع محاولة استهداف أهم رموز المقاومة السياسية والوحدة الوطنية في العراق، وهو الشيخ حارث الضاري، بل ووصل الأمر إلى دفع بعض شخصيات الحزب الإسلامي العراقي إلى الاندفاع في هذه المهمة القذرة ضد القضية وزعيمها في هذا التوقيت بالذات!! وكم نتمنى على الأستاذ الراشد أن يقوم بمبادرة تراعي وحدة الموقف الإسلامي، ويكف بعض الأطراف في الحزب الإسلامي عن تبادل تحميل المسؤوليات حتى تُهيّأ الأرضية لمواقف مخلصة مشتركة تخدم الشعب والمقاومة .
إن الأمريكيين يحاولون بذل أقصى طاقتهم بعد دمج المشروع في لبنان وفلسطين والعراق لتحقيق هذه الأرضية التي تُمكّن من سحق أي مبادرة أو ممانعة أو مقاومة سياسية ضد الاحتلال.
ولعله يبدو بارزاً استهداف بعض الطواقم الإعلامية العربية مباشرة في القصف وإطلاق النار الإسرائيلي، لمنعها من نقل صور الحرب القذرة، ومشهد مجزرة قانا المروع، والتي ستعزز صمود المقاومة العربية بعد المواقف الشجاعة من الإعلاميين العرب الـمستقلين عن المشاريع الأمريكية، والذين نحييهم هنا تحية كبيرة لتضحياتهم وفدائيتهم.
ولكن على الرغم من هذا الحشد الضخم لتحقيق المهمة التاريخية للولايات المتحدة، إلا أن خط الوعي العربي الإسلامي في المنطقة متصاعد بصورة لا مثيل لها على الرغم من محاولات إعاقته، وهذا مما يثير تساؤلاً كما حدث للأمريكيين في بغداد بأن مسار المعركة يتوجه بصورة مضطردة نحو خيار لا يتمناه الأمريكيون، و لا حلفاؤهم في تل أبيب وفي العواصم الغربية، حتى ولو تحقق لهم -لا سمح الله- التفوّق المرحلي على المقاومة يبقى الرهان عند إشعال الحرب التي سعى الأمريكيون لها لتحقيق الشرق الأمريكي الجديد، حينها سوف نبصر وحسب رايات الشرق، ولكنه الشرق الإسلامي المقاوم..
فانتظروا إنني معكم من المنتظرين..
*كاتب ومحلل سياسي