لماذا يفشل المربون؟
صعوبة التعامل مع النفس البشرية وتعقدها، فهي تحتاج إلى سياسة وترويض ومجاهدة وخبرة في التعامل معها ودراستها وسبر أغوارها ومن ثم فإن حسن التعامل مع النفس البشرية يتطلب من المربي عدة أمور هامة.
- التصنيفات: تربية الأبناء في الإسلام -
أقرأ كثيرًا عن تربية المراهقات، وأسمع كثيرًا من الدروس ولا أعرف إلى الآن كيف أربي ابنتي المراهقة، ولا كيف أتعامل معها؟
إنها تساؤلات صادمة نسمعها كثيرا من أمهات ومعلمات في مراحل التعليم الثانوي والمتوسط تنبئك عن موضوع هام ألا وهو أسباب فشل المربين في العملية التربوية خاصة للمراهقين والمراهقات.
وفي هذا المقال نناقش بعضًا من هذه الأسباب وليس كلها، فالمجال لا يتسع لذكرها جميعًا ولعلنا في مقال آخر نتحدث عن المعينات في العملية التربوية وليس المعوقات؛ ليكتمل الموضوع في أذهان القراء.
قلة الخبرة عند المربي
أو قل حتى انعدامها عند بعضهم، خصوصًا إذا كان ممن يسير في ميدان التربية دون استشارة وعناية بكسب المهارات التربوية. يقول الدكتور محمد قطب: وينبغي أن يحس المتلقي أن مربيه بالإضافة إلى أنه أكبر شخصية منه عنده ما يعطيه، فليس يكفي أن تكون شخصية المربي أكبر من شخصية المتلقي وهي البديهية الأولى في عالم التربية إنما ينبغي أن تكون عنده حصيلة يعطيها الآخرين في صورة تجربة واقعية.
وتتمثل هذه الحصيلة في جوانب عدة منها:
أ- الرصيد العلمي الشرعي وهو أمر له أهميته، فالتربية في الإسلام إعداد للمرء للعبودية لله تبارك وتعالى، وذلك لا يُعرف إلا بالعلم الشرعي، والعلم الشرعي يعطي المرء الوسيلة للإقناع والحوار، ويعطيه القدرة على مراجعة المسائل الشرعية وبحثها، وهو يمنعه من الانزلاق أو الوقوع في وسائل يمنعها الشرع. والعلم الشرعي الذي يراد من المربي لا يعني بالضرورة أن يكون عالماً أو طالب علم مختص، لكن أن يملك القدرة على البحث والقراءة والإعداد للموضوعات الشرعية، وأن يملك قاعدة مناسبة من العلوم الشرعية، ويبقى بعد ذلك التطلع لمزيد من التحصيل لزيادة رصيده من العلم الشرعي.
ب- القدرة على الإجابة على التساؤلات الملحة التي يطرحها المتربون والمتلقون.
ج- القدرة العقلية والخبرة العملية التي تعينه على مساعدة من يربيهم على تجاوز مشكلاتهم فيجيد التعامل معها، ويجيد طرح الرأي المناسب لحلها. وحين يفقد المربي هذا وذاك يشعر المتربون، أنه ليس ثمة ما يدعوهم للارتباط بفلان من الناس، وليس عنده ما يؤهله لأن يتولى تربيتهم.
كثرة المؤثرات التي تعصف بجيل هذا اليوم
انحراف وفساد..
عشق وغرام..
تبرج وسفور..
عجب وغرور..
عقوق للوالدين..
ترك للصلاة..
تبذير للأموال، تقليد للغرب..
ضياع للشخصية..
سفر لبلاد الكفر والإباحية..
جلساء السوء..
الكذب والغيبة وبذاءة اللسان..
التدخين والمخدرات..
العادة السرية..
التشبه بالرجال..
أفلام وقنوات..
فحش وروايات..
غناء ومجلات..
معاكسات ومقابلات..
جنس وشهوة وإثارة للغرائز..
وغيرها من مشاكل الفتاة المسلمة في العالم العربي والإسلامي، والتي تفوق في مستوى أدائها مستوى الكثير من المربين، إضافة إلى انحلال في جانب الأخلاق والسلوك، وأول ما يشار إليه في ذلك وسائل الإعلام المرئية والمسموعة.
تأثير الصحبة السيئة
تتأثر النواحي الانفعالية لدى المراهق بالقيم التي تسود جماعة الأقران، فالجماعة التي تحترم العمل والجد تدفع المراهق دفعًا إلى أن يجتهد حتى يحتفظ بعضويته فيها، بل ويحصل على مركز مرموق نتيجة جهده، أما الجماعة التي تشجع التسرب من المدرسة أو الانحراف بأي صورة من الصور، فتدفع الفتى لتقليدها في ذلك، وإن كان غير مقتنع به، فإن جماعة الأقران تحدد بسلوكها وقيمها ما يرضي المراهق وما لا يرضيه. والإنسان كائن اجتماعي يؤثر ويتأثر بالآخري، (والرفقة مطلب نفسي لا يستغني عنه الإنسان وخصوصًا في مرحلة المراهقة، وبوجود الرفقة المنسجمة يتم قضاء الأوقات وتبادل الآراء والخبرات وبث الآمال والتشارك في الأحاسيس والمشاعر، وتقوم الرفقة في كثير من الأحيان بإعطاء الرأي وبلورة الفكر ووضع الخطة وتنفيذها، ويتعذر منع المراهقة عن الرفقة، أو فرض العزلة عليها، وهو أمر يصطدم مع طبع الإنسان وجبلته، ويحرمه من حاجة نفسية مهمة).
وقد تظن الأم أنها بمنعها ابنتها عن مقابلة رفيقاتها أنها تحميها وتحافظ عليها، وكثير من الأمهات يفرضون سياجًا من حديد حول الفتاة، ولكننا نريد أن تكون الفتاة غير انطوائية، وتتصف بصفات اجتماعية تؤهلها لإقامة حياة منفصلة بعد ذلك عن الوالدين، وذلك بعد زواجها مع وجود ضوابط داخلية لديها، نستطيع أن نغرسها من الآن. لأن (المراهق يستوحش العزلة، ويمقت الانزواء والانطوائية ما لم تلجئه إليه ضرورة أو يُفرض عليه فرضًا، فهو يحس بحاجة داخلية ملحة للالتقاء بأصحابه وأبناء مرحلته، ويشعر أنهم يمدونه بزاد نفسي لا يقدمه له الكبار أو الأطفال).
وأعرف أمًا طلبت من أخت فاضلة أن تأخذ ابنتها معها للمسجد ولقاءاتها لتتعرف على صديقات من سنها لأنها خجولة جدًا ولا تتكلم، وإذا قابلت إحدى البنات احمر وجهها وتلعثمت وامتلأت عينها بالدموع من الخجل حتى وهي بمجتمع النساء، فكيف ستعيش هذه في أسرة جديدة بمقتضى الزواج، تجامل فيها في كثير من الأحيان زوجها وأهل زوجها وتستقبل الضيوف وغير ذلك، من المهارات التي على الفتاة أن تتدرب عليها في بيت أهلها، قبل أن تستقل في بيتها الخاص بعد الزواج.
والطبيعي طبعًا أن تميل الفتاة إلى رفيقاتها المقاربات لها في السن... لماذا؟
لتكون رفقة تشترك معها في أشياء كثيرة من أهمها:
التشابه في التحولات الجسدية والعضوية، والنفسية والعقلية والاجتماعية، والتشابه في المعاناة والمشكلات، والتشابه في الموقف من الكبار، هذا إلى جانب الاقتران في المرحلة الدراسية، وتعُد طبقة الأقران أحد المصادر المهمة والمفضلة عند المراهقين للاقتداء، واستقاء الآراء والأفكار. ولذلك يمكننا القول بأنه لا يمكن الاستغناء عن الصداقة في حياة الفتيات وعن تكوين علاقات مع الرفيقات من نفس السن.
صعوبة التعامل مع النفس البشرية وتعقدها، فهي تحتاج إلى سياسة وترويض ومجاهدة وخبرة في التعامل معها ودراستها وسبر أغوارها ومن ثم فإن حسن التعامل مع النفس البشرية يتطلب من المربي عدة
أمور هامة وهي:
1- العلم بما يحتاج إليه من الدراسات الإنسانية، كطبيعة المرحلة التي يتعامل معها (أطفال، مراهقين، رجال…) وطبيعة الإنسان ودوافعه وغرائزه واستعداداته، واطلاعه على عدد من الدراسات التي تخص الفئة التي يتعامل معها. وهذا لا يلزم منه أن يكون مختصاً بعلم النفس أو التربية، لكن أن يملك الأسس العامة، وأن يكون قادراً على فهم الدراسات والبحوث المتخصصة في هذا المجال.
2- المعرفة بالشخص نفسه من حيث قدراته واستعداداته وإمكاناته، ويظهر هذا الأمر لمن يتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلّم ومعرفته لأصحابه. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم أبي، ولكل أمة أمين، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح» (صححه الألباني).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أحد أول منك؛ لما رأيت من حرصك على الحديث، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قبل نفسه» (صحيح البخاري).
وأوصى صلى الله عليه وسلّم صاحبه أبا ذر رضي الله عنه بوصية تنبئ عن معرفته به، فعن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: «يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا وإني أحب لك ما أحب لنفسي؛ لا تأمرن على اثنين ولا تولين مال يتيم» (صححه الألباني).
3- المعرفة بالبيئة التي يعيشها المتربي بصفة عامة؛ إذ هي تترك آثارها الواضحة على شخصيته، ومعرفة المربي بها تعينه على التفسير الصحيح لكثير من المواقف التي يراها.
________________
المصادر:
- المراهقون، د/ عبد العزيز بن محمد النغيمشي.
- أبناؤنا في مرحلة المراهقة وما بعدها، د/ شحاته محروس طه.
- منهج التربية الإسلامية، د. محمد قطب.
- مقالات في التربية، د. محمد الدويش.
- الفتاة ألم وأمل، د. إبراهيم الدويش.
أم عبد الرحمن محمد يوسف