حقيقة الصراع ومن وراءه؟

خالد غريب

يجب عند دراسة، أو تحليل الأوضاع السياسية الحالية في منطقة الربيع العربي وضعها داخل سياق ثلاث صراعات:
1- الصراع العِلماني الإسلامي.
2- الصراع العِلماني العِلماني.
3- الصراع الإسلامي الإِسلامي.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


يجب عند دراسة، أو تحليل الأوضاع السياسية الحالية في منطقة الربيع العربي وضعها داخل سياق ثلاث صراعات:

1- الصراع العِلماني الإسلامي.
2- الصراع العِلماني العِلماني.
3- الصراع الإسلامي الإِسلامي.

- أولاً: العلماني الإسلامي

نجده هو الصراع الظاهر والذي لا يستطيع أحد إنكاره وهو الذي يصبغ المشهد، بل يتعمد البعض الحديث عنه كما تحدّث أمس وزير الانقلابيين (البرعي) في معرض رده على بيان التحالف، حيث ذكر مباشرة شرط من شروط الانقلابيين وهو أن تتأقلم جماعة الإخوان المسلمين مع (تقاليد الشعب المصري)، وعلى رأسها فصل الدين عن الدولة.

فضلاً عن تصريحات بعض مفكرين ومنظرين (النخبة) الحالية أمثال: "هيكل، وحتى حلمي نمنم" وغيرهم، بل حتى تصريحات الرجل الأول الفريق السيسي عند حديثه مع المصري اليوم وكلامه عن البناء الفكري للتيار الديني والذي أثبت مما لا يدع مجالا للشك الانتماء العلماني الواضح.

وبالمناسبة نفس تلك (النخبة) ستجدها موجودة ونشطة الآن في أنحاء دول الربيع: "اليمن، تونس، ليبيا، سوريا، بل حتى السعودية والخليج" وهي فعلاً من تمثل الركيزة الأساسية للنظام العالمي الجديد وتصوراته للمنطقة بعد ثورات الربيع، وفي الطرف الآخر تأتي شعوب المنطقة وهويتها وصبغتها الفكرية، وهي الحضارة الإسلامية وما تتولد من تلك الشعوب كتيارات سياسية، أو نخب حقيقية ممثله لتلك الشعوب كحركات تحمل رغبات تلك الشعوب سواءً كانت ذو مرجعية إسلامية، أو قومية، أو حتى عرقية ووطنية تتمسك بالقيم والمبادئ وتمثل خط ممانعة، أو المناعة الذاتية لجسد المنطقة.

الشاهد:


هو أن هذا الصراع ظاهر بكل أدواته وآلياته وهو تطور طبيعي لصراع أزلي تتغير صوره وأدواته عبر التاريخ وفق خصائص كل مرحلة، فلن ترضى شعوب المنطقة أبداً بعزل دينها وعقيدتها عن حياتها ولا عن سياساتها ولن ترضى أبداً النخبة بتفعيل الدين والعقيدة كخلفية تهيمن على مقدرات المنطقة، ولن تغير تلك النخبة موقفها إلى قيام الساعة وستغيره بالتأكيد طواعية يوم القيامة، وهذا باختصار الصراع العلماني الإسلامي.

- ثانياً: العلماني العِلماني

ولكن حصر المشهد في الصراع السابق فقط وإغفال الصراعات الأخرى يعكس نتائج خاطئة، أو ناقصة.

فالتيار العلماني نفسه يعوم فوق صراعات عنيفة داخلية وبالخصوص بين كل من اليمين الليبرالي واليسار الشيوعي الفريقين متفقين تماماً على فصل الدين عن الدولة، أو بالأحرى إقصاء الإسلام السياسي عن المشهد، إنما يختلفون تماماً فيما دون ذلك أي في النظرة البديلة لأسلمة المنطقة بل يعد الاختلاف اختلاف جذري يفوق اختلاف كلاهما مع المرجعية الإسلامية.

وهذا ما يترجم موقف بعض السياسيين على سبيل المثال في مصر الدكتور البرادعي وعمرو حمزاوي اللذان سارعا بشن هجوم شرس وغير مسبوق، وحتى غير متسق مع مواقفهما مع الانقلابيين قبل إقصاء الإسلاميين هذا الهجوم موجه لقادة الانقلاب الذين مالوا بشكلٍ ملحوظ إلى اليسار الشيوعي، وما يؤكد ذلك هو السيناريو الروسي المصري الأخير، عموماً لا يجب إغفال هذا الصراع عند تحليل المشهد ربما لن نحتاجه حالياً إلا أننا بالتأكيد سنحتاجه الأيام القادمة.

- ثالثاً: الإسلامي الإِسلامي (فئران رند)

أعتذر من هذا المصطلح إلا أني لا أملك أن أصف هذا النوع من الصراع إلا بهذا الوصف، لأنه فعلاً قادم من معامل مؤسسة "رند" التجريبية بكل وضوح وإعلان، وبما أني أنا نفسي أنتمي إلى التيار الإسلامي فلا أجد حرج في تقديم النقد اللاذع لمساراتنا بغية الاستيقاظ والانتباه وبالبديهي ليس من باب الهجوم، فالأصل في الإسلام هو توحُّد الرؤية والمنهج لأنه بالتأكيد يقوم على فكرة التوحيد والوحدانية، ووحدانية المصدر.

فما دام المصدر واحدٌ أحد، فلا يمكن قبول الاختلاف، أو بالأحرى لابد أن يرجع هذا الاختلاف إلى مجهود آخر خارجي ليس بسيط عبر طرق معقّدة تمّت في حقب زمنية طويلة وبأدوات غاية في الدقة والمتابعة، ولا يمكن قبول حدوثه الذاتي كما يحدث مثلاً في العلماني العلماني، أو العلماني الإسلامي.


وبالفعل إذا أجهدنا أنفسنا وراجعنا كل الدراسات والبحوث الصادرة من مراكز بحثية تأسست تاريخياً لهذا الغرض فقط وعلى رأسها مؤسسة "رند" الصهيونية التي ليس لها مجال للدراسات والبحوث إلا عن الإسلام والتيارات الإسلامية.

وبالطبع تعد مؤسسة "رند" واحدة فقط من مجموعة كبيرة حول العالم مُعدَّة لهذا الغرض، إلا أنها تُعتبر الأهم حتى الآن فضلاً عن كون تلك المراكز امتداد لمراكز أخرى بل ولكيانات وأشخاص وباحثين عبر مراحل التاريخ المختلفة كان كل أهدافها وحدة تكوين الإسلام، أو المجتمع الإسلامي وهو الفرد، أو الشخص المسلم، ومن ثم المجموعة المسلمة، وأيضاً الجماعة المسلمة، ولا عجب أن قلنا أن كل الكيانات الإسلامية المعاصرة دشنت على عين تلك الكيانات، أو المراكز، وهذا أيضاً ليس بالضرورة استدعاء مصطلحات التخوين وخلافه، ولا أستثني أي فصيل.

فكما ذكرنا أتحدّث عن فلسفة الخلافات المنهجية في ذاتها وليس في أشخاصها، فمن لم تتدخل تلك الكيانات بصورة مباشرة في تكوينها ونشأتها كانت بالتأكيد تحاو ل الاحتواء وإعادة التوجيه وكان ذلك بشكلٍ معقَّد ومُعلَن في نفس الوقت لا أنسى يوماً مذكرات ضباط سابقين في مخابرات بريطانيا العظمى التي كانت تحوى تفصيلاً كاملاً عمّا أقوله، ولا أنسى أيضاً تصريحات معظم المهمين من المستشرقين والفلاسفة ذوي المرجعية التوراتية.

ولم تغفل عيني عن متابعة تقارير "رند" المتتابعة ومدى تأثيراتها على السياسات الغربية بل والأمريكية خصوصاً، بل لم أغفل يوماً عن معظم دراسات المعاهد البحثية الأخرى مثل مدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي، الذي يديره "جون بي الترمان" الذي قد يبدو معارِضاً للسياسات الأمريكية أحياناً، إلا أنه يَصب تماماً في نفس ما ذكرناه من دراسات عميقة لحركات الإسلام الحديثة وتوجيه الإدارة الأمريكية، التوجيه المناسب لتغذية تلك الخلافات البينية بين تلك الحركات، كما أيضاً لا يمكن لأي عاقل إغفال دور "معهد كار ينجي" لمشروع الشرق الأوسط وباحثيه الذين أصبحوا الآن معظمهم من العرب نفسهم للتقارب الحثيث من ثقافة وطبيعة تفكير الشخص المسلم العربي، ومن ثم فهم الشخصية جيداً سيساعد بشكلٍ كبير في التوجيه والاحتواء.

وهنا يحضرني آخر ما توصلت إليه (معامل) مؤسسة "رند" في توجيهها (لفئران التجارب) الجدد الذين استجاب بعضهم لتلك التجارب وحققوا نجاحات لا بأس بها من الناحية العملية بل كانوا عاملاً أساسياً في تغيير سياسات الإدارات الأمريكية في المدة الأخيرة تقرير مؤسسة "راند" الأمريكية والسيناريو القادم: حرب باردة لاحتواء المدّ الإسلامي.

شبكة دولية من المسلمين المعتدلين بمواصفات أمريكية:


يؤكد التقرير الذي يحمل عنوان بناء شبكات مسلمة معتدلة ويقع في217 صفحة من القطع المتوسط، أن الصراع القادم، ليس صراعاً عسكرياً، أو  أمنياً، بل صراع فكري له أدوات وأسلحة جديدة.

ورغم صدور هذا التقرير في ربيع هذا العام، فإنه مرّ مرور الكرام على العالم العربي والإسلامي، ولم تهتم به إلا حفنة من المؤسسات البحثية لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة بعد محاولة استحضار أساليب وأدوات أمريكا في الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي ومحاولة تطويع بعضها لاستخدامه مع الإسلام، الذي وصف في التقرير نفسه على أنه الخطر البديل للشيوعية.

يركز التقرير على جهود أمريكا في تقليل موجة التطرُّف، ويشير إلى أن الدعوات الديمقراطية قد تسببت في خسائر حقيقية للولايات المتحدة، لأنها أثبتت أنها قد تأتي بالإسلاميين إلى السلطة.

وهو ما يتعارض مع المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة، ويُنبه إلى أهمية الإنفاق الأمريكي على الجهود الإنسانية والخدمية في منطقة الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي؛ من أجل منافسة التيار الإسلامي.

أما بيت القصيد، والهدف الذي قد يبدو الأهم في التقرير، فيأتي في الفصل الخامس الذي يحمل نفس عنوان التقرير وهو خريطة طريق لبناء شبكات مسلمة معتدلة:
فبعد أن أشار معدو التقرير إلى إستراتيجية التعامل مع العالم الإسلامي من خلال ما تم في الحرب الباردة، وتأكيد أن أعداء التيار الإسلامي هم الذين يحاربون المدّ الإسلامي.

جاءت الإستراتيجية في هذا الفصل لتُحدِد من هم المحاربون الجدد فصاغت مصطلحاً جديداً، سوف يلوح في الأفق قريباً، بعد أن حرّرته أي حدّدت معناه، ويشير إلى أن العزم على بناء شبكات مسلمة معتدلة هو عمل (دفاعي) ويقترح دعم القدرات الموجودة للمسلمين المعتدلين المقاومين للفكر المتطرِّف، وتنظيم مؤسسة دولية دائمة لمحاربة الإسلام المتطرِّف، كما يرى أن الميزانيات المخصصة لراديو (سوا)، وقناة (الحرة) يمكن أن تنفق بشكلٍ أفضل لدعم القنوات المحلية والصحفيين الذين يلتزمون بخط التعددية والديمقراطية.


كما يوصي بعقد مؤتمر دولي في مكان له دلالة رمزية مهمة لدى المسلمين، كغرناطة في إسبانيا، للإعلان عن قيام مؤسسة لمحاربة التطرُّف السلفي (ص:145).

فالاعتدال على الطريقة الأمريكية هو السلاح الجديد الذي سوف يُشهَر في وجه الإسلام وحددت مواصفات للمسلم المعتدل، من أهمها هل يقبل تطبيق الشريعة الإسلامية أم لا؟

بل وضعت11 سؤالاً لاختبار والتعرّف على الأفراد والمؤسسات التي تحمل هذه الصفات، ليتم التعامل معها من خلال تكوين شبكات دولية بهدف محاربة الإسلام إلا أن هذا ليس موضوعنا الآن، بل ما أريد التركيز عليه هو أن بعض فئران التجارب من داخل النسيج الإسلامي نفسه حققوا نتائج مبهرة فعلاً إلى الحد الذي توقعت مرات عديدة بعد قراءة مقالات بعض المنتسبين إلى التيار الإسلامي، بل إلى التيارات التي كانت توصف فيما سبق بالأكثر والأشد تشدداً.

أتوقع بعد قراءة المقال أن يحصل باحثين مؤسسة "رند" مكافئات مالية لا تقل عن ملايين الدولارات نظراً لما تعكسه تلك المقالات من نجاحات باهرة لهؤلاء الباحثين.

وسأضع رابطاً في الأسفل لمقال نموذج لتلك النجاحات.

إذاً خلاصة هذا التقرير، أو توجهاته هي:

- أولاً: إيجاد ما يُسمّى بشبكات الإسلام المعتدل من خلال تدشين فكرة جديدة للإسلام فضلاً عن دفع بعض التيارات التاريخية كبعض مدارس السلفية منها مثلاً إلى تغيير تكتيكاتها لتنسجم مع هذا النوع الجديد من الإسلام مع إيجاد المبرِّرات الشرعية لذلك والتمسك النظري بالثوابت القديمة، وأظن أن هذا ما حدث.

- ثانياً: توسيع شرخ الخلافات المنهجية التاريخية التي أسسها أجداد هؤلاء الباحثين مثل ضباط الإمبراطورية العظمى على سبيل المثال بين "المنهج السلفي ومنهج الإخوان المسلمين" بل حتى مناهج المدرسة السلفية الواحدة.

-  رابعاً: محاولة حصار وسجن تلك المناهج في صورة أشخاص، أو علماء، أو مفكرين تاريخيين ليسهل إدخال التشكيك النفسي للمنهج وربطه بالأهواء النفسية مثل الوهابيين (سلفية) القطبيين (إخوان مسلمين) وحديثاً السروريين، أو بأفعال مشينة (التكفيريين) مثلاً، أو بأفعال غير مشينة ولكن تم تشويهها (الجهاديين)... إلخ.

وكلها طرق لا تبعد عن استراتيجيات تفريغ المضمون والقوالب المسبقة وبالتالي الأحكام المسبقة وإعداد الأرض وتمهيدها للأطراف الأخرى؛ لتوظيف تلك المصطلحات التي تم توثيقها من داخل التيار نفسه.

عموماً أختم بأن أقول:


أول خطوة وأهمها على الإطلاق هو إما معالجة فئران التجارب من داخل الحركة الإسلامية، أوعزلهم لفترة حتى يقل تأثيرهم ولا تتفاقم الأمور، ولمقاومة تلك المؤسسات وإرباك خطواتهم القادمة، لأنهم الآن وصلوا إلى حال عميقة من فهم نماذجهم الجديدة إلى حد التطابق، فهم الآن يشعروا بما يشعر به النموذج ويتوقع رد الفعل بصورة مذهلة مما أحكم السيطرة على تلك الفئران بل بعضهم قد تم دفعهم إلى المشهد بصورة متعمدة ليمكن توجيه المشهد السياسي ككل، ولذلك أطلب من الجميع دون تفريق سرعة العمل على اكتشاف تلك الفئران والتعامل معها.

وبالمناسبة مصطلح فئران تجارب هذا لا أخص به فصيلاً معيناً بل تلك المدارس استهدفت جميع المدارس للتيارات الإسلامية، وللأسف منها ما حقق لهم نتائج ومنها ما زال صامداً أمام كل تلك المحاولات الخبيثة.


 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام