حرب دماج الثانية؛ الحوثي يسقط مجدداً
على مَقربة من أحد ألوية الجيش اليمني المرابط في محافظة صعدة، تتعرَّض منطقة دماج التابعة جغرافياً لمحافظة صعدة شمال اليمن، لحرب إبادة شاملة لما يقرب من 15 ألف نسمة من السكان وطلاب العلم في مركز دار الحديث السلفي الذي أسّسه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في عام 1979م.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
على مَقربة من أحد ألوية الجيش اليمني المرابط في محافظة صعدة، تتعرَّض منطقة دماج التابعة جغرافياً لمحافظة صعدة شمال اليمن، لحرب إبادة شاملة لما يقرب من 15 ألف نسمة من السكان وطلاب العلم في مركز دار الحديث السلفي الذي أسّسه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي في عام 1979م.
هذا الحصار وهذه الحرب ليست الأولى، بل هي نِتاج لحصار سابق لم ينتهي بعد، حتى بدأ الحصار الثاني!
في أكتوبر عام 2011م حوصرت منطقة دماج السلفية من قبل مليشيات جماعة الحوثي "الشيعية" المتمردة، بعد أن سيطرت الجماعة على محافظة صعدة أثناء ثورة 11 فبراير الشبابية السلمية، وشنت حرباً شرسة على دماج سقط فيها ما يزيد عن 73 قتيلاً ومئات الجرحى، وتدمير عدد من المنازل والمساجد ومساكن الطلاب، وحصلت مجاعة وسوء تغذية وأمراض خطيرة بسبب الأوبئة التي أغرقت المكان.
وفي أكتوبر هذا العام 2013م، حوصرت دماج مرة أخرى ولكن بطريقة أبشع وأشد فتكاً في القتل والتنكيل، فقد تم حصارها وضربها من كل الجهات في خطة محكمة أُعدت من أجل القضاء على مركز دماج بشكل نهائي.
لماذا دماج؟!
من الواضح أن جماعة الحوثي بعد أن أحكمت سيطرتها على محافظة صعدة، وفرضت محافظاً لها اختارته بعناية ليوافق أهوائها؛ حيث نصّب الحوثيون تاجر السلاح المعروف فارس مناع في 26 مارس 2011م، محافظاً لصعدة لإدارة الشؤون المدنية، واحتفظوا بإدارة الشؤون الأمنية والعسكرية (للمزيد عن فارس مناع راجع شبكة ويكيبديا).
وعندما خلا لها المكان شرَّدت كل من يخالفها في الرأي والفكر والاعتقاد؛ ولم يبقى إلا منطقة دماج السلفية التي تقاوم الركوع وتسليم الحكم للحوثي. فكان أن واجهت أقسى وأبشع العقوبات الإنسانية، حيث يتم حصار المنطقة التي لا تتجاوز 2 كيلو مترمربع، وضربها بشتى أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، ومنع الغذاء والدواء وإجلاء الجرحى منها، في مشهدٍ إجرامي لا يمكن وصفه إلا بأنه "نيروني" آثم.
ولمَّا قاومت دماج الفكر الشيعي ومحاولة تثبيته على أنه دين أهل صعدة، تعرَّضت للحصار الخانق وتقتيل وتجويع أبناءها على مرأى ومسمع من الدولة والمنظمات الحقوقية التي شغلها موضوع "زواج الصغيرات" في الحوار الوطني، ولم تلتفت إلى نكبة دماج.
شماعة الأجانب
يتخذ الحوثيون من تهمة التكفير وتواجد بعض الأجانب في دماج لطلب العلم؛ شماعة لإخضاع دماج تحت سيطرتهم، ورغم أن وجود الأجانب -حتى ولو كانوا غير شرعيين- من مهمة الدولة، فإن الحوثيين لا يألون جهداً في كل مكان بالتخويف من وجود الأجانب في دماج وأن عليهم مغادرتها فوراً. وحتى لو غادر الأجانب دماج فإنهم سيتخذون لهم عذراً أخر يلتجئون إليه من أجل إيذاء أهل السنة وطلاب العلم في مركز الشيخ مقبل الوادعي، الذي أسّسه منتصِراً على الفكر الزيدي الذي كان لا يقبل بمشيخة من كان من خارج آل البيت وصفوة القوم.
والواضح للعيان أن الهدف الأساس للحوثي هو إخراج أهل السنة من دماج وتركها لهم لإقامة ليالي الغدير وحفلات الصرخة المزعومة ولكي يصفو لهم الجو لابتزاز المواطنين وتهديدهم ساعة باسم دعم المجاهدين وأخرى باسم الخُمس.
حسب عضو الحوار الوطني الشيخ محمد عيضه شبيبه فإن قضية الأجانب، ورقة مسيسة وغير منطقية، مؤكِداً أن هناك عناصر أجنبية خطيرة في صفوف الحوثيين يتم استخدامهم لأغراض التكتيك العسكري، وهناك خلايا أجنبية تجسسية يتم محاكمتهم حالياً في اليمن.
جُرح دماج
حتى الآن سقط في دماج ما يزيد عن 100 قتيل وحسب الناطق الرسمي المفوض باسم دماج في صنعاء "فإن العدد ليس نهائياً بسبب عدم العثور على بعض المفقودين جراء عدم استطاعة البحث والخروج إلى المنازل المقصوفة بسبب الخوف من القنص والقصف المتكرر والمتواصل على المنطقة".
ويقول الغرباني أن عدد الجرحى وصل إلى أكثر من 250 جريحاً، ربع هذا العدد من الأطفال، وهناك 12 امرأة جريحة، وبلغ عدد الجرحى من كبار السن حوالي 15 جريحاً.
كما أن القصف على دماج أدّى إلى تدمير البنية التحتية للمعيشة والحياة، الأمر الذي سبب بانتشار الأوبئة والأمراض بسبب نقص الغذاء وانعدام الدواء.
وتركَّز القصف على استهداف المصالح العامة كالكهرباء ومشاريع المياه والمستوصف الصحي، والمكتبة العامة، ولم تعط بيوت الله أي حرمة حتى في يوم الجمعة حيث تم قصف المساجد في المنطقة.
وبسبب انعدام الأدوية توفي بعض الأمراض وبعض الجرحى، كما أن القصف العنيف على دماج قد أدّى إلى إحداث أضرار نفسية جسيمة لحق بالنساء والأطفال في ظل ظلام دامس وفي قصف عنيف متواصل (المصدر: حديث خاص للكاتب مع المتحدِّث الرسمي المفوَّض باسم دماج في صنعاء، السيد محمد الغرباني).
كما أن انعدام الأدوية أدّى إلى وفاة بعض الأمراض، وبعض الجرحى، كما أدّى القصف العنيف على دماج إلى أضرار نفسية جسيمة لحق بالنساء والأطفال في قصفٍ عنيف لم يتوقف إلا ليبدأ.
انتحار عسكري وسياسي
حسب الكثير من المراقبين فإن الحوثي قد أخطأ الطريق في حصاره لمنطقة دماج التي لم تكن تُمثِّل أي عبئ سياسي أو عسكري عليه وعلى الدولة من قبل، وقد أراد الحوثيون بحرب دماج التخلص من هذه المنطقة السلفية وكانوا يظنون أنها سهلة الانصياع، لدرجة قول أحد قيادات الحوثي "أن دماج ليست سوى شوكة سيتم انتزاعها بملقط" (تصريح للقيادي الحوثي أبو علي الحاكم للجنة حقوقية زارت منطقة دماج للاطلاع على الوضع في أواخر عام 2011م).
"لكن الواقع أثبت عكس ذلك فقد صمدت دماج، صموداً أسطورياً فضح الحروب التي كانت تديرها الدولة ضد جماعة الحوثي في ست حروب متتالية سقطت فيها محافظة صعدة للحوثيين في عام 2011م" (خاضت جماعة الحوثي ضد الدولة ست حروب، بدأت الأولى في عام 2004م، وانتهت الأخيرة في فبراير 2010م، وسيطرة جماعة الحوثي على صعدة في مارس 2011م).
وحسب المُحلِّل السياسي اليمني علي الجرادي فقد سقط الحوثي في دماج عسكرياً وسياسياً وإنسانياً بحصار الأطفال والنساء وضرب المساجد والمدارس ومشروع المياه في دماج، بل سقط وطنياً عندما تتضمن عقيدته احتقار اليمنيين وازدرائهم باعتباره أفضل منهم وأن الحكم والعلم لا يجوز إلا لفئة تدّعي الاصطفاء والتميز" (راجع: الإصلاح نت: علي الجرادي: الحوثي سقط سياسياَ وعسكرياَ وإنسانياَ في حربه على دماج).
وأكثر من ذلك فقد حصلت دماج على كم هائل من التعاطف القبلي والسياسي والشعبي وحتى الإقليمي، الأمر الذي عكس على جماعة الحوثي سلبياً وسقطت سقوطاً ذريعاً أمام الرأي العام، كونها جماعة متمرِّدة إجرامية تقتل كل من يخالفها في الرأي فكيف لو حكمت اليمن؟!
ومن جهة أخرى كيف يمكن لجماعة حضرت إلى مؤتمر الحوار الوطني وتمتلك 35 مقعداً وقدمت نفسها كحركة مدنية، وهي في نفس الوقت تشارك في المعارك التوسعية وتقوم بقتل كل من يخالفها في الرأي في محافظة صعدة، وهو الذي جعل كل القوى السياسي تتخوّف من تواجد هذه الجماعة، وجعلها تُغير كل النضرات الإيجابية التي كانت قد صنعتها عن الجماعة منذ بداية مؤتمر الحوار الوطني.
الدولة ودور الوسيط السلبي
تجاه الحصار الظالم الذي لاقته دماج من جماعة الحوثي المتمرِّدة، كان للدولة موقفاً سلبياُ لا يمكن وصفه إلا بالمتخاذل؛ حيث حاولت الدولة أن تقف في الوسط باعتبارها طرفاً وسيطاُ بين طرفين متنازعين، بل ساوت بين الطرفين، ولم تكشف عن الطرف المعتدي والمعتدى عليه.
وأرسلت الدولة لجان الوساطة التي كانت تتعرّض لتعاملات فجة وإيقافات متعمِّدة من قبل مليشيات الحوثي حسب تصريحات لرئيس لجنة الوساطة يحيى منصور أبو أصبع (نيوز يمن: أبو اصبع: تعرَّضنا لإطلاق نار الحوثيين قاموا باحتجازنا لأقل من ساعة).
وحدث أن تم قنص بعض طلاب مركز دماج أمام أعين لجان الوساطة إلا أن تلك اللجان لم تُحرِّك ساكناً تخوفاً من هيمنة الحوثي على المنطقة.
والمثير للشك أن الناطق الرسمي باسم دماج الشيخ سرور الوادعي يقول لكاتب هذه السطور أن تحويلة دار الرئاسة لا ترد على اتصالاتهم واستغاثاتهم المتكررة.
والأكثر من ذلك أن وزارة الدفاع تؤكد حياديتها مما يحدث في دماج[1]، وكأن صعدة دولة مستقلة عن الجمهورية اليمنية، وكأنه ليس من واجبها إطفاء نار الصراع ومعاقبة المعتدي الظالم.
جبهات جديدة تقلب الموازين
في تطور لافت للصراع في دماج؛ تدافعت القبائل من كل مكان لنصرة دماج وقطعت الطرق الرئيسية إلى صعدة الأمر الذي منع عنها كل المواد الغذائية والوقود ما سبب أزمة خانقة في المحافظة بأكملها.
هذا التداعي الكبير من قبل قبائل اليمن، والمناصرين لفكر أهل السنة والجماعة أربك الحوثي وجعله أول من يبادر في طلب الصلح، واشتراط فك الحصار عن صعدة مقابل فك الحصار عن دماج.
احتشاد القبائل لحصار الحوثي أرسل رسالة مفادها " لتذق مليشيات الحوثي من الكأس الذي أشربته دماج"، القبائل تدافعت في جبهات بعضها في حرض وبعضها في كتافٍ وهناك جبهة في عمران يقودها آل الأحمر كلها من أجل نصرة دماج، الأمر الذي قلب المعادلة، وجعل الحوثي يطلب المهادنة ووافق على إيقاف المعركة والحصار على دماج مقابل إيقاف الحصار المطبَق على صعدة من الجبهات المناصرة لدماج.
نجاح القبائل المناصرة للسلفيين في الجبهات من انتزاع العديد من الواقع الحوثية ساهم في كشف السقوط المد والأوهام التي كانت تظن أن قوات الحوثي لا تُهزَم.
كما أن تقدُّم تلك الجبهات في طريقها إلى صعدة قد يساهم في تداعي كل الساخطين من القبائل والشخصيات الاجتماعية الاعتبارية في مواصلة رفض الفكر الحوثي، ورفض تواجده في محافظة صعدة، ومطالبة الدولة بفرض سيطرتها الكاملة على المحافظة واعتبارها محافظة يمنية.
موقع مجلة البيان الإلكتروني
[1]- (براقش نت: الدفاع تؤكد حيادية الجيش في دماج).
أحمد الصباحي