(صفع) الدعاة والعلماء!
الفيديو الذي نشر على نطاق واسع خلال اليومين الماضيين لمحافظ مصري برتبة لواء خلال لقائه مع عدد من الدعاة والخطباء وهو يهددهم بالصفع على وجوههم إذا خالفوا أوامره، أحدث ضجة واسعة في الأوساط الشعبية والسياسية
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
الفيديو الذي نشر على نطاق واسع خلال اليومين الماضيين لمحافظ مصري برتبة لواء خلال لقائه مع عدد من الدعاة والخطباء وهو يهددهم بالصفع على وجوههم إذا خالفوا أوامره، أحدث ضجة واسعة في الأوساط الشعبية والسياسية رغم أن الحكومة المؤقتة لم تعلق على الواقعة الخطيرة، ولم نسمع تفسيرًا من المتحدث باسمها عن كيف تتعامل حكومة في بلد تتباهى دائما بأنها بلد الأزهر والعلماء والدعوة، كيف تتعامل بهذا الأسلوب مع الدعاة والعلماء والخطباء؟! إن المشهد أعاد للذاكرة طريقة تعامل السلطات في أكثر من بلد وفي حقب تاريخية مختلفة مع الدعاة والعلماء ومحاولة استخدامهم لخدمة أغراضها أو الزج بهم في السجون وعزلهم إن هم أبوا أو على الأقل تهميشهم.
العجيب أننا نسمع دائما من هذه الحكومات تبجيلًا ومدحًا في العلماء والدعاة خلال المناسبات المختلفة ودعوة الناس لكي يسمعوا لنصائحهم ويقتدوا بأعمالهم، ومع ذلك نرى عكس ذلك تماما في الواقع الذي نعيشه فأكثر من يتعرض للضغط والإبعاد هم هؤلاء الدعاة والعلماء... العجيب أن السلطة في مصر الآن تسعى لإبراز عدم معاداتها للإسلام وللشريعة الإسلامية، وتحاول أن تؤكد ذلك لعامة الناس عقب عزل الرئيس الإسلامي المنتخب الدكتور محمد مرسي في يوليو الماضي بواسطة الجيش وبعد تعطيل الدستور الذي كان يؤكد على الهوية الإسلامية وتطبيق الشريعة؛ فهل يستقيم ذلك مع ما ظهر في هذا الفيديو من إهانة للدعاة؟!
الأعجب كيف يتصور أحد أن تستجيب الشعوب للدعاة الذين يرددون ما تقوله الحكومات بعد أن يروا كيف تعاملهم السلطة؟! إن نظام مبارك في مصر كان دومًا يردد أن الأزمة الحقيقية أن الشباب لا يسمع لكلمة العلماء الرسميين بينما يسمع كلام العلماء من خارج المؤسسة الرسمية؛ فهل علم هذا النظام وشبيهه الآن القائم في البلاد لماذا لا يثق الناس في الدعاة الرسميين؟!
البعض يقارن ما يحدث الآن في مصر بما كان يحدث في الستينيات والخمسينيات في عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ويستدعي صوره وكلامه من أجل أن يؤكد ذلك في محاولة لتحسين شكل الوضع الحالي متناسيًا أن عبد الناصر كان له باعًا طويلًا في تهميش علماء الأزهر ومطاردتهم وعزل من كان يخالفه منهم ويخالف توجهاته الاشتراكية والعلمانية.
لقد كان العهد الناصري أكثر العهود التي حُورِبَ فيها المتدينون والمحجبات والدعاة والمواظبون على الصلوات في المسجد، حتى إنه لم يكن يفعل ذلك إلا كبار السن فقط خوفًا من الملاحقة الأمنية، وازداد في عهده السخرية من التدين واتهام أصحابه بالدروشة والرجعية، ويمكن أن تراجع الصحف والمجلات والأعمال الفنية التي كانت تعرض في عهده لتتأكد من ذلك تماما.
إن السلطات المصرية تدعو لمحاربة (الإرهاب)، فهل مثل هذه الممارسات السلبية تساعد على محاربته أم على تصاعده؟! إن الإعلام الخاص والحكومي منذ عزل الرئيس مرسي ليس له هم إلا أن يؤكد على أن أتباعه من (المتطرفين) وأن السلطة من (الأتقياء الصالحين) فهل هؤلاء الدعاة والخطباء الذين حضروا لقاء المحافظ من المتطرفين؟ ولماذا لم يعزلهم وزير الأوقاف الحالي كما فعل مع غيرهم إذا كانوا كذلك؟
لقد تجاوز الزمن هذه الممارسات القمعية التي كان يمكن إخفاؤها قبل ظهور النت والموبايل، أما الآن فكل شيء مفضوح أمام الأعين، كما تجاوز الزمن أن ينخدع الشعب بترويج قنوات رجال أعمال مبارك للتقوى والصلاح في حين أن الحقيقة أنهم وقفوا جميعًا ضد الدستور السابق والرئيس المعزول لا لشيء إلا لأنه أكد على تطبيق الشريعة وأنه من التيار الإسلامي، والدليل على ذلك هو حذف المادة 219 منذ اللحظة الأولى ودون تصويت حتى على بقائها من عدمه.
بعد التهديد بصفع العلماء والدعاة إذا خالفوا الأوامر هل يمكن للشعب أن يجلس بين أيديهم في المساجد ويصدق كلمة واحدة مما يقولون؟!
خالد مصطفى