دور الثقافة والفنون في الانقلاب الدموي
يظن كثير من المثقفين أن الثقافة والفنون مجرد ترف فكري يهدف إلى المتعة والتسلية في الأصل، وإن كان ثمة رسالة بين طياته فهي رسالة ثانوية غير جوهرية، وقد روجت المذاهب الأدبية الغربية لهذه المبادئ والأفكار، وبالتبعية تبناها المثقفون العرب، ولقد اختزلت هذه المبادئ وما تحتويه من خلفيات اجتماعية وتاريخية في مقولة: (الفن للفن).
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
يظن كثير من المثقفين أن الثقافة والفنون مجرد ترف فكري يهدف إلى المتعة والتسلية في الأصل، وإن كان ثمة رسالة بين طياته فهي رسالة ثانوية غير جوهرية، وقد روجت المذاهب الأدبية الغربية لهذه المبادئ والأفكار، وبالتبعية تبناها المثقفون العرب، ولقد اختزلت هذه المبادئ وما تحتويه من خلفيات اجتماعية وتاريخية في مقولة: (الفن للفن).
والحقيقة أن من تبنى هذه المقولة من المثقفين والنقاد العرب صنفان:
صنف انخدع بها وظن فيها استقلالية الفن والأدب عن إلزام السلطة السياسية وتوجيهاتها القسرية، وخاصة في حقبة الاشتراكية العربية.
والصنف الآخر آمن بها عن وعي وقصد، فتبناها عقيدة وإبداعًا، لينسلخ عن الموروث الثقافي للمجتمع، ويكسر كل ما هو مقدس فيه، بمعنى أدق أن يحارب الهوية الثقافية والإسلامية تحت شعار (الفن للفن) واستقلالية الفنون والآداب عن كل سلطة وعلى رأسها السلطة الدينية، ومن ثم خرج لنا شعار جديد (لا دين في الفنون).
ولا أبالغ إن قلت إن هذه المبادئ مهدت بشكل أساسي للانقلاب الدموي الذي تجاوز كل الخطوط، وانتهك كل المحرمات. ولا يجانبني الصواب إن قلت أيضًا إن دوائر صنع القرار في الغرب والمؤسسات السياسية لا تؤمن بهذه النظرية، نظرية الفن للفن، بل تؤمن بنقيضها، وهو أن الفن يلعب دورًا بارزًا في تشكيل وجدان الشعوب وعقولها، وهذا ما يفسر إنفاق المخابرات الأمريكية للأموال الطائلة على الأنشطة الثقافية والفنية.
وقد تجلت صور هذا التشكيل العقلي والوجداني في كثير من النصوص الأدبية والأعمال الفنية التي عبرت عن ثقافة المستعمر الغربي الذي يرقص على الجثث، ويستمتع بتعذيب الضحية، فأقيمت الحفلات الفنية بانتصار أكتوبر في ميدان التحرير، بينما كان على أطرافه تتم عمليات القنص والقتل والقمع.
ومن قبلها رأينا من يصدح في حماسة "أنتم شعب وأحنا شعب، لكم رب ولينا رب"، كما رأينا رموز الفن والثقافة والأدب يقيمون الصالونات والندوات واللقاءات لتأييد هذا الانقلاب وشيطنة من يعارضه. ولا نستطيع أن نغفل الصور النمطية التي رسمتها الأعمال الدرامية للرموز الدينية والشخصيات الإسلامية، فهي شخصية إجرامية إرهابية سطحية تعاني من العقد النفسية ونقص في الاحتياجات الفطرية، وفي أفضل الحالات لهذه الشخصية فهي مسخ يُسخر منه ومن نفاقه لذوي السلطان.
لم يكن الأمر مجرد رؤية نقدية أو معالجة درامية لأحداث واقعية، فالنماذج المشرفة والنماذج المناضلة لا تعد ولا تحصى، كما لم يكن الأمر في تأييد رجالات الفن والثقافة هو مجرد الاحتفاظ بالمصالح الشخصية والامتيازات المادية، فقد صرح أحد كبار المنتجين السينمائيين بأنه على رضا تام في حالة توقف صناعة السينما في مصر إذا كان هذا في صالح الحفاظ على علمانية الدولة وعدم صعود التيار الإسلامي.
والحقيقة الجلية التي يتغاضى عنها من يتغاضى أن الصراع هو صراع هوية وصدام حضاري، وليس صراع مصالح وامتيازات، فلن يقبل من قال شعرًا: إن (الإله موحش قاس) بأن يتولى السلطة من يؤمن بأن (الإله رحمن رحيم).
هاني إسماعيل محمد