سقط المتألهون وغيرهم آيلون

البطش والقهر، الخلق والأمر، الإحياء والإماتة، العظمة والقدرة، صفات لا تنبغي إلا لله رب العالمين، نعم إنه الإله الحق، الذي يخلق ويرزق، يمنع ويمنح، ينفع ويضر، يحي ويميت، يعز ويزل، لا إله غيره، تعنو له الوجوه، وتخشع له القلوب، وتتوجه له الأنفس، فلا تذل إلا له، ولا تستعن إلا به، ولا تتوجه إلا إليه، ولا تعمل إلا ابتغاء مرضاته، هناك شخوص أرادوا أن يمتلكوا هذه الصفات، لكن هيهات هيهات!!

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -


البطش والقهر، الخلق والأمر، الإحياء والإماتة، العظمة والقدرة، صفات لا تنبغي إلا لله رب العالمين، نعم إنه الإله الحق، الذي يخلق ويرزق، يمنع ويمنح، ينفع ويضر، يحي ويميت، يعز ويزل، لا إله غيره، تعنو له الوجوه، وتخشع له القلوب، وتتوجه له الأنفس، فلا تذل إلا له، ولا تستعن إلا به، ولا تتوجه إلا إليه، ولا تعمل إلا ابتغاء مرضاته، هناك شخوص أرادوا أن يمتلكوا هذه الصفات، لكن هيهات هيهات!!

وصفوا بالدكتاتورية أحيانًا، ونعتوا بالقبضة الحديدية أحايين لكنهم سقطوا وذهبوا وتلاشوا.. الأمس واليوم وكل يوم!!

1- النمرود:
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 258]. جادل إبراهيم في ربه.. حمله بطره بنعمة الله على ذلك، وهو نمرود {إِذْ} بدل من حاجَّ، {قَالَ إِبْرَاهِيمُ} لما قال له مَن ربك الذي تدعونا إليه؟: {رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ} أي يخلق الحياة والموت في الأجساد.. {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}.. بالقتل والعفو عنه، ودعا برجلين فقتل أحدهما وترك الآخر، فلما رآه غبيًّا، {قَالَ إِبْرَاهِيمُ} منتقلاً إلى حجةٍ أوضح منها {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ}.. ماذا كانت النتيجة: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} تحير ودهش {وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} ظلموا أنفسهم بالادعاء والاستبداد والتكبر، فأسقطهم الله وأحبط مسعاهم.

2- فرعون:
قال تعالى: {هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى . إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى . اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى . وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى . فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى . فَكَذَّبَ وَعَصَى . ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى . فَحَشَرَ فَنَادَى . فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى . فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى} [النازعات: 15- 26]. طاغية يدَّعي الإلوهية فيؤمر موسى عليه السلام بالذهاب إليه لعله يهتدي أو يخشى، لكنه ازداد طغيانًا وضلالاً.. كانت النتيجة أغرقه الله وأسقطه وأخذه نكالاً لما فعل: {فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآَخِرَةِ وَالْأُولَى} وهذه عظة وعبرة {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى}.

3- قارون:
قال تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ . وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ . قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص: 76- 78]. ماذا كانت النتيجة؟ {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ} [القصص: 81].

4- قوم عاد:
وهؤلاء مجموعةٌ اغتروا بقوتهم، واعتزوا بعتادهم، وتجبروا بعنادهم، واستكبروا بسلطانهم وجحدوا بآيات ربهم {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت: 15]. ماذا كانت النتيجة؟ ريح صرصر وعذاب اليم في الدنيا والأخزى من ذلك في الآخرة: {فأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ} [فصلت: 16].

5- يدعون الغفران ويبيعون الجنان: الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وراحوا يغفرون الخطايا ألم يعلموا أنه لا يغفر الذنوب إلا الله؛ قال تعالى: {وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ} [آل عمران: من الآية 135]، يهبون القراريط في الجنة.. إن لم ينتهوا عن تعددهم، وإن لم يقلعوا عن باطلهم فإن عذابًا أليمًا ينتظرهم: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73].

الذي يغفر الذنوب هو الله القادر الغالب القاهر: {غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر: 3]، والذي يورث الجنة هو الله: {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا} [مريم: 63]، والذي يخلق ويرزق ويحيي ويميت هو الله: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سبحانه وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم: 40]. أما المتألهون والمكذبون والمستكبرون والمجرمون لا يدخلون الجنةَ فكيف يهبون منها؟!! {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف: 40].

6- والذين في عصورنا: تألهوا فعلاً وعملاً لا شكلاً أو قولاً!! قالوا من خلال أعمالهم: مَن أشدُّ منا قوة؟! وقالوا من خلال توجهاتهم: المنع والمنح، العز والذل بأيدينا!! وقالوا من خلال بطاناتهم أرزاق البشر في جيوبنا!! أسسوا للاستبداد ونشروا الفساد، خربوا البلدان ومنعوا الأذان، وضعوا السدود ونقضوا العهود، غيروا المواثيق وأكلوا الحدود، حاربوا الأولياء ووالوا الأعداء!! لكنهم ومَن سبقوهم سقطوا وسقطت حاشيتهم!! منهم مَن سقط غرقًا، ومنهم من سقط شنقًا، ومنهم مَن سقط خسفًا، ومنهم مَن سقط رميًا، ومنهم مَن سقط حرقًا، ومنهم من سقط هربًا!!

لكن الباقون هم أيضًا للسقوط آيلون، إنما يرسمون بغبائهم طريق سقوطهم، ويجهزون بأفعالهم أين وكيف مصيرهم؟! إما أن يستفيقوا فيتعلموا الدرس من سابقيهم أو يكونوا عبرةً ومثلاً للاحقيهم!! وصدق الله إذ يقول: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} [الحج: من الآية 31)]، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء: من الآية 227]، {وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف: من الآية 21].

اللهم ارزقنا حبك وحب مَن يحبك، وحب العمل الذي يُقرِّبنا إلى حبك، اللهم أظلنا بظلك يوم لا ظلَّ إلا ظلك، اللهم اجعلنا مع النبيين والصديقين والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا، اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وصلَّى اللهم على سيدنا محمد وعلى أهله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

خميس النقيب