وآتوا الزكاة

لقد ذكر الله الزكاة في القرآن ثلاثين مرة وقرنها بالصلاة في سبع وعشرين موضعاً واعتبر تركها من خصال المشركين المكذبين بيوم الدين

  • التصنيفات: فقه الزكاة -


يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «بُني الإسلام على خمس: شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقامِ الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام». فالزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام وتأتي في الترتيب بعد الصلاة وقبل الصيام فالصلاة هي الركن الثاني والصيام هو الركن الرابع وتأتي بينهما الزكاة يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "ثلاث مقرونة بثلاث لا تقبل واحدة منهن إلا بالأخرى: لا تقبل طاعة الله إلا بطاعة رسوله، ولا تقبل الصلاة إلا بأداء الزكاة، ولا يقبل الله شكره إلا بشكر الوالدين".

لقد ذكر الله الزكاة في القرآن ثلاثين مرة وقرنها بالصلاة في سبع وعشرين موضعاً واعتبر تركها من خصال المشركين المكذبين بيوم الدين فقال: {وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ . الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [فصلت: 6، 7] يقول صديق هذه الأمة أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة"؛ {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 5].

عباد الله: إن الزكاة طهارة للمال ونماء له، وطهارة لنفس الغني من الشح والبخل، وطهارة لنفس الفقير من الحسد والحقد، ووقاية للمجتمع من سخط الله وغضبه يقول الله سبحانه وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103] يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «وما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يمطروا».

والزكاة حق واجب على الأغنياء لإخوانهم الفقراء وامتحان يمتحن الله به الأغنياء فهي ليست منة يمتن بها الغني على الفقير ولا مجرد تفضل يتفضل بها عليه؛ وإنما هي فرض فرضٌ فرضَ الله أدائه ليعلم من يُخرج زكاته موقناً بها حامداً لله وشاكراً له على أدائها فيؤديها عن طيب نفس وبين من يخرجها وهو كاره وكأنها مغرم أو غرامة عليه كما هو حال المنافقين من الأعراب الذين قال الله عنهم: {وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 98] يقول ابن عباس رضي الله عنهما: "من كان له مال تجب فيه الزكاة ولم يزك سأل الرجعة عند الموت"؛ أي سأل العودة إلى الحياة حتى يزكي، فقال له رجل: اتق الله إنما يسأل الرجعة الكفار فتلا ابن عباس على الرجل قول الحق سبحانه وتعالى: {وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ} [المنافقون: 10]. بل توعد الله جل جلاله وعز كماله مانع الزكاة بالعذاب الأليم والعقاب المهين فقال سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34، 35].

إن المال فتنة عظيمة من أعظم الفتن وأشد البلايا فمن أخذه بحقه وصرفه في حقه وأدى حقه، وكان ماله سبباً في صلاحه واستقامته فقد فاز فوزاً عظيماً وأما من أصبح المال سبباً لطغيانه وبطره واغتراره وبخله فقد خسر خسراناً مبيناً وصار المال سبباً لعذابه في الدنيا قبل الآخرة؛ {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: 55]، {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى . وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى . وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى . وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى . فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى . وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى} [الليل: 5- 11].

فعلى الأغنياء أن يحصنوا أموالهم بالزكاة، ويطهروا تجارتهم بالصدقات، ويحذروا حذراً شديداً من دفع الزكاة لغير مستحقيها فيذهبوا بها هنا أو هناك، أو يجاملوا بها فلاناً، ويحابوا بها علاناً، أو يتحايلوا على الله في إخراجها، ولينتهوا عن تفتيتها وتقطيعها وبعثرتها فتفقد هدفها الذي شرعت من أجله وهو سد حاجة الفقراء وإغنائهم ورفع الفقر عنهم، وليعلموا أن بعض من يطلب الزكاة ويلح في طلبها لا يستحقها وبعضهم كان فقيراً فأغناه الله وهيأ له من يعينه، ولكن مرض الشح سيطر عليه فأصبح طلب الزكاة لديه عادة سنوية. يقول الحسن بنِ عليّ رضي الله عنهما: "حصِّنوا أموالَكم بالزّكاةِ، وداووا مرضَاكم بالصّدقة، واستقبِلوا أمواجَ البلاءِ بالدعاء والتضرُّع".

والله لو أخرج الأغنياء زكاة أموالهم بطريقة صحيحة لما رأينا فقيراً ولا مسكيناً ولا جائعاً ولا محروماً، وهذا ما حدث في عصر الخليفة العادل الإمام الزاهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله الذي أقام العدل في الناس وعرّف الأغنياء بحق الفقراء فلما جُمعت الزكاة في عهده وأرادوا توزيعها لم يجدوا فقيراً واحداً في أنحاء الأمة! وكان يحكم أمة تمتد حدودها من الصين شرقاً إلى باريس غرباً، ومن حدود سيبيريا شمالاً إلى المحيط الهندي جنوباً، ومع ذلك لم يجدوا مسكيناً واحداً يأخذ الزكاة وفاض المال في بيت مال المسلمين فأصدر رحمه الله أمراً بأداء الديون وقال: "اقضوا عن الغارمين"، فقضى ديون الناس وما زال المال فائضاً فأصدر أمراً بإعتاق العبيد فأعتقهم وما زال المال فائضاً في خزينة الدولة الإسلامية فأمر بتزويج الشباب فزوجهم وبقي المال. هذه هي الزكاة جعلها الإسلام رابطاً بين الغني والفقير فالغني يرحم الفقير والفقير يحسن إلى الغني فتتقوى الرابطة والعلاقة بينهما لأن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها.

والزكاة علاج لمشكلة الفقر هذه المعضلة الاجتماعية التي عجز العالم عن حلها وعجزت الأنظمة البشرية على القضاء عليها إلا الإسلام فقد فرض الزكاة دواء أصيلاً وعلاجاً جذرياً لحل هذه المشكلة فلما تخلت الدول العربية والإسلامية عن نظام الإسلام واستبدلت الزكاة بالضرائب ولم يعطوا للزكاة قدراً ولا أهمية في نظامهم المالي وأحلوا النظام الربوي محل النظام الإسلامي زاد الفقراء وارتفعت معدلات الفقر وزادت الجرائم وتفشت الأموال المحرمة؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حن بعثه إلى اليمن قال له: «أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم». يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5].

الخطبة الثانية:
إننا نعيش في شهر الخير شهر البر والإحسان شهر الرحمة والمواساة شهر الإنفاق والصدقة الذي كان فيه رسولنا صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون. فضاعفوا من صدقاتكم وأنفقوا من أموالكم فإن الزكاة تفتح للمزكي أبواب خير عظيمة وتيسر له أموراً كثيرة وتوسع له في رزقه وتبارك له في ماله يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم فاحفظوه: ما نقص مال من صدقة، ولا ظلم عبد مظلمة فصبر عليها إلا زاده الله بها عزة، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، ويقول الله سبحانه وتعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].

تذكروا المستحقين وحاجاتهم والضعفاء وضعفهم، والفقراء وفقرهم والمحتاجين ومعاناتهم، فكم من أسرة تراكمت ديونهم، وكم من بيت مرض من يعولهم، وكم من أناس تعرضوا لنازلة أو مصيبة استنزفتهم، وكم من رجال أصيبوا بحالات نفسية جراء الواقع الأليم، وكم من شرفاء تفيض أعينهم من الدمع لا يجدون ما يشترون به حاجاتهم الضرورية؛ فهذا لا يجد قيمة الدواء، وذاك مهدد بفصل عدّاد الكهرباء أو الماء، وآخر لم يعد يقوَ على دفع إيجار البيت الذي يسكن فيه. وزادت الأمور تعقيداً هذه الأوضاع المتردية والحياة المعيشية الصعبة التي خلفتها الأزمة التي تمر بها البلاد فالأسعار ترتفع أضعافاً مضاعفة والمواصلات والخدمات تتعقد شيئاً فشيئاً مما ينذر بكارثة محققة وأزمة غير مسبوقة حولت وستحول حياة الناس إلى جحيم لا يطاق فملايين الأسر أصابها الجوع وهدها الفقر وخاصة مع توقف الأعمال وضعف الإنتاج وتأخر الرواتب.

إننا ندعو الأغنياء والموسرين والمزكين إلى أن يتحروا في زكواتهم أصحاب التعفف وأرباب العوائل المتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافاً فيظهرون أمام الناس بمظهر المكتفين وهم في الحقيقة من الفقراء والمساكين الذين قال الله عنهم: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273] أي لا يسألونهم بإلحاح ولا بغير إلحاح. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: «ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان، إنما المسكين الذي لا يسأل الناس، ولا يفطن له فيتصدق عليه».


مراد باخريصه