الهمة تضعف بعد رمضان
ملفات متنوعة
- التصنيفات: العقيدة الإسلامية -
تحتاج الأمة من حين لآخر إلى من يذكرها بحقيقة دينها، وتحتاج كذلك
إلى وقفات متأنية تكون فرصة حقيقية للمراجعة والتصويب والبناء لمفهوم
الناس للقيم الدينية وسلوكياتهم تجاهها.
فللأسف الشديد أصيب السلوك الإسلامي بنوع من الاستهتار، فتحولت
العبادة من عبادة إلى عادة، ولا شك أن لهذا التحول آفات جمة على مستوى
تدين الكثيرين ممن ينتمون إلى الإسلام.
ولعل ظاهرة انقطاع كثير من الناس عن فعل الخيرات بعد رمضان وتوليهم عن
أداء الفرائض، تفرض علينا الوقوف معها وقفة خاصة لمحاولة سبر أسباب
الظاهرة ومظاهرها ونتائجها؛ لذلك قمنا بهذا التحقيق الميداني مع كثير
من الدعاة والمدعوين كمحاولة لوضع الإصبع على مكمن الداء.
أفضلية شهر رمضان
إن شهر رمضان مدرسة تربوية عطرة وشاملة، وهو ربيع الشهور؛ حيث تتعدد
فيه مظاهر إقبال الناس على الخير، من التزام الطاعات وألوان البر،
وصلة الأرحام، وغيرها الكثير من سمات الطهارة التي تغلب على الأمة في
هذا الشهر الفضيل.
فلماذا ينقطع الناس عن هذه الأعمال والصدقات بعد رمضان؟
تقول الشابتان نوال وإلهام: "الناس يعتقدون أن الأجر والثواب والمغفرة
تكون فقط في رمضان؛ لذلك فإنهم يضاعفون من أعمال البر والصدقات في هذا
الشهر، وينقطعون عنها بانتهائه؛ فما قاموا به سيكفر عنهم ما سيتهاونون
فيه في الأيام المقبلة!".
ويضيف الشاب مصطفى الجعدي: "غالب الناس لم يدركوا الغاية العظمى من
صيام رمضان؛ فيقزمون مقاصد الصوم في مقاصد صحية واجتماعية وعلمية،
ونسوا أن أعظم مقصد هو التقوى { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون }، وهذه التقوى
لا ترتبط بشهر رمضان فقط، إنما يكون رمضان مناسبة للبداية فقط".
هذا واقع كثير من الشعوب العربية والإسلامية بعد رمضان؛ فمن يتحمل
مسئولية تفشي هذه الظاهرة؟
للإعلام نصيب في انتشار الظاهرة
يقول الأستاذ عبد السلام حنون: "للأسف الشديد لا تختلف وسائل الإعلام
السمعية والبصرية عن الشارع؛ فالكل يتباهى بالفاحشة لكن بألوان
وأشكال، هم سموها فنا ونحن نسميها عفنا نتنا؛ فحتى ما يعرضون من برامج
دينية على قلتها تكون بعيدة كل البعد عن واقع الناس ومشاكلهم
الاجتماعية والاقتصادية والنفسية".
وفي هذا السياق نفسه تحمّل الطالبة نجوى المسئولية لوسائل الإعلام؛
لأنها لا تعالج القضايا الدينية والاجتماعية إلا في رمضان، وتحصرها في
ثلاثين يوما، كما لو أنها اتفاقية عمل محدود، بل وتخصص لها ركنا في
زاوية المهملات يعرض في أوقات غير مناسبة، نكون إما في الدراسة أو
العمل.. في حين أن الأوقات التي تكون فيها كل العائلات مجتمعة يعرضون
عليهم المسلسلات الضاحكة الفارغة من أي معنى.
إن عدم ترشيد وسائل الإعلام يُعتبر من أهم أسباب جهل الناس برمضان وما
بعده، والناس يتأثرون بما يعرض عليهم في الشاشات الصغيرة، تقول الآنسة
أبحون نزهة: "وسائل الإعلام في رمضان تلتزم في شكلها بتقديم برامج
دينية؛ فمثلا القناة الثانية المغربية في رمضان ترفع أذان صلاة المغرب
فقط وبعده تترك ذلك.. ماذا يعني هذا بالنسبة للبسطاء؟.. إن الناس
يقلدون ويتبعون فقط".
غفلات الدعاة في التوجيه والإرشاد
يقول السيد بابا ميلود: "المسئولية الكبيرة فيما يحدث من تراجع الناس
عن الاستمرار في الطاعات يرجع إلى نوعية خطاب الدعاة والخطباء
والوعاظ؛ فهم يركزون اهتمامهم فقط بالمدة الرمضانية؛ ولا يثيرون
اهتمامات الناس إلى ما بعد رمضان الذي هو الأساس، حتى يعتقد الناس -من
غير قصد- أن العبادة مرتبطة فقط بشهر الصيام؛ بحيث يركز بعض الدعاة
على المقولة التي أصبحت خارقة [الذي لا يصلي صومه لا يقبل]، ولكن
نتيجة هذه التوعية أن الناس يتركون الصلاة بعد رمضان".
وتضيف الفتاة نوال -طالبة-: "لقد حضرت لمحاضرة دينية هذه الأيام، وكان
كلام المحاضر كله حول 30 يوما من رمضان: قراءة القرآن في رمضان،
التراويح في رمضان، الصدقات في رمضان، غض البصر في رمضان، ولكن أن
نحافظ على هذه الأعمال بعد رمضان فهذا لم يتطرق إليه، مع أنها
بالأهمية بمكان، وكذلك شأن القائمين على المساجد لا يقومون بدورهم
التوجيهي كما يجب؛ فأنا أندم أحيانا على دخولي المسجد الخاص بالنساء
حيث تجد الصفوف في الصلاة معوجة وكثيرة اللغو أثناء الدرس
وبعده".
وفي هذا السياق يعلق الدكتور محمد أبو الفتح البيانوني على مثل هذه
الغفلات قائلا: "غفلة بعض الدعاة عن الإفادة من السنن الربانية
الثابتة في حياة الدعوات، أو ضعف تعاملهم معها.. هو ما أوقع كثيرا
منهم في التخبط والاستعجال للنتائج من جهة، وفي اليأس والقنوط من جهة
أخرى، كما ترك أثرا كبيرا في بناء الدعوات المعاصرة وحركتها، وأخرها
عن الوصول إلى أهدافها".
ويضيف قائلا: "وجود الأخطاء الدعوية أمر طبيعي؛ نظرا للضعف البشري
وقصوره، ولكن المستنكر في ذلك تكرار الخطأ وعدم الإفادة من التجارب
السابقة.. فكم من أخطاء دعوية تتكرر من زمن إلى آخر أو في موطن بعد
آخر دون تحرز منها. وقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه البخاري في
صحيحه: « لا يلدغ المؤمن من جحر
مرتين »". فاغتنام رمضان وأجوائه الإيمانية على أحسن وجه لا
محالة سيكون له بالغ الأثر في استقامة الناس حتى بعد رمضان.
ومن العيوب التي يقع فيها بعض الدعاة أن يتحدث عن أشياء بعيدة كل
البعد عن أفهام الناس. تقول الداعية المغربية فاطمة حبشي: "النساء
اللائي التقيتهن منهن أستاذات في الدعوة، لا أزن تراب أرجلهن بالنسبة
للعلم الذي كسبنه، ولكن الجمهور الذي يستمع إليهن كثير منه ينفر من
كلامهن، وهو كلام علم، وأجده يقبل على داعيات يخاطبن القلوب قبل
العقول".
وتضيف: "نحن الآن في ظرف، الناس في خصام مع الله تعالى ونحن نتحدث
أحيانا في المثاليات وفي أمور جافة وبعيدة عن واقع الناس.. فدوري هو
أن أعيد هذه القلوب إلى دورة التقوى، فحينما يسري فيها التيار يأتي
دور العالم والفقيه والأصولي والمحدث".
الفراغ وضياع الغاية: "نحن أمة لا تقدر قيمة الوقت، بل شائع عندنا
ظواهر في قتل الوقت كما يحلو للبعض أن يسميه، ونحتج على تكاسلنا أو
جهلنا بالقول ليس لدي الوقت، وفي رمضان في ظل ضعف الأداء الإعلامي
وقوة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية يمر الوقت بسرعة في آلاف الأحداث
والمشاهد التافهة الضائعة".
يقول الطالب جواد مزوارة: "من بين أسباب ضعف الالتزام بعد رمضان أن
الناس ألفوا الراحة والفوضى في غير رمضان.. وعندما يدخل هذا الشهر
المعظم تكون الأجواء مناسبة لهؤلاء أن ينظموا أوقاتهم كضبط مواعيد
الإفطار والسحور والإمساك".
ويضيف زميله الصديق العسلة: "بعد رمضان تطلق الشياطين من أغلالها،
وتغلق المساجد بعد كل صلاة، وتقل الدروس والمحاضرات، وتغيب البرامج
الدينية التي كانت تعرض عبر القنوات الفضائية.. فبتغير هذه الأجواء
تعود حليمة لعادتها القديمة، وهي الكسل والتهاون؛ فهذا الفراغ الذي
يكون سببا في الانحراف، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم في قصة مراودة
امرأة العزيز لنبي الله يوسف: { وَقَالَ
نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا
عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ
مُّبِينٍ }، هذا الفراغ سببه ضياع الغاية؛ حيث إن هناك أناسا
كثيرين وخاصة من الشباب لا يعلمون ماذا يريدون في هذه الحياة، ولسان
حالهم يقول: نأكل ونشرب ونعمل ونتزوج وهكذا…".
ويرجع الأستاذ الداعية عمرو خالد في سلسلته "كلام من القلب" الأسباب
التي تجعل الشباب لا يحسون بالمسئولية أو لا يريدون أن يتحملوها:
"لدينا مجموعة نقاط محددة سبب لعدم وجود أهداف في الحياة ذكرتموها
أنتم، وهي: ضعف الهمة، وفقدان الثقة في النفس، وغياب القدوة، وفقدان
الطموح بسبب الوساطة".
ويعقب قائلا: "فكل هذه لا يصح أن تكون مبررات تريح ضمير أي شاب من
الشباب يبرر بها حياته بدون أهداف أو طموح، دعونا نضع في حياتنا غاية
كبرى اسمها إرضاء الله عز وجل تتفرع منها أشياء أخرى كثيرة، وأنصحك أن
تدخل غرفتك وأمسك بورقة وقلم، واكتب أهدافك في الحياة. فمن العيب أن
تعيش وتموت وأنت لا تعرف ماذا تريد في الحياة!".
فجدير بكل مسلم يخاف الله تعالى أن يقف مع نفسه بعد هذا الشهر العظيم
يحاسبها قبل أن تحاسب: هل تخرجنا منه بوسام التقوى؟ هل ربينا أنفسنا
على الجهاد والمجاهدة وفعل الخيرات لتبقى معنا ما بقينا أم تنتهي
بانتهاء رمضان؟ فها نحن قد ودعنا رمضان المبارك بأيامه الجميلة
ولياليه العطرة الفواحة بالروحانيات، ودعناه ومضى ولا ندري هل سندركه
في العام المقبل أم لا؟
عادل إقليعي - المغرب