فعالية الدعاة

بقدر ما نقرأ ونسمع عن دعاة الجيل الفريد، كونهم كانوا مؤثرين إيجابيين فعالين فيمن حولهم، بقدر ما نفتقد هذا الشعور تجاه كثير من الدعاة في الوقت الحالي من حولنا. لست عن فارق في الإمكانات أتحدث، بل عن فارق في تحديد بوصلة الحياة كمحور لنجاحهم ورسوخ آثارهم.

  • التصنيفات: الدعاة ووسائل الدعوة -


بقدر ما نقرأ ونسمع عن دعاة الجيل الفريد، كونهم كانوا مؤثرين إيجابيين فعالين فيمن حولهم، بقدر ما نفتقد هذا الشعور تجاه كثير من الدعاة في الوقت الحالي من حولنا. لست عن فارق في الإمكانات أتحدث، بل عن فارق في تحديد بوصلة الحياة كمحور لنجاحهم ورسوخ آثارهم.

بالطبع لم يكن عندهم هذا الكم الهائل من محاضرات ما يسمى بالتنمية البشرية، ولا هذه الآلاف من المحاضرات المحفزة على الأداء، ولا هذه الجبال من الكتب الإدارية؛ التي تصف كل خطوة من خطوات الحياة وتنصح بكيفية التعامل معها؛ لكنهم كان عندهم هدف واضح ورؤية واضحة للوصول لتلك الأهداف، ومن ثم باشروا أعمالهم وأهدافهم، يدفعهم الإيمان نحوها بفعالية مبهرة. وعنوان كلماتي التي أكتبها الآن هو (فعالية الدعاة)، وأقصد بها: قدرة الداعية على توجيه قدراته ومعلوماته ومشاعره وأفكاره وإمكانياته نحو الهدف الذي يصبو إلى تحقيقه، وكذلك قدرته على التكيف مع واقعه المحيط به، وتحييد سلبياته واستغلال إيجابياته، ومن ثم التأثير في مجاله الذي يرجوه.


ولكي نصل إلى آثار فعالة لذواتنا؛ لابد أن تكون الرؤيا واضحة لدينا في ما نريد أن نحققه، وأن تكون رسالتنا في هذه الحياة ماثلة أمام أعيننا بوضوح وجلاء. وبناءً على ذلك نستطيع أن نصيغ أهدافنا التي نسعى لتحقيقها، بناءً على رسالتنا الإيمانية الإيجابية. وأعظم ما يعين على الفعالية والاثر هو؛ الإيمان بالله تعالى، فالإيمان بالله يكسب التوفيق، والثقة بالنفس، والتوكل والاعتماد عليه سبحانه.

كذلك العلم الذي هو نور للإنسان في مسيرته، ولايمكن لداعية أن يكون فعالاً بغير أن يكون طالب علم صالح، يستبصر بفقهه في الدين عبر خطواته المتتابعة، وينشىء لنفسه وعيًا عبر فهم لمحيطه وواقعه، ويستضىء بالرؤية الثاقبة للسلف الصالحين عبر تراجمهم وحياتهم، ويفهم معنى المصالح والمفاسد، والقواعد الكبرى التي قام عليها هذا السبيل المبارك.

وهناك محاور مهمة في بناء الفعالية الشخصية للدعاة، كحسن إدارة الذات، واستغلال الوقت بأقصى طاقة، وإمكانية الإنجاز بأقل مجهود، واستثمار العلاقات في النجاحات المختلفة، وتنظيم الشئون الصغيرة والكبيرة، والقدرة على تقويم الإنجاز ومتابعته، وغيرها.


فإدارة الذات من أهم احتياجات العصر، ويحتاجها الرجال البارزون دومًا لاستمرار العطاء والنجاح، فكم من موهوب ضاعت موهبته؟!
وكم من مبدع فشل في تحقيق أمنيته؛ لعدم قدرته على إدارة ذاته؟!
والدعاة إلى الله الذين يتيهون في مدارات الحياة، وتضييع أوقاتهم وأيامهم، ويظلون كل يوم في جلد ذواتهم نقدًا وحسرة؛ لهم أشد الناس حاجة لإدارة ذواتهم بحكمة.

وأعني بإدارة الذات هنا: البحث عن الوسائل التي بها تستطيع الوصول إلى إخراج أكبر قدرة إنتاجية من المستطاع عندك، وكذلك البحث عن كل الوسائل التي بها تستطيع أن تعلن عن نفسك، وأن تتخطى الدرجات صاعدًا فيها، وأن تتغير دوماً نحو الأفضل على كل المستويات، وأن تسير أعمالك ومهامك ومسئولياتك بسلاسة ويسر وانسجام معًا، مهما كانت الضغوط.


فالجسد هو آلة الإنجاز وبه العقل الذي يدير شئونه، وإهمال الجسد إهمال لآلة الإنتاج العقلي والنفسي والعلمي وغيره، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبدًا ماأبقيتنا واجعله الوارث منا»، فلذلك لزمنا الاهتمام بصحة ذلك الجسد قدر استطاعتنا، والأجساد السليمة النشيطة المنتعشة يمكنها أن تنتج بصورة أفضل على أية حال، يقول بيتر هانسون أستاذ الصحة العامة : "اعتبر رياضتك ميعادًا دائمًا غير مسموح الاعتذار عنه، وبالتزامك بثلاث ساعات من التمارين أسبوعياً سوف تحافظ على صحتك وتعالج ضغوطك بشكل أفضل، والنصائح الرياضية غير معاف منها أي أحد الكبير والصغير والشيخ والشاب؛ لذلك فأرجوك أن تنتظم في مواعيد رياضية تنشط فيها دورتك الدموية، وتعيد فيها الحيوية لأعضائك، واختر ما يناسبك من الأوقات لذلك.

كذلك فإن لحظات الاسترخاء هامة جدًا لنا جميعاً، حيث قد تعودت أدمغتنا ونفسياتنا دومًا الإرهاق من كثرة الأعباء، فلا وقت نخلد فيه لأنفسنا، ولا ساعة نتنفس فيها نفساً عميقًا خالياً من القلق، إن دوام شعورنا بالقلق والانتباه طوال فترات العمل التي تستغرق معظم الأوقات؛ قد يصيبنا بغيبوبة غير محسوسة، يلزمنا الاسترخاء البعيد عن التفكير فيما يقلق، لقد كان عند سلفنا الصالح أن أوقاتًا من الذكر في أول اليوم وبعد العصر ينبغي أن تكون كأنها غذاء يومي للمرء، وأن خلوة يومية ولو لدقائق معدودات يستمتع فيها المرء بذكر ربه، وأخرى يستمتع فيها بالتفكر في خلقه؛ يمكنها أن تغير الحياة وتذهب بؤسها وهمومها، وتدفع نحو التجديد والعمل، فضلاً عن الثواب والفضل.

كذلك لا تهمل واجبك كزوج أو رب أسرة أو والد، واعلم أن الدقائق التي تقضيها في تأدية هذا الدور محتسباً لله سبحانه يكون لها أكبر الأثر على نجاحاتك، وأحذرك أن تهمل أدوارك هذه بحجة العمل أو ضغوطه، إن النجاح لابد أن يمر عبر هذه الأدوار أيضاً، فما قيمة أن تكون ناجحًا في مسئولياتك، فاشلا في دورك وواجباتك كأب أو زوج أو ابن؟!


تأمل إنها منقصة الحذر من إهمال القلب!
فكثيرون في غفلة الحياة ورتابة دورتها وكثرة الضواغط؛ يهملون تجلية قلوبهم وترقيقها وتصفية نفوسهم وتزكيتها، وقد يقع في ذلك دعاة وربما علماء، فقد يغفلون بكثرة مشاغلهم عن مراقبة دواخلهم، وهي أزمة كبيرة وخطر داهم يجب الحذر منه، فالنجاح الحقيقي دومًا يرتبط بالقدرة على فعل ما يقرب إلى الله سبحانه، وأي إنجاز نتكلم عنه لا يستحق أن يكون إنجازًا، إلا إذا كان في سيبل المقاصد النبيلة التي تنتهي إلى رضا الله سبحانه.

وليحذر كل منا من ظواهر الأعمال التي لم يصل أثرها إلى قلوبنا، يقول الإمام ابن القيم : "فبين العمل وبين القلب مسافة، وفي تلك المسافة قُطَّاع تمنع وصول العمل إلى القلب، فيكون الرجل كثير العمل، وما وصل منه إلى قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء، ولا زهد في الدنيا، ولا رغبة في الآخرة، ولا نور يفرق بين أولياء الله وأعدائه، وبين الحق والباطل، ولا قوة في أمره، فلو وصل أثر الأعمال إلى قلبه؛ لاستنار وأشرق، ورأى الحق والباطل، وميز بين أولياء الله وأعدائه".



خالد روشه