دمنا النازف في العراق
مما يؤسف له أن أكثر الأخبار رتابة على الإطلاق في النشرات التليفزيونية، قد صارت تلك التي تتحدث عن انفجارات العراق، لكثرتها وتتابعها للحد الذي جعل كثيراً من المتابعين يمرون عليها عابراً، برغم كل ما يتوجب أن يصير حاكماً لهذه المشاعر، من أخوة الدين، وأخوة العرب، والمشاعر الإنسانية المتجردة، وما يلي ذلك من تفكير شامل بمستقبل الأمة، ودور العراق فيه، كإحدى كبريات الدول الإسلامية ذات الحضارة والتاريخ الكبيرين.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
مما يؤسف له أن أكثر الأخبار رتابة على الإطلاق في النشرات التليفزيونية، قد صارت تلك التي تتحدث عن انفجارات العراق، لكثرتها وتتابعها للحد الذي جعل كثيراً من المتابعين يمرون عليها عابراً، برغم كل ما يتوجب أن يصير حاكماً لهذه المشاعر، من أخوة الدين، وأخوة العرب، والمشاعر الإنسانية المتجردة، وما يلي ذلك من تفكير شامل بمستقبل الأمة، ودور العراق فيه، كإحدى كبريات الدول الإسلامية ذات الحضارة والتاريخ الكبيرين.
بيد أن ما يعتمل في النفوس من قصر أمل في التغيير للأفضل، وتراكم الآلام والمحن يجعل المشاعر تتبلد يوماً بعد يوم؛ فلا يقتصر ذلك على العراق في حد ذاته، وإنما يتكرر في كل مشهد يصير الألم فيه مزمناً ورتيباً؛ فإذا ما تأخر النصر بالعراق تعلقت قلوب بما يليه سواء في سوريا أو في مصر أو في بورما أو الصومال أو اليمن أو فلسطين... إلخ؛ والعمدة في كل هذا هو قابلية هذه القضية أو تلك للتحرك إلى الأمام.
علينا بالطبع أن نقاوم سريان هذه المشاعر لا شعورياً باتجاهات متجددة لا تساوي في القيمة بين ضحية وآخر، وتطيش معها الموازين الشرعية وحتى الإنسانية حيال متماثلات؛ فما من شك أن ما يصير في العراق اليوم ينبغي أن يولى اهتماماً أكبر مما نلمسه؛ فتزايد عمليات الإعدامات الرسمية، والإعدامات خارج إطار القانون، وعمليات الاغتيال، والتفجيرات المتوالية لا بد أنها تؤشر لحالة إبادة جماعية لأهل السنة في العراق بألوان مختلفة مستفيدة من أجواء التصالح بين الغرب وإيران، الحاكم الفعلي في العراق، مما شجع حكومة نوري المالكي الموالية بل الخاضعة لإيران على مواصلة سياسة التهجير القسري، والتغيير الديموجرافي في المدن الرئيسة بالعراق، بما يمنح الأقلية الشيعية امتيازات ممتدة في المستقبل لا تحدها أي إجراءات إصلاحية، وتعقد من فكرة المساواة المعيشية والسياسية في العراق، وتجعل من إحكام الأقلية الشيعية في العراق حقيقة جذرية لا يمكن تجاوزها في أي وقت.
عند كتابة هذه السطور، كانت الأنباء تفيد بأن الشيخ (خالد حمود الجميلي) منسق الحراك الشعبي في الفلوجة قد اغتيل من طرف مجهول، لكنه معلوم لأهل السنة العراقيين، وهو الجهة التي يعنيها ألا يشق الحراك ولا غيره طريقاً نحو انعتاق المسلمين السنة من ربقة الخنوع والخضوع لإيران وأدواتها في بغداد... في الوقت ذاته، كان (نيكولاي ملادينوف) مبعوث الأمم المتحدة لدى العراق يصدر بيانه التحذيري، الذي جاء به: "أشعر بقلق بالغ إزاء ما شهدته الآونة الأخيرة من تصاعد في عمليات الإعدام التي نفذت بطريقة مروعة يعجز اللسان عن وصفها"؛ فالمبعوث، وإن كان يرصد 659 حالة قتل متعمدة لعراقيين خلال الشهر الماضي، وهو ما يقل عن الرقم الرسمي، وهو 1121 قتيلاً الصادر عن وزارة الداخلية العراقية، وإن كان يقلل من تلك المذابح في الوقت الذي يحذر من تفاقمها! فإن بيانه يشي بأن وتيرة القتل قد زادت على نحو مفزع.
تقع معظم تلك الجرائم ضمن نفوذ ميليشيات شيعية، وفرق موت بدأت تنشط مجدداً في العراق، وتنسبها السلطات في العادة بتنظيم دولة العراق (القاعدة)، ومهما يكن؛ فخلاصة الفعل تصب جميعها في تقوية نفوذ الإيرانيين، وإحالة أهل السنة إلى حيز المواطنين من الدرجة العاشرة إن لم يكن من طائفة (العبيد).
هذا ما ترنو إليه إيران تحديداً من جرائمها المتتابعة، وهذا ما لا يلقى مقاومة تذكر، لا في الداخل العراقي، ولا على المستويين السياسي والإعلامي بالخارج... والله المستعان.