واجب الدعوة إلى الله

الصراع القائم بين الحق والباطل نراه اليوم في صالح الباطل وليس هذا بسبب قوة أهل الباطل فحسب وإنما في المقام الأول بسبب ضعف أهل الحق والعاملين به والداعين إليه، فلقد أصيبت المؤسسات والهيئات الدعوية وحتى الأفراد بنوع من الوهن والعجز في مواجهة الباطل وأعوانه، في الوقت الذي استقوت فيه مؤسسات الباطل وهيئاته وصارت تستجمع قواها للقضاء على الحق وأهله.

  • التصنيفات: الدعوة إلى الله -

 

إن ما نراه اليوم من الفساد والضلال، واستعباد البشر، والاستبداد بالحكم والرأي، وفشو الظلم، وغياب العدالة، وفقدان الضمير، ومحاربة الصالحين، وضياع القيم وانتشار الرذيلة. كل هذا وغيره الكثير يفرض علينا أن ننتبه ونتيقظ قبل فوات الآوان، فالصراع القائم بين الحق والباطل نراه اليوم في صالح الباطل وليس هذا بسبب قوة أهل الباطل فحسب وإنما في المقام الأول بسبب ضعف أهل الحق والعاملين به والداعين إليه، فلقد أصيبت المؤسسات والهيئات الدعوية وحتى الأفراد بنوع من الوهن والعجز في مواجهة الباطل وأعوانه، في الوقت الذي استقوت فيه مؤسسات الباطل وهيئاته وصارت تستجمع قواها للقضاء على الحق وأهله.

إن الصراع بين الحق والباطل صراع أبدي وإلى يوم القيامة والحق وإن كان ينتصر في النهاية إلا أن ذلك لا يأتي من فراغ، فهناك أسباب لا بد أن يأخذ بها أهل الحق وإلا بقي الباطل وأعوانه منتفشين جاثمين على صدور الناس، حتى ولو طال ذلك الأمر فلله في الكون سنن لا تتغير ولا تتبدل، فالله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُ‌وا اللَّـهَ يَنصُرْ‌كُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7]، ويقول عز وجل: {وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْ‌تَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور: 55]، ويقول جل وعلا: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّ‌بَاطِ الْخَيْلِ تُرْ‌هِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّـهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، ويقول جل وعلا: {وَمَا النَّصْرُ‌ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّـهِ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 10].

وهكذا تأتي الآيات القرآنية لتوضح حقائق جلية أمام كل مؤمن يخاف على دينه ويغار عليه فالنصر بيد الله وهو وعد من الله لعباده المؤمنين إن أخذوا بأسباب النصرة وحصلوا أسباب القوة، بل إنه عز وجل أمرهم بما يستطيعون فقد لا تكتمل كل أسباب القوة ومع ذلك يأتي النصر؛ لأن أهل الإيمان أخذوا وحصلوا ما يستطيعون من أسباب ووكلوا أمرهم لله؛ ولذا فإن الأمة تحتاج في شرقها وغربها إلى أن تتكاتف في وجه الباطل وأعوانه، وتأخذ بأسباب النصرة والتمكين وتحصل أسباب القوة والاستخلاف وإلا كان للباطل كلمة أخرى وحينها فلا نلوم إلا أنفسنا.

إن النصر والتمكين يحتاجان إلى أمة تأخذ منهج الدعوة منهج حياة، فكما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بالدعوة إليه وتعريف الناس به، فقال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَ‌بِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، وقال تعالى: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّـهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَ‌بِّكَ} [القصص: 87]، ولأن واجب الدعوة لا يقتصر على الرسول صلى الله عليه وسلم وحده بل يشاركه فيه المسلمون في كل زمان ومكان كل على قدر طاقته كان لزاماً علينا أن نكون من الدعاة إلى الحق العاملين به حتى تصل دعوة الإسلام إلى غيرنا كما وصلت إلينا.
 

 

محمد محمود عبد الخالق