غرورُ الجاهل وكبرياء الأحمق

عجبًا لأشخاصٍ ينصبون أنفسهم حكامًا، ويظهرون بين العباد قضاةً، يصدرون الأحكام، ويصنفون الناس، ويهمشون الطاقات، ويبتذلون القدرات، ويستهينون بغيرهم وإن كانوا أفضل منهم، وأكثر وعيًا وأبين رأيًا، وأعقل سلوكًا وأعمق فهمًا. لكنهم لا يرون غيرهم، ولا يؤمنون بسواهم، ولا يعبرون أحدًا قد ينافسهم، أو قد يكون أفضل منهم، وأكثر نفعًا منهم، وأصدق نفسًا وأخلص قلبًا وعملًا منهم.

  • التصنيفات: مساوئ الأخلاق -


عجبًا لأشخاصٍ ينصبون أنفسهم حكامًا، ويظهرون بين العباد قضاةً، يصدرون الأحكام، ويصنفون الناس، ويهمشون الطاقات، ويبتذلون القدرات، ويستهينون بغيرهم وإن كانوا أفضل منهم، وأكثر وعيًا وأبين رأيًا، وأعقل سلوكًا وأعمق فهمًا. لكنهم لا يرون غيرهم، ولا يؤمنون بسواهم، ولا يعبرون أحدًا قد ينافسهم، أو قد يكون أفضل منهم، وأكثر نفعًا منهم، وأصدق نفسًا وأخلص قلبًا وعملًا منهم.

إنهم يسيرون بكبرياء، ويتحركون بعجبٍ وخيلاء، ويتحدثون باستعلاء، وينظرون إلى الناس بخفةٍ وازدراء، ويستهزؤن بالآخرين وينسون طبيعتهم الشوهاء، وربما مشيتهم العرجاء، ولكنتهم العوجاء. يجعلون من فهمهم معيارًا، وينصبون عقولهم ضابطًا ومقياسًا، يضحكون من كل رأي، ويستخفون بكل قول، ويستهينون بأي رد، ويضحكون من كل جهد، ولا يرون الفعل إلا فعلهم، ولا يكون الإفحام إلا بقلمهم، ولا يتحقق شفاء القلوب إلا بمدادهم، ولا تطمئن النفوس إلا بحد أقلامهم، وخشونة مفرداتهم، وحدة كلماتهم، وبذاءة ألفاظهم، وسوء خلقهم، وما فحش وساء من أسلوبهم.

يرون الفهم هم، والوعي لهم، والإدراك تصوغه مداركهم، والحق معهم، والصواب لا يفارقهم، والحكمة ما بان من شفاههم، أو ما سال من أقلامهم، ويدعون أن العقل خلق من أجلهم، وبرأ الله المنسم لهم وحدهم وأسكنه في جماجمهم، فلا يجود الزمان بمثلهم، ولا تعرف الجوزاء إلا صوت نعالهم، ولا تقل السماء إلا ندرةً أمثالهم، ولا تقل الأرض ولا يجوز لها إلا لهم، أو لمن تغنى برسمهم، وأعجب بلفظهم، ورفع صورهم، ورأى أنهم السيف البتار، والعقل القاهر الجبار، والقلم القاطع لكل متقولٍ هذار.

ألا يرون أنهم مسكونون بالغرور، ومحكومون بالجهل، ويتطلعون فقط إلى المرآة والظهور، ويبحثون عن الصورة والذكر، والخبر الحدث، وإن لم يكونوا صناعه أو أربابه، ولا يفهمون من الحياة إلا أخيلةً وصور، ولا تحركهم إلا ضحالاتٌ وسرابٌ يقربهم ومن غرر بهم إلى الحفر، ويودي بهم وبمن صفق لهم إلى هلاكٍ وسقر، ويأخذون معهم من شجعهم وغرر بهم إلى ذات الوادي الذي سيكون لهم ولأمثالهم مستقر، وهذا واقعٌ لا محالة، فلا مهرب منه ولا مفر. ألا يدركون بعقولهم المحدودة المريضة، أن صغيرًا دونهم يكبر بتقديره، ويسمو ببيانه، ويعلو قدره بطيبته وتواضعه، ويكسب من حوله بصدقه، ويحيط به الناس لفرط بساطته، وعظيم كرم أخلاقه.

لكنه الغرور والكبر، غرورٌ يقتل النفس ويوردها المهالك، ويفقدها ما بين أيديها من المنافع والمكاسب، ويخسرها أبسط الأشياء وأنفس المحاسن. وكبرياءٌ يقود إلى العزلة، ويلغي الألفة، ويحرم من الحب والمودة، ويخلق الكره، ويصنع الحقد، ويودي بكل ما كسب عبر الأيام من خيرِ ودٍ، وما حققه من طيبِ كدٍ.

وكلاهما... المغرور والمتكبر... يظنُ أنه الفائز، وأنه الصائب والناجي، وأنه على الحق وعلى الصواب، وأنه الناجح والفالح، وأنه الكاسب والرابح، وأنه المؤيد بالنصر، والمصون بالمحبة... لكنه كغيره... مخدوعٌ وكاذب... فكونوا بأمثالهم رحماء، ومعهم ناصحين صادقين، امحضوهم النصح ولو كان قاسيًا، وأخلصوا لهم القول ولو كان مباشرًا، وقولوا لهم بوضوحٍ وصراحة، أنكم جهلاء.... فلا تكونوا أيضًا سفهاء.

مصطفى يوسف اللداوي