العمل الخيري والدخول على خط التمويل الإسلامي الأصغر

في شراكة تُعدّ الأولى من نوعها بين قطاع رجال الأعمال ومؤسسات العمل الخيري تم الإعلان -مؤخراً- عن إنشاء مؤسسة تهتم بالإقراض الأصغر، تعمل وِفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، ومقرّها دولة قطر؛ من أجل مساعدة الفقراء ومحدودي الدخل في الدول العربية والإسلامية على إقامة مشاريع صغيرة مدرة للدخل، تمكّنهم من الاعتماد على أنفسهم معيشياً، وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -


في شراكة تُعدّ الأولى من نوعها بين قطاع رجال الأعمال ومؤسسات العمل الخيري تم الإعلان -مؤخراً- عن إنشاء مؤسسة تهتم بالإقراض الأصغر، تعمل وِفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، ومقرّها دولة قطر؛ من أجل مساعدة الفقراء ومحدودي الدخل في الدول العربية والإسلامية على إقامة مشاريع صغيرة مدرة للدخل، تمكّنهم من الاعتماد على أنفسهم معيشياً، وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.

وبموجب اتفاقية الشراكة الموقعة في شهر أكتوبر الماضي فسيتبرع رجل الأعمال القطري إبراهيم الأصمخ بمبلغ (100) مليون ريال لتمويل هذه المؤسسة ومشاريعها، فيما ستقوم جمعية قطر الخيرية بإنشائها وإدارتها.

هذه المبادرة غير المسبوقة عربياً وإسلامياً (الشراكة) تعد مهمة لأكثر من سبب:

- تكامل منطقي يعد قيمة مضافة بين جهود قطاعين يمكن أن تحدث شراكتهما أثراً اجتماعياً وتنموياً ملموساً في العالمين العربي والإسلامي في مجالات مكافحة الفقر والبطالة، من خلال فرص العمل والتشغيل الذاتي التي يوفرها، وما يضمنه من استمرارية وانتشار ترتبط بالاستدامة المالية. فقطاع الأعمال الذي تتوفر له الرساميل والتمويل قرر -في إطار تفكيره باختيار أفضل السبل لتوظيف صدقاته وهباته- الاتجاه لقطاع العمل الخيري لإنشاء مؤسسة وبنك للتمويل الأصغر في العالمين العربي والإسلامي؛ نظراً لإمكانات مؤسسات الأخير المهمة في إدارة وتنفيذ البرامج والمشاريع التنموية بصفة عامة، والمشاريع الصغيرة المدرّة للدخل بصفة خاصة، والخبرة المتراكمة لديها في هذا المجال خلال السنوات الأخيرة، واحتكاكها المباشر بشريحة الفقراء والعاطلين عن العمل، ووجود مكاتب ميدانية تمثِّلها وتُدير أعمالها في الدول الإسلامية المستهدفة أو تُشرِف عليها، والسمعة الطيبة التي تتمتع بها، والعلاقات المتميزة التي تربطها بالعديد من الجهات ذات العلاقة.

- إن المؤسسة المزمع إنشاؤها تسد ثغرة في النقص الحاصل في مجال التمويل الأصغر على مستوى الدول العربية والإسلامية، حيث ينظر لهذا التمويل باعتباره طوق نجاة للدول النامية؛ إذ يمكنه أن يسهم في حل مشكلات انتشار البطالة، ومساعدة الفقراء ومحدودي الدخل على الاعتماد على أنفسهم ذاتياً في توفير احتياجاتهم المعيشية، خصوصاًَ إذا علمنا أن الفقر المرتبط بانخفاض الدخل هو أحد أوضاع الفقر وليس كلها، فالفقراء تعوزهم الفرص المناسبة، وهم معرضون للمرض والكوارث الطبيعية، وتؤثر فيهم أكثر من غيرهم.

- فعلى مستوى العالم العربي يبلغ عمر هذه الصناعة عشر سنوات فقط، وعدد المؤسسات العاملة في الإقراض الأصغر (100) مؤسسة فقط، استفادت من مشاريعها (3.5) مليون أسرة فقيرة، (60%) منها تحت خط الفقر، وقد قدّر تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية العربية للعام (2009م) أن من يعيشون في حالة الفقر بـ (65) مليون شخص. أما عدد المسلمين في العالم فيصل إلى (2.1) مليار نسمة، لا يقل عدد الفقراء عن نصفهم.

- في مجال التمويل الأصغر، الذي يعمل وفق هدي الشريعة الإسلامية وأحكامها، ويستخدم أدواتها المالية، بعيداً عن تحصيل الفوائد من الفقراء ومحدودي الدخل، فإن الشح أكبر؛ إذ لا تبلغ عدد المؤسسات التي تعمل في هذا المجال بصفة صحيحة عن (5) مؤسسات، ومن هنا فإن الحاجة إليها أكبر؛ لأنها أولاً: أكثر قبولاً لدى المستفيدين بحكم الخلفية العقدية والثقافية لمجتمعاتنا العربية والإسلامية، وبحكم أن معاملاتها تمنحهم الراحة والطمأنينة لخلوها من أي حرام أو شبهة، ولأنها ثانياً: تعفيهم من الفوائد التي يضيفها التمويل الأصغر التقليدي على قروض المقترضين، والتي قد تصل في بعض الأحيان إلى (36%) من قيمة القرض، ولا تقل عن (16%) من قيمته، وهو ما يُمثِّل عِبئاً كبيراً على الفقراء ومحدودي الدخل.

وللعلم؛ فإن التمويل الأصغر يشير إلى مجموعة من المعاملات المالية التي تتسم بالصغر من حيث المبلغ من الممكن أن تكون هذه المعاملات: حسابات إيداع، قروضاً، أو تأميناً صغيرا،ً ومن الممكن أن تكون هذه المعاملات مبنية على منهجية تحديد أسعار فائدة، كما هو الحال مع البنوك التجارية، أو على أدوات التمويل الإسلامية؛ كالمرابحة، والمضاربة، والمزارعة، والسلم، والإجارة، ويعود الأمر إلى المؤسسة التي تقوم على تنفيذ التمويل.

- تأكيد هذه الشراكة على مكانة القرض والإقراض لدى المسلمين، مقارنة بالصدقة والتصدق، لذا كان الأجر الإلهي المترتب عليه أكبر، فأجر الصدقة بعشر أمثالها، فيما أجر القرض بثمانية عشر ضعفاً، مِصداقاً لما روي من أنه «دخل رجل الجنة فرأى مكتوباً على بابها: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر» (أخرجه الطبري والبيهقي). وذلك نظراً لدور القرض في عملية التنمية المستدامة، وتحقيق الأثر الاجتماعي.

إن واقع الحال يُشير إلى أن الزكوات أو الصدقات لا تمثل بالنسبة لكثير من المحسنين ورجال المال والأعمال سوى أرقام ينبغي عليهم إخراجها وفق نسبها المقررة شرعاً في زمنها المحدد (كل حول)، دون الاعتناء والاهتمام باختيار أفضل السبل لتوظيفها، ومتابعة إحداث أكبر أثر يمكن أن يترتَّب عليها.

كما أن حظ المساعدات والكفالات الاجتماعية تحتل نصيباًَ مهماً في عمل الجمعيات الخيرية، فيما لا تزال المشاريع المدرَّة للدخل ذات مساحة محدودة في نشاطها الإنساني، رغم أهمية الأخيرة في استغناء الفقراء والمحتاجين عن المساعدات والمعونات الشهرية أو الدورية، واعتمادهم على أنفسهم في تدبير شؤونهم المعيشية.

حماسنا لمثل هذه المبادرات لا يعفي من الإشارة إلى التحديات التي قد تعترض تأسيس وعمل هذه المؤسسة، وما قد يماثلها مستقبلاً، ومن أهمها: انتقال مهمة المؤسسات الخيرية التي تعنى أساساً بالرعاية الاجتماعية والتنمية المجتمعية في جزء من نشاطها إلى جوانب التمويل والإقراض التي كانت وما تزال حِكراً على مؤسسات متخصصة؛ كالصناديق الاجتماعية للتنمية، أو بنوك الفقراء، أو البنوك التقليدية، مع ما يستلزم ذلك مع معالجات فنية؛ حتى لا يترتب على الجمعيات الخيرية أي مسؤولية قانونية، ويضاف إلى ذلك التركيز على حسن إدارة وتدبير هذه الأنشطة التي لا تزال تجربتها حديثة العهد في عالمنا العربي والإسلامي، لاسيما النموذج الإسلامي منها؛ تجنباً لأي فشل قد يؤدي إلى وأد التجربة في مهدها.

علي أبو النصر الرشيد