بعد إخفاء معالم الجريمة

مراوغة جديدة وخداع لم يكن مستغربًا من الحكومة السورية، التي كانت وما زالت تمارس ذلك قبل وبعد كل جريمة تقوم بها، للتمويه والتشويش محليًا وإقليميًا على مؤيديها وأصدقائها وهم قلة على أي حال، وللتخفيف والتقليل مما قد يبدو ضغطًا دوليًا عليها، لم يكن في يوم من الأيام جديًا، وإنما مظهر من مظاهر السياسة الأمريكية الغربية في سوريا، والذي يبدي موالاته وتعاطفه مع الثورة السورية، بينما لم يظهر حتى الآن جدية بإنهاء نظام بشار الأسد .

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -



مراوغة جديدة وخداع لم يكن مستغربًا من الحكومة السورية، التي كانت وما زالت تمارس ذلك قبل وبعد كل جريمة تقوم بها، للتمويه والتشويش محليًا وإقليميًا على مؤيديها وأصدقائها وهم قلة على أي حال، وللتخفيف والتقليل مما قد يبدو ضغطًا دوليًا عليها، لم يكن في يوم من الأيام جديًا، وإنما مظهر من مظاهر السياسة الأمريكية الغربية في سوريا، والذي يبدي موالاته وتعاطفه مع الثورة السورية، بينما لم يظهر حتى الآن جدية بإنهاء نظام بشار الأسد .

هذا أقل ما يمكن أن يقال في التعليق على خبر موافقة الحكومة السورية السماح لفريق الأمم المتحدة الموجود في سوريا بالتوجه إلى الغوطة بريف دمشق، لإجراء تحقيق بشأن استخدام السلاح الكيماوي هناك، وذلك بعد اتفاق تم بين دمشق والأمم المتحدة في الساعات القليلة الماضية، كما جاء على لسان خارجية الجكومة السورية وليد المعلم، عبر كلمة بثها التلفزيون السوري الرسمي .

وقد أعلنت الأمم المتحدة فورالاتفاق بأن خبراءها سيباشرون اليوم الإثنين التحقيق في التقارير حول استخدام أسلحة كيماوية في الغوطة بريف دمشق، والتي راح ضحيتها أكثر من ألفي شهيد و10 آلاف مصاب، وقد أكد مراسل شبكة السي إن إن العربية بمغادرة بعثة التفتيش الدولية المكلفة بالتحقيق باستخدام الأسلحة الكيماوية الفندق التي كانت تنزل فيه بدمشق، متوجهة إلى موقع الهجمات الكيماوية بالغوطة بريف دمشق، خلال كتابة هذه السطور .

وكان بيان قد صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، أعطى فيه تعليمات للبعثة التي يقودها الدكتور (أكي سيلستروم)، بتركيز اهتمامها على تحديد الوقائع بشأن الحادث الذي وقع في 21 أغسطس وإعطائه الأولوية المطلقة، مشيرا لتأكيدات من قبل الحكومة السورية والمعارضة، بالتزام وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية، خلال قيام البعثة بمهمة التحقيق .

واللافت في موافقة الحكومة السورية على ذهاب فريق الأمم المتحدة للتحقيق بشأن استخدام أسلحة كيماوية بريف دمشق، أنه جاء بعد أمرين اثنين غاية في الأهمية وهما :

1. محاولة النظام إخفاء معالم الجريمة البشعة التي قام بها، وذلك من خلال عدة إجراءات وأمور ساعدته على ذلك هي :

- مواصلته قصف منطقة الغوطة بعد إلقاء السلاح الكيماوي عليها، بهدف محاولة اقتحامها أولا، وهو الأمر الذي لم يتح له بسبب المقاومة العنيفة من قبل الجيش السوري الحر، والتي حالت دون تحقيق ذلك، ولمحاولة طمس معالم آثار وبقايا السلاح الكيماوي المستخدم بنفس المنطقة ثانيا، وهو الأمر الذي يحتمل أن يكون قد نجح فيه.

- وقوع انفجار صباح اليوم في منطقة قريبة من موقع استخدام السلاح الكيماوي بريف دمشق، ناجم عن سقوط جسم متفجر، يرجح كونه عبارة عن قذيفة هاون، كما نقلت وذلك قبيل وصول فريق التفتيش التابع للأمم المتحدة إليه، الأمر الذي يوحي ببصمات النظام السوري لإخفاء معالم جريمته الكيماوية .

- تأكيد معظم خبراء السلاح الكيماوي، بأن آثار وبقايا هذا السلاح تتلاشى بعد نصف ساعة من استخدامه، وأن الظروف الجوية إن كانت ملائمة، فلا تبقى آثاره أكثر من 24 ساعة فقط، فما بالك بمرور خمسة أيام كاملة على استخدام هذا السلاح! لا شك أن الآثار ستكون شبه معدومة .

2. التخفيف قدر الإمكان مما بدا ضغطًا دوليًا بعد استخدام الكيماوي بريف دمشق، خاصة بعد التطورات العسكرية الأخيرة، من تعزيز الوجود العسكري الأمريكي على المتوسط، واجتماع رؤساء أركان عشر دول عربية وغربية في الأردن، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، إضافة لقطر والسعودية وتركيا، لبحث المسألة السورية بعد استخدام السلاح الكيماوي بالغوطة .

إن الذي يبدو للوهلة الأولى في موافقة الحكومة السورية لبعثة الأمم المتحدة للتوجه لمكان الحادث، أنها أتت للتخفيف عن الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها الدول الكبرى، جراء سكوتها وتجاوزها عن جرائم بشار المروعة، والتي وصلت إلى حد استخدام السلاح الكيماوي بالقرب من العاصمة السورية دمشق، كما أنها تأتي بعد موافقة ضمنية من حلفاء بشار الاستراتيجيين: روسيا والصين وإيران، بعد إخفاء جميع آثار وملامح تلك الجريمة، مما قد يعني خروج بيان غامض وغير واضح من قبل بعثة الأمم المتحدة، حول حقيقة استخدام هذا السلاح أصلًا، أو على أقل تقدير، عدم إمكانية تحديد الجهة المسؤولة والفاعلة، مما يعني إخفاء معالم الجريمة ووضعها تحت عنوان: ضد مجهول .

وإن حصل ذلك بالفعل، فهو بمثابة إعلان من بعثة الأمم المتحدة بتبرئة النظام السوري من هذه الجريمة، وبالتالي تخفيف اللهجة العسكرية المتداولة حاليا ضدها، والعودة إلى ما كانت عليه المواقف الدولية قبل استخدام السلاح الكيماوي.

هذا واحد من الاحتمالات، وهناك احتمالان آخران متوقعان هما :

1. أن يكون هناك قرار أمريكي غربي بتوجيه ضربة عسكرية لبعض المواقع السورية، سواء التابعة لنظام بشار، أوتلك التابعة لبعض الكتائب السورية الإسلامية الفاعلة والمعارضة للنظام، والتي تشكل خطرًا على اليهود أولًا، وعلى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ثانيًا، تحت مسمى محاربة الإرهاب، كجبهة النصرة وغيرها المقاتلة في سوريا .

2. أن يكون هذا التصعيد العسكري شكليًا فقط، وباتفاق بين الدول الكبرى، وعلى رأسها أمريكا وروسيا، لإجبار جميع الأطراف للجلوس على طاولة المفاوضات، تحت اسم مؤتمر جنيف 2، والذي تم تأجيل انعقاده أكثر من مرة، بسبب عدم اكتمال الظروف المهيئة لنجاحه، خاصة بعد تصريح وزير خارجية روسيا لافروف، بإمكانية استغلال حادثة الكيماوي للتوصل لإنهاء الأزمة السورية كما قال، ومطالبته الحكومة السورية السماح للجنة الأمم المتحدة التوجه لمكان الحادث، مما يوحي بتوافق أمريكي روسي حول ذلك .

إن الأكيد في ذهاب بعثة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن الكيماوي بعد خمسة أيام من وقوع الجريمة، وبعد انتظار موافقة الحكومة السورية العتيدة، أنها لا تظهر جدية البحث عن الفاعل والجاني، بقدر ما تظهر محاولة الدول الكبرى غسل آثار سكوتها عن مثل هذه الجريمة البشعة، وحفظ ماء وجهها الذي لم يعد فيه ماء أصلًا، بتحقيق متأخر وظاهري، يبقي لها بعض المصداقية المتآكلة والمتناقصة.