الخواطر السوء مفتاح المعاصي

الخاطر هو ما يدور في النفس وهو هاجس، ما يعرض أو يرِد على القلب من تدابير، أو ما يمرُّ بالذِّهن من الأمور والآراء والأفكار، وخواطر السوء هي ما يُوسوس به الشيطان للإنسان من تزيين وإعداد لارتكاب المعصية وتساعده على ذلك النفس الأمارة بالسوء.

  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات -


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وبعد:

الخاطر هو ما يدور في النفس وهو هاجس، ما يعرض أو يرِد على القلب من تدابير، أو ما يمرُّ بالذِّهن من الأمور والآراء والأفكار، وخواطر السوء هي ما يُوسوس به الشيطان للإنسان من تزيين وإعداد لارتكاب المعصية وتساعده على ذلك النفس الأمارة بالسوء.

وخواطر السوء تلك من إحدى خطوات الشيطان التي يمهد لها ويرسل بها خطوة بعد خطوة وتبدأ بالفكرة والخيال واستسلام القلب إلى أن تحرك الجوارح والحواس وتكون أفعال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور:21].

فتزيين الشيطان للباطل يتم بإضافة الشهوات ليبدو الباطل بصورة جميلة غير صورته الحقيقية وذلك ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حُفّت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات» (متفقٌ على صحته)، والشهوات هنا هي الزينة التي يستخدمها إبليس ليصطاد بها بني آدم ليهتكوا ذلك الحجاب فيقعون في النار.

ويزين الشيطان أعمالهم فيروها حسنة، قال الله تعالى: {فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:43]. {وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ} [العنكبوت:38]، {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [فاطر:8].

واعلم أن الخاطرة المحمَّلة برغبة الأهواء وتتزين في ظاهرها بالمباح ثم تتوالى التنازلات إلى أن تصل إلى ما يغضب الله تعالى، ففي الكبائر خواطر سوء الظن بالله تعالى والجهل به سبحانه وتعالى قد تهوى إلى الشرك، خواطر الجنس وخياله المحرَّم قد تهوى بالإنسان إلى الزنا، وخواطر الثراء وحب المال قد تهوى بالإنسان إلى الربا والسرقة وأكل أموال الناس ظلماً، وخواطر اللهو وكثرة المزاح قد تهوى بالإنسان إلى شرب الخمر والمخدرات والغيبة والنميمة، وخواطر الانتقام والغل والكراهية قد تهوى بالإنسان إلى القتل والأذى، وخواطر سوء الظن بالناس قد تهوى بالإنسان إلى الظلم، وما إلى ذلك فيما خطر بالنفس وإن اختلف مدخله عليها.

عن أبي برزة الأسلميّ رضي اللّه عنه أنّه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إنّ ممّا أخشى عليكم شهوات الغيّ في بطونكم وفروجكم ومضلّات الهوى» (أحمد [4/ 042-423] واللفظ له، وصححه الألباني).

قال ابن حبّان رحمه الله تعالى: "العقل والهوى متعاديان، فالواجب على المرء أن يكون لرأيه مسعفاً ولهواه مسوّفاً. فإذا اشتبه عليه أمران اجتنب أقربهما من هواه، لأنّ في مجانبة الهوى إصلاح السّرائر، وبالعقل تصلح الضّمائر" (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء [19]).


قال الشاعر:


 

كل الحوادث مبدأها من النظر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرة بلغت من قلب صاحبها *** كمبلغ السهم بين القوس والوتر


وقال عمرو بن نجيد: كان شاه الكرمانيّ حادّ الفراسة لا يخطئ، ويقول: "من غضّ بصره عن المحارم، وأمسك نفسه عن الشّهوات، وعمّر باطنه بالمراقبة وظاهره باتّباع السّنّة، وتعوّد أكل الحلال لم تخطيء فراسته" (مدارج السالكين [2/ 505]).

ومن بعض أسباب تزايد الخواطر السيئة على النفس:

- الاستهانة بمراقبة الله لك والتساهل مع النفس في مواقعتها.
- تقديم هوى النّفس على محبّة اللّه ورسوله صلى الله عليه وسلم.
- الغفلة عن ذكر الله وكتاب الله تعالى.
- التقاعس عن الطاعات والتثبيط دونها.
- الفراغ وعدم الانشغال بما هو ينفع الفرد والمجتمع.
- حب الدنيا والحرص عليها وعلى مكاسبها.
- البيئة الشحيحة بالإيمان والصحبة السيئة.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى: "إنّ جميع المعاصي تنشأ من تقديم هوى النّفوس على محبّة اللّه ورسوله وقد وصف اللّه المشركين باتّباع الهوى في مواضع من كتابه، وكذلك البدع تنشأ من تقديم الهوى على الشّرع ولهذا يُسمّى أهلها أهل الأهواء، ومن كان حبّه وبغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه كان ذلك نقصا في إيمانه الواجب، فيجب عليه حينئذ التّوبة من ذلك، والرّجوع إلى اتّباع ما جاء به الرّسول صلى الله عليه وسلم من تقديم محبّة اللّه ورسوله وما فيه رضا اللّه ورسوله على هوى النّفس ومراداتها كلّها" (جامع العلوم والحكم [366-367]).

للنفس الإنسانية دور بارز فيما يتعلّق بالخواطر لأنها إما أن تساعد صاحبها على أن يكون من الأخيار وهي النفس المطمئنة، وإما أن تلومه على السيئات فتدفعه إلى التوبة والاستغفار، كما تلومه على عدم الإكثار من الحسنات وهذه هي النفس اللوامة، وإما أن تأمره بالشر وارتكاب المعاصي وتلك هي النفس الأمارة بالسوء، ولهذه المواقف الثلاث تأثير بالغ على تحلي الإنسان بالأخلاق الفاضلة أو الوقوع في براثن الرذيلة والاتصاف بسوء الخلق، والتناسب بين هذه الحالات الثلاث تناسب عكسي، فكلما قويت النفس المطمئنة التي ألهمها اللّه التقوى ضعفت النفس الأمارة بالسوء التي ألهمت الفجور، وبينهما النفس اللوامة، وهي تلك التي تلوم على ما فات، وتندم عليه، فتلوم على الشر لم فعلته؟ وتلوم على الخير لم لا تستكثر منه؟

ومن ثم تكون اللوامة: التي تلوم صاحبها باستمرار وهي بذلك صفة مدح، فإذا كانت كل من النفس المطمئنة والنفس الأمّارة تقومان بعملية التوجيه، فإن النفس اللوامة تقوم بعملية المراجعة والتقويم انطلاقاً من الفطرة التي تستحسن الخير وتحث عليه، وهنا ندرك لماذا كانت القسمة ثنائية في قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} [الشمس:8]، فجعل للنفس قسمين فقط هما: التقية بأمر ربها، والفاجرة بإذن صاحبها، أما إذا نظرنا إلى طبيعة الإنسان وما منحه اللّه من عقل يُميّز به بين الطيب والخبيث، وبين الحسن والرديء في ضوء الشرع، فقد زُوِّد الإنسان بقوةٍ ثالثة تتولّى عملية التوازن وتقوم بدور التصحيح، ألا وهي النفس اللوامة.

قال ابن الجوزي رحمه الله: "الحقّ عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد. لكنّه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه، فأمر بقصد نيّته، ورفع اليدين إليه، والسّؤال له. فقلوب الجُهّال تستشعر البُعد؛ ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحقّقت مراقبتهم للحاضر النّاظر لكفّوا الأكفّ عن الخطايا. والمتيقّظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة؛ وكفتهم عن الانبساط" (صيد الخاطر [236]).

وختاماً:
نكون جميعاً على حذر من هذه وتلك التي تطاردنا في كل وقتٍ وحينٍ في صلاتنا وفي خلواتنا وفي شرودنا وفكرنا ومن هنا نستعين بالله ونستعيذ به وندفعها في صغرها قبل أن تتفشى وتكبُر، وتنشأ خطوة تلي الأخرى للوقوع في معصية.

عصمنا الله وإياكم من الزلَّات والعثرات، وغفر لنا جميع السيئات، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


محمد خيري الحلواني