سقوط نظرية الديمقراطية بالقاضية
أمير سعيد
وحده الإسلام هو الصالح لكل زمانٍ ومكانٍ.. دونه تَخفق كل نظرية وينهار كل مبدأ وتتعثر كل طريقة.
- التصنيفات: مذاهب فكرية معاصرة -
وحده الإسلام هو الصالح لكل زمانٍ ومكانٍ.. دونه تَخفق كل نظرية وينهار كل مبدأ وتتعثر كل طريقة.
الغرب الديمقراطي يعلنها اليوم صراحةً أن الديمقراطية لا تصلح لكل زمان ومكان، فمكانها وحده هو بلاد الغرب، وحتى فيه لم يتمكنوا من تحقيقها بحذافيرها في أي حين.
فمن هنا، من قلب العالم، من مبعث الحضارة المدنية...من مصر، أَجمع الغرب على نحر الديمقراطية، وكسر إرادة الشعب، وبرهن بجلاء على كفره هو بالديمقراطية، أو إيمانه بأنها لا تصلح إلا في ظروفٍ معينة وأحوالٍ خاصة.
تستطيع أن تُنفذ النظرية الإسلامية السياسية في أي مكان بالعالم، وفيه تسود العدالة فلا يُهضم الناس حقوقهم، ولا تُصادر إراداتهم، ولا يعاملون إلا معاملةً كريمةً تعلو فوق كل قيمة إنسانية، وتفوق كل معنى ضيق للحرية، لكن في مقابلها لا يمكن للديمقراطية أن تعيش في دولةٍ إسلامية، لأن أصحاب النظرية الديمقراطية يرونها حِكراً على "النبلاء" ولا يقبلونها بنظرهم لـ"العبيد"؛ فأولئك لا حق لهم في أن يعيشوا كرماء أحراراً، تماماً مثلهم مثل عبيد روما وأثينا، لا رأي لهم ولا اعتبار..هؤلاء لا نراهم إلا عبيداً، وليس للعبيد حقوق!
هذه باختصار هي حقيقة الديمقراطية في معاقلها، وهكذا يَقبل المفكرون الديمقراطيون والساسة الليبراليون العالميون تفسيرها المحلي هنا عندنا في مصر، كما في سائر البلدان الموازية الإسلامية على وجه التحديد، هنا العَالم "المتحضر" يقول: إن مليارين من البشر لا يحق لهم أن يحيوا في ظل نظرية نسوق لها في الكون ولكن لا نمتلك الجراءة لمنحها لثلث سكان العالم، فيما كان الفاتحون الأوائل في الأمة الإسلامية يجوبون الأصقاع ويخوضون البلدان ليطبقوا نظاماً معمول به على تخوم القرم والقوقاز مثلما يعمل به في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبغداد ودمشق.
وفي التجربة المصرية، بدا أن الغرب من خلال دعمه للانقلابيين وعدم اعترافه بما جرى على أنه انقلاب عسكري أطاح بحكمٍ مدني، يؤكد على منهجه الذي يسير عليه قبل انتفاضة يناير 2011، وهو دعم الديكتاتوريات والحكومات الشُمولية، والذي كان يتذرع كثيراً بأنه مضطرٌ فيه إلى التعامل مع حكومات تلك الأنظمة، مكتفياً بـ"تشجيعها" على الديمقراطية، لكنه الآن برهن بجلاءٍ على رغبته في تحويلها من ديمقراطية إلى استبدادية بمحض إراداته.
الخطير في تلك التجربة، أنها تخص دولةً محورية، مُصدِّرة للأفكار، أو حتى وَسيطة جيدة لنقلها لدول المنطقة وبالتالي؛ فإن انهيار التجربة الديمقراطية بمصر يترجم على الفور بتراجعها في المنطقة الإسلامية الممتدة من جاكرتا حتى طنجة برمتها، ويجسد فشلاً ذريعاً لفكرة تطبيق الديمقراطية الحقيقية في تلك المنطقة، والمعنى هنا، أن مسألة الترويج للأفكار الليبرالية والديمقراطية لن تجد لها سوقاً رائجةً في هذه البلاد، لاعتبارها ترفاً لا يمكن التطلع إليه، أو خيالاً ليس بمقدرور الشعوب نيله، فإن نالته لا يمكنها الاحتفاظ به ما دام الغرب حريصاً على استمرار إِحكام قبضته على تلك الدول، ومنعها من التصرف بإرادتها، وكبح تطلعها نحو الاستقلال وإعادة صياغة هويتها وفقاً لنظام ديمقراطي حديث.
والغرب بتشجيعه لأنظمة شمولية، بل وصناعته لها، بات مغرقاً في طبقيته الكابحة له عن إرادة ما يراه هو خيراً للآخرين، ومن ثم يبني حاجزاً يَحُول دون تصدير فكرته إلى بلاد تتحالف معه أو لا تفعل في الحوض الإسلامي العريض.
هو بذلك، يهدم فكرته بنفسه، ويُحكمها داخل سياج سميك من المصالح التي تتصادم كليةً مع الإرادة الشعبية، فنظرية الديمقراطية في جوهرها تتصارع مع فكرة سيادة المصالح، وتلك الأخيرة تُقبل على التعامل مع دولٍ ذليلة خاضعةٍ لا تملك إرادتها، وتختزلها في فردٍ أو بعض أفراد، ولا توزعها بالتساوي على سائر أفراد الشعب بما يوفر لها رؤية جمعية، وحصانة عن التبعية، ومن ثم يعرقل طموحات الغرب في تدجين تلك الشعوب واستلاب إرادتها وثرواتها.
إن الغرب في خلاصة الأمر، يقدم نظرية للسياسة والحكم للعالم ثم يضن بها على ما يزيد عن خمسين دولة، بخلاً بـ"خيرها" على الآخرين، بما يجعل نظريته في حقيقتها غير قابلةٍ للتطبيق، ليس فقط في الدول التي يخضعها لإرداته، وإنما في النمط العالمي للحكم ذاته، بمعنى أنه بسلوكه هذا لا يجعل العالم كله ديمقراطياً، والدليل إخفاقه في صياغة نظامٍ عادلٍ متكافئ في منظومة الأمم المتحدة التي أسسها...بينما الإسلام في جوهره ليس كذلك، وهو قادرٌ على تطبيق نظريته السياسية في أي مكان، بل يكون سعيداً بتطبيقها في بلاد العجم، سواءً بسواء مع الدول العربية، مُبرهناً على أنه صالحٌ لكل زمانٍ ومكان؛ فيما خصومه يقفون عاجزين عن محاكاته؛ فيتآمرون ضد انتشار نظريتهم "تطبيقياً"!
مهما اشرَأبت أعناقهم لا يطاولونه أبداً..