أَمَاتَتْ فِينَا المروءة؟

لطيفة أسير

كُلّما لاَحَ في أُفُقِ سَمائِنا المُلبَّدةِ بِغُيُومِ القَهْر والظلم، والرَّاِزحَة تَحْت نَيْر الاسْتِبْدَاد والاستعمار، مشهدٌ من مشاهِدِ الخِزْي والعارِ البعيدِ كلَّ البُعْدِ عن كل قِيمِ الكمَالِ والجَلاَل الإنساني.

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -

كُلّما لاَحَ في أُفُقِ سَمائِنا المُلبَّدةِ بِغُيُومِ القَهْر والظلم، والرَّاِزحَة تَحْت نَيْر الاسْتِبْدَاد والاستعمار، مشهدٌ من مشاهِدِ الخِزْي والعارِ البعيدِ كلَّ البُعْدِ عن كل قِيمِ الكمَالِ والجَلاَل الإنساني.

تذكرتُ بِحُرْقةٍ وحَسرةٍ نَخْوةٍ وشَهَامَةٍ لَطَالمَا قَرَأْنا عنْهَا فِي تَاريخِنا العَرَبي الإسْلامِيِّ الجميلِ.

نَخْوَةٌ كانتْ منْ شِيَمِ الفُرْسَانِ، لَصِيقَة بِالمسلمِ الأبِيِّ، عُنْواناً لأصَالتِهِ، وَرَمْزاً لِقُوَّتِهِ وَرُجُولَتِهِ، وَدلِيلاً على إِنْسَانِيَّتِهِ وتمام آدَمِيَّتِهِ.

أَذْكُرُ كيفَ جَهَّز سَيِّدُ الرِّجالِ حَبِيبنا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم جَيْشاً؛ لِتَأْدِيبِ اليهودِ حِينَ كَشَفُوا عَوْرةَ امْرَأَةٍ مسلمةٍ عفيفةٍ.

وَكَيْف ثَارَتْ غَضْبةُ المعتصِمِ؛ فَحَرَّكَ جُيُوشَه غِيرَة على مَحارمِ اللهِ وتَلْبِيَة لِنِدَاءٍ فرديٍّ "وَامُعْتَصِمَاهُ".


رُبّ وامعتصماهُ انطلقت *** ملء أفواه الصبايا اليتمِ
لامست أسماعهم لكنها *** لم تلامس نخوة المعتصم


وكَيْفَ أَنْسَى شَهَامَةَ خامسِ الخلفاءِ عُمر بن عبد العزيز رضي الله عنه؛ حِين هبَّ لِنَجْدةِ أسيرٍ مسلمٍ، وأَرْغم برسالةٍ خَطِّيَّة ملكَ الرُّومِ على الإذْعَان لأمْرِه: "أَمَّا بَعْد فَقَدْ بَلَغَنِي مَا صَنَعْتَ بِأسِيركَ فُلان، وإني أُقسمُ باللهِ لَئِنْ لمْ تُرْسِلْه إليَّ من فَوْرِكَ لأَبْعثنَّ إليك منَ الجُنْد ما يكونُ أولُّهُمْ عندكَ وآخِرُهُمْ عندي". 

فَمَا بَالُ الأعراضِ اليومَ صارتْ تُنْتَهكُ ولاَ مَنْ يُحَرِّكُ سَاكناً؟! 

وصُراخُ النِّساءِ صَمَّ الآذانَ ولمْ يَسمعْ صداهُ معتصمٌ، ومجازرُ تَنْعِي البراءةَ في مهْدِها وما رَفَّ دمْعُ امرئٍ مسلمٍ أنهارٌ من الدماءِ، وجُثَثٌ بالآلافِ وانْتِهاكاتٌ لكل القِيَم الإنسانيةِ صباح مساء أحقّاً فينَا رجالٌ منْ نَسْلِ أولئك الرجال؟! 

أَعجزتْ بطونُ النساءِ أنْ تَلِدَ أمثالَ المعتصمِ وعمر رضي الله عنه؟ 

لِمَ كل هذا الاستسلامِ يا أمَّةَ الإسلام؟ 

لِمَ ماتتْ فينا هذه النخوةُ؟ 

لِمَ صارتْ كلمة منسيَّة عَجَّتْ بها قواميسنا التَّخاذُلية؟
 

مرَرتُ على المروءةِ وهي تبكي *** فقلتُ علام تنتحب الفتاةُ؟
فقالت كيف لا أبكي وأهلي *** جميعاً دون خلق اللهِ ماتوا


تالله من يمحو هذا العارَ، ويثور في العِدا ثورة تُحْيي التاريخ وتستنهض الهِممَ؟ 

منْ يلمْلمُ ما بَعْثَرَتْهُ الأَيامُ فينا، ويُحْيي قلوبا مَواتا؟ 

متى يُصبِح خُضَّع الرقاب نواكسُ الأَبصار ذوي هاماتٍ تَرفعُ الذُّلَّ والهوانَ عن أمَّة النبي العدنان، صلى الله عليه وسلم؟

المصدر: المختار الإسلامي بتصرُّفٍ يسير