المؤامرة ليست على مصر وحدها!

لم يعد المشفقون على مصر حاضراً ومستقبلاً في حاجةٍ إلى تقصي ما يجري خلف الستار، للحكم على حجم الخطر المخيف الذي يحيق بمصر العزيزة، إذ أعفاهم الانقلابيون من عناءِ البحث ما بين السطور، ولا سيما بعد تكميم كل منبر إعلامي من خارج جوقة المطبلين بـ"مآثر" الجنرالات الذين "خلصوا الشعب من فرعون"!

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


لم يعد المشفقون على مصر حاضراً ومستقبلاً في حاجةٍ إلى تقصي ما يجري خلف الستار، للحكم على حجم الخطر المخيف الذي يحيق بمصر العزيزة، إذ أعفاهم الانقلابيون من عناءِ البحث ما بين السطور، ولا سيما بعد تكميم كل منبر إعلامي من خارج جوقة المطبلين بـ"مآثر" الجنرالات الذين "خلصوا الشعب من فرعون"!

صحيح أن العسكر لم يُكرِّروا جريمة 1952م بالقفز العلني على مواقع السلطة الصريحة، مع أن السبب ليس وليد عفة نفس ولا زهد في التسلُّط على مفاصل القرار المصري كله؛ ولكن لأن الظروف اليوم مختلفة جذرياً عما كانت عليه المعطيات المحلية والدولية يوم وثب عبد الناصر على الحكم بذريعة إزاحة الفساد، فأقام أول دولة بوليسية قمعية، أفقرت المصريين وأذلٌَّتهم من خلال أنياب أجهزة استخبارات شرسة، وقادت الأمة كلها إلى هزائم مخزية أمام العدو الصهيوني!

إن اللعبة اليوم لا تُتيح سوى التخفي وراء واجهات كاريكاتيرية تُثير الشفقة، لقبولها أداء دورٍ هدّام لا يتجاوز مرتبة شاهد الزور، أو الزوج المحلِّل الملعون.

فالرئيس الموقت الذي فرضه العسكر خولوه "الحق" في إصدار إعلانات دستورية بالجملة؛ بالرغم من أن ثائرة القوم ثارت على رئيس منتخب أصدر إعلاناً دستورياً ألغاه خلال فترة وجيزة، ولم يتخلص من أوزاره حتى اللحظة! 

وفعل عدلي منصور ما أُريدَ منه؛ فإذا بالدفعة الأولى من "بركاته" الدستورية تؤسس لفرعون مخيف، بشهادةِ حلفاء الانقلاب من جبهة الانقاذ وحركة تمرد، الذين ساءهم صدور الإعلان من غير مشورتهم! 

فقد صدَّقوا أوهامهم من أنهم أصحاب كلمةٍ مؤثرة في تسيير الأوضاع، وبخاصةٍ أن جريمة الانقلاب "الديموقراطي" تمَّت باسمهم كحشود جرى تنظيم أكثرها بأموال طائلة تدفقت من خارج الحدود تمهيداً للانقلاب، باعتراف توفيق عكاشة!

غير أن تمثيل أدوار الاحتجاج من صباحي وشركائه لن يعدو قدره؛ وهم يُدرِكون ذلك بدليلٍ أنهم لم يفعلوا شيئاً لوقف المهزلة التي يعترضون عليها. وكيف يجرؤون على تجاوز الخطوط الحُمر التي رسمها لهم أصحاب السلطة الفعلية، الأمر الذي اضطر قائد الانقلاب إلى إصدار تحذيرٍ حادِّ اللهجة، لكل من تُسوِّل له نفسه أن يُعرقِل استحقاقات المرحلة الانتقالية! 

صحيح أن ظاهر الإنذار المدجَّج بأنياب عسكر مستعدين لارتكاب القتل الجماعي موجهٌ إلى الإسلاميين، الذين تطاردهم محاكم التفتيش الجديدة، لكن من يعرِف طبيعة العسكر ونمط تفكيرهم القائم على حل كل مشكلة بالقوة العارية؛ يُدرِك أن الكلام المذكور ليس سوى تجسيد عملي للمثل العربي القديم: "إياكِ أعني فاسمعي يا جارة".

إن ما يجري في مصر من اغتيال لثورة شعب حُرٍ كريم قرَّر التحرُّر من عقود الذِلَّة والإفقار المنظم والطغيان المستكبر، ليس سوى مشهد واحد -على ضخامته وأهميته وعلى محورية مصر وتأثيرها الكبير- ليس سوى مشهد في إطار مسرحية دموية همجية يتولى الغرب كِبْرَها لإنهاء كل حضور للإسلاميين في الساحة السياسية في المنطقة، تمهيداً لابتلاعها بتنسيق لا تخطئه العين البصيرة بين الصهيونية والصليبية والصفوية.

ففي الغرب؛ لاحت ملامح إقصاء الإسلاميين مع استقالة وزراء حزب الاستقلال، وفي تونس يجري تجييش عبيد الغرب لنسف المشاركة النسبية لحركة النهضة -فهي تحكم في نطاق ائتلاف مع حزبين علمانيّيْن- وكانت المؤامرة تستهدف إزاحة حزب العدالة والتنمية من قيادة تركيا لولا أن الله تعالى خّيَّب ظنون القوم مع أنها كادت تنجح!

وأما قمة المؤامرة؛ فتتمثَّل في أبشع فصولها وأشدها صفاقة، حيث يُعطى نيرون الشام فرصةً تلو فرصة لذبح مئات الألوف من السوريين وتشريد الملايين من ديارهم، كمقدِّمة لتغيير التركيبة السكانية ليُصبِح الرافضة المستورَدون أكثرية فوق أنقاض سوريا!

إن ذروة المأساة أن بعض ضحايا المؤامرة يتصورون الأمور على نقيض حقيقتها، ولذلك يتصرَّف البعض بطريقةٍ تجعل الحليم حيران! 

أفيُعقَل أن الخطأ في الحسابات يبلغ هذا الحد المُذهِل؟! 

أم أن سُلَّم الأولويات مقلوبٌ إلى درجةِ إيذاء الذات مع تصور أنه دفاع عنها؟!