معلمتي شكرًا لك مع حبي وتقديري

إن من أهم صفات الناجحين التمتع بصفة الشكر والامتنان لكل من قدم لهم خدمة أو علم ينتفع به، وهذه الصفة يسمونها (Gratitude attitude).

  • التصنيفات: محاسن الأخلاق -


رجل في الأربعين من عمره كان يحضر إحدى المحاضرات في التنمية البشرية، أخبرهم المحاضر أن يجلسوا للحظات مع أنفسهم، يغمضوا فيها أعينهم لمدة عشر دقائق، ويفكروا في شخص أو أشخاص كان لهم فضل كبير عليهم، (محمد شاكر) المهندس الذي عايش المحاضرة ما طفق يتذكر معلمته (إبتسام) معلمة مادة الرياضيات في مدرسته الإعدادية القديمة التي كانت دائمًا تحببهم في المادة، وتحمسهم للدراسة، لقد حببتهم في المدرسة والحياة، كانت لا تفارق الابتسامة محياها، ومنذ ذلك الوقت وهو لا يستطيع نسيان ابتسامتها الساحرة، وبفضلها أحب الرياضيات، وأصبح مهندسًا لامعًا الآن، استفاق محمد على صوت مدربه وهو يقول: "الآن ليفكر كل منكم بأن يرسل لمن يحب رسالة يعبر بها عن حبه وتقديره وشكره وامتنانه".

انتهت الدورة التدريبية و(محمد شاكر) ما زال يفكر فيما قاله المدرب، لقد مضت (25) سنة منذ أن غادر مدرسته الإعدادية، ومنذ ذلك الوقت لم يسمع عنها شيئًا، قرر (شاكر) أمرًا في نفسه، وصمم عليه، سأسأل عن عنوانها، لا بد أنهم يحتفظون بعنوانها في أرشيف المدرسة. في صباح اليوم التالي تحرك (شاكر) بكل حماس، بحث يمينًا وشمالًا ومن هنا وهناك، وسأل واستفسر حتى وجد غايته، لقد وجد عنوانها، ولكنه فوجئ بأنها سافرت مع زوجها إلى بلد عربي شقيق، لحسن حظه أعطته إحدى المدرسات عنوان شقيقتها ليسألها عن عنوانها، وهذا ما حصل فعلًا، أخذ محمد عنوانها بلهفة، وخط بقلمه رسالة حب وتقدير لها جاء فيها:

معلمتي الفاضلة/ إبتسام
تحية صادقة وأشواق قلبية مخلصة أبثها لك عبر خطابي هذا،كيف حالك وأحوالك؟ أسال الله العلي القدير أن تكوني بخير حال وصحة وعافية، قد لا تذكريني ولكني أحد طلابك النجيبين، وبفضلك بعد الله أصبحت مهندسًا لامعًا، وفي خضم وزحمة الحياة نسيت أن أشكرك وقتها، وجاءت اللحظة المناسبة اليوم لكي أذكر فضلك علي، أتمنى أن لا يكون الوقت قد فات، شكرًا أستاذتي الفاضلة على تعليمك وتأديبك لنا، وكل الحب والتقدير لك. مع تمنياتي لك بالحياة الرغيدة، والعيش الهانئ السعيد.
تلميذك النجيب (محمد شاكر)

أحس بضميره مرتاحًا بعدما أودع الرسالة في صندوق البريد، ونام ليلته تلك قرير العين، مرتاح النفس، هانئ الفؤاد. بعد أسبوعين تلقى (محمد رسالة) من معلمته القديمة ابتسام جاء فيها:
عزيزي المهندس/ محمد شاكر… تلميذي النجيب، لقد تلقيت رسالتك بسعادة غامرة لا أستطيع أن أصفها لك، وجاءت في وقتها المناسب تمامًا، فأنا الآن في الخامسة والستين من عمري، وقد مات زوجي منذ سنتين، وتزوج أبنائي ورحلوا عني، وانفض عني الأصدقاء إلا القليل منهم، وأعيش وحيدة في بيتي، لقد تخرج من بين يدي أجيال من الشباب والبنات لكن لم يتذكرني أحد برسالة سواك، لقد أجهشت بالبكاء حين وصلتني رسالتك لأني أدركت أن حياتي ومجهوداتي لم تضع هدرًا، وأن أحد تلامذتي النجباء أصبح مهندسًا لامعًا أعتز وأفخر به، لقد وضعت رسالتك في إطار خشبي مبروز، وأسندتها إلى طاولة بجانب سريري لكي أراها كلما استيقظت صباحًا أو خلدت إلى نومي مساءًا، لقد منحتني رسالتك أملًا جديدًا في الحياة. بني... أتمنى لك نجاحًا لا يزول، زرع الله الفرح في قلبك للأبد كما زرعته اليوم في قلبي.

وأنت عزيزي القارئ فكر بأي إنسان تحبه ويحبك عزيز على قلبك، وأرسل له رسالة شكر وامتنان قبل أن يفوت الأوان، إن في مكان ما من هذا العالم معلم أو معلمة يفخرون كل يوم بأنهم خرجوا من تحت أيديهم مشاهير وعظماء، لا تحرم هؤلاء الفاضلين الصابرين على تعليمنا من لحظات الفرح، بأن ترسل لهم رسالة تدبجها بالقليل من كلمات الشكر والعرفان.

قد يخطر ببالك صديقي هذا السؤال: ما علاقة هذا الشكر والامتنان بالنجاح والناجحين؟!
يقول خبراء التطوير الذاتي: إن من أهم صفات الناجحين التمتع بصفة الشكر والامتنان لكل من قدم لهم خدمة أو علم ينتفع به، وهذه الصفة يسمونها (Gratitude attitude).

بلال موسى