كيف أضحك أنا وفي أيدي المشركين من المسلمين أحد؟
أسألك بالله العلي العظيم، ولا أريد إجابة، احفظها لنفسك. هل تفكرت يوماً في معاناة أسرانا؟ هل رفعت يوماً أكف الضراعة إلى الله عز وجل، تدعو لإخوانك في سجون المشركين؟! هل وقفت يوماً تناجي ربك بأن يطلق سراح أسرانا؟! وينجيهم من القوم الكافرين؟! هل وقفت يوماً تناجي ربك بأن يفرج همهم، وينفس كربهم.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
1- قال أبو عبيد العسقلاني: "رأيت أبا عبيدة الخواص لم يضحك أربعين سنة. فقيل له: لم لا تضحك؟ فقال: كيف أضحك أنا، وفي أيدي المشركين من المسلمين أحد!" (صفة الصفوة: 2/416). قلت: كيف لو أدرك هذا الإمام هذا الزمان، ورأى أسارى المسلمين وهم يعذبون، ويذلون أشد الإذلال في شتى بقاع الأرض. وبالمقابل: لا يبالي المسلمون بهم، ولا يكترثون لحالهم.
أخي الكريم: أسألك بالله العلي العظيم، ولا أريد إجابة، احفظها لنفسك. هل تفكرت يوماً في معاناة أسرانا؟ هل رفعت يوماً أكف الضراعة إلى الله عز وجل، تدعو لإخوانك في سجون المشركين؟! هل وقفت يوماً تناجي ربك بأن يطلق سراح أسرانا؟! وينجيهم من القوم الكافرين؟! هل وقفت يوماً تناجي ربك بأن يفرج همهم، وينفس كربهم.
2- قال ابن العربي (توفي سنة: 543هـ) رحمه الله في أحكام القرآن (2/440) بعد ذكر الأسرى المستضعفين: "إلا أن يكونوا أسراء مستضعفين؛ فإن الولاية معهم قائمة، والنصرة لهم واجبة بالبدن بألا يبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك، أو نبذل جميع أموالنا في استخراجهم، حتى لا يبقى لأحد درهم". كذلك قال مالك وجميع العلماء، فإنا لله وإنا إليه راجعون على ما حل بالخلق في تركهم إخوانهم في أسر العدو، وبأيديهم خزائن الأموال وفضول الأحوال والعدة والعدد، والقوة والجلد.
3- قال الإمام القرطبي (توفي سنة: 671هـ) رحمه الله: قال علماؤنا: "كان الله تعالى قد أخذ عليهم أي اليهود أربعة عهود: ترك القتل، وترك الإخراج، وترك المظاهرة، وفداء أساراهم، فأعرضوا عن كل ما أمروا به إلا الفداء، فوبخهم الله على ذلك توبيخا يتلى فقال: {أفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ} [البقرة: 85] وهو التوراة: {وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: 85]". عَلَّقَ وعَقَّبَ الإمامُ القُرطبي رحمه الله فقال: "ولعمر الله لقد أعرضنا نحن عن الجميع بالفتن فتظاهر بعضنا على بعض! ليت بالمسلمين، بل بالكافرين! حتى تركنا إخواننا أذلاء صاغرين يجري عليهم حكم المشركين، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!". قال علماؤنا: فداء الأسارى واجب وإن لم يبق درهم واحد. قال ابن خويز منداد: "تضمنت الآية وجوب فك الأسرى، وبذلك وردت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فك الأسارى وأمر بفكهم، وجرى بذلك عمل المسلمين وانعقد به الإجماع. ويجب فك الأسارى من بيت المال، فإن لم يكن فهو فرض على كافة المسلمين، ومن قام به منهم أسقط الفرض عن الباقين" (الجامع لأحكام القرآن: 2/23).
4- قبل أيام قلائل، حدثت قصة لإحدى فتياتنا المؤمنات العفيفات، ممن رزحن داخل أقبية الظلم والعدوان في سجون يهود. انصدع من تلك القصة نياط قلبي حزناً و أسى، وأرسلت عيناي بالدموع ذلاً وأسفا. فأصبحت مذعوراً، قد اهتز كياني واقشعر جسدي من تلك الحادثة. أترككم مع الحادثة...
"قيّدوا يديّ للخلف وعصّبوا عينيّ ثم أصعدوني إلى جيب عسكري وألقوا بي على أرضية الجيب قبل أن يتحرك بنا، لأجد نفسي بعد ذلك في ساحة معتقل عصيون أمام مجموعة من الجنود المجرمين الذين لا يعرفون الرحمة وينتظرون فريسة لينقضوا عليها، وكان الجو باردا جدا والمطر يتساقط وتركوني مدة من الزمن تحت المطر".
بهذه الكلمات بدأت الأسيرة المحررة إحسان دبابسة (24 عاما) لمراسل (معا) ولمدير نادي الأسير في محافظة الخليل، الذي توجه لزيارتها في بيتها بعد نشر شريط فيديو على الـيوتيوب يظهر فيه جندي احتلالي وهو يتحرش بها ويضع موسيقى صاخبة ويرقص حولها وهي مكبلة اليدين ومعصوبة العينين.
إحسان دباسة من قرية نوبا غرب الخليل والتي اعتقلت بتاريخ 11/12/2007، على حاجز عصيون الساعة الثامنة صباحاً، بدأت تروي لنا قصة اعتقالها وما تعرضت له من قمع وتنكيل وإذلال من قبل جنود الاحتلال وضباط المخابرات. وأردفت: "لحظات وبدأت أسمع موسيقى صاخبة جدا وأن أحدا يحاول أن يلمسني وكنت أحاول الالتصاق بالحائط ولكن دون جدوى، وجاء جندي أخر وأحضر قنينة خمر وعرض عليّ الشرب ورفضت واستمر بمحاولة التحرش بي...".
تنهّدت وسقطت الدموع من عينيها وهي تذكر تلك اللحظات الصعبة، وزادت "وما هي إلا لحظات حتى بدأوا يهجمون عليّ كالكلاب المسعورة وبدأت رحلة الضرب بأعقاب البنادق وبأرجلهم وقام أحد الجنود بضرب رأسي بحديد الجيب العسكري حتى أغمي عليّ.. ولم أجد نفسي إلا وأنا أمام طبيبة ترتدي اللباس العسكري وبعد إجراء فحص طبي شكلي نقلوني إلى التحقيق وهناك بدأ مشوار العذاب والإذلال".
وأضافت: "كان اسم الضابط الذي بدأ التحقيق معي (بيران) الذي بدأ يهدد بهدم منزل عائلتي واعتقال إخوتي واستمر التحقيق ساعتان متواصلتان وبعدها تم نقلي معصوبة العينين إلى مركز تحقيق آخر أعتقد أنه تحقيق المسكوبية، وهناك كان ثلاثة محققين وما أن دخلت عندهم حتى بدأوا بكيل الشتائم والمسبات التي لا أشاء أن أذكرها، وكان أحد المحققين يشدّني من شعري وكنت طيلة الوقت مقيدة اليدين، واستمر التحقيق معي حتى الساعة الحادية عشر ليلاً وبعده نقلوني إلى سجن هشارون حيث وجهت لي تهمة محاولة طعن والانتماء للجهاد الإسلامي، وترافع عني محامون من نادي الأسير الفلسطيني وحكمت بالسجن لمدة 22 شهر وأطلق سراحي بتاريخ 6/9/2009".
وتستكمل إحسان قصتها "بعد مرور أكثر من عام على إطلاق سراحي أتمنى لو أستطيع النسيان وبينما كنت أتابع نشرات الأخبار وإذا بها تتحدث عني ولم أصدق ما تشاهده عيناي، حتى كاد يغمى عليّ وبدأت بالبكاء وطيلة الليل لم يغمض لي جفن لحظة واحدة، وعاد شريط رحلة العذاب أمام عيني وأنا بين مجموعة من الجنود المجرمين الساديين الفاسدين الذين فقدوا الإحساس والإنسانية".
5- قال أبو شامة المقدسي رحمه الله: "وبلغني من شدة اهتمام نور الدين رحمه الله بأمر المسلمين حين نزل الفرنج على دمياط أنه قرئ عليه جزء من حديث كان له به رواية، فجاء في جملة تلك الأحاديث حديث مسلسل بالتبسم، فطلب منه بعض طلبة الحديث أن يتبسم لتتم السلسلة، على ما عُرف من عادة أهل الحديث، فغضب من ذلك؛ وقال: إني لأستحيي من الله تعالى أن يراني مبتسما، والمسلمون محاصرون بالفرنج" (الروضتين لأبي شامة المقدسي:2/143). استفدتها من مشاركة للشيخ عصام البشير حفظه الله.
6- قَالَ عُمَرُ بِنْ الخَطَّاْبْ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "لأَنْ أَسْتَنْقِذَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ جِزيَرَةِ الْعَرَبِ" (مُصنف ابن أبي شيبة:12/418).
7- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "فكاك الأسارى من أعظم الواجبات، وبذل المال الموقوف وغيره في ذلك من أعظم القربات" (مجموع الفتاوى:28/635).
8- قال العز بن عبد السلام رحمه الله: "وإنقاذ أسرى المسلمين من أيدي الكفار من أفضل القربات، وقد قال بعض العلماء: إذا أسروا مسلمًا واحدًا وجب علينا أن نواظب على قتالهم حتى نخلصه أو نبيدهم، فما الظن إذا أسروا خلقًا كثيرًا من المسلمين؟!" (أحكام الجهاد وفضائله: ص97).
9- قال الأوزاعي رحمه الله: "كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله أن فاد بأسارى المسلمين وإن أحاط ذلك بجميع مالهم" (حلية الأولياء: 5/311).
10- قال الإمام النووي رحمه الله: "لَوْ أَسَرُوا مُسْلِمًا، أَوْ مُسْلِمَيْنِ، فَهَلْ هُوَ كَدُخُولِ دَارِ الْإِسْلَامِ؟ وَجْهَانِ، أَحَدُهُمَا: لَا؛ لِأَنَّ إِزْعَاجَ الْجُنُودِ لِوَاحِدٍ بَعِيدٌ، وَأَصَحُّهُمَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ أَعْظَمُ مِنْ حُرْمَةِ الدَّارِ" (روضة الطالبين: 10/216).