أزمة الدستور أم دستور الأزمة؟

بدأ الجدل يزداد في مصر بشأن الدستور الذي كتبته لجنة معينة من قبل السلطة المؤقتة والتي جاءت عقب عزل أول رئيس منتخب في تاريخ البلاد. ومنذ تشكيل اللجنة وهناك اعتراضات كثيرة على طريقة تعيينها وكيفية اختيار أعضائها حتى من بين من أيدوا مظاهرات 30 يونيو؛ بل وصل الاعتراض لبعض من شاركوا في اللجنة حيث شهدت اللجنة احتجاجات من قبل الأعضاء الاحتياطيين الذين هددوا بالانسحاب ورفع قضايا بعد منعهم من التصويت النهائي على نصوص الدستور.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


بدأ الجدل يزداد في مصر بشأن الدستور الذي كتبته لجنة معينة من قبل السلطة المؤقتة والتي جاءت عقب عزل أول رئيس منتخب في تاريخ البلاد. ومنذ تشكيل اللجنة وهناك اعتراضات كثيرة على طريقة تعيينها وكيفية اختيار أعضائها حتى من بين من أيدوا مظاهرات 30 يونيو؛ بل وصل الاعتراض لبعض من شاركوا في اللجنة حيث شهدت اللجنة احتجاجات من قبل الأعضاء الاحتياطيين الذين هددوا بالانسحاب ورفع قضايا بعد منعهم من التصويت النهائي على نصوص الدستور.

العجيب في هذه اللجنة أنها شكلت بشكل أساسي من المعارضين لنظام الرئيس محمد مرسي بالكامل، ولا يوجد مؤيد واحد للنظام السابق أو قريب منه وهو ما ينفي أكذوبة التوافق الوطني التي كان المعارضون العلمانيون يرددونها دائما بشأن دستور 2012 والذي كان هؤلاء يمثلون نصف اللجنة التي أعدته.. وإذا قيل أن هؤلاء جميعا رفضوا المشاركة فهذا يؤكد أنه لا توافق وطني وأن هذه اللحظة التي تشهد انقساما واسعا في المجتمع لا تصلح لكتابة دستور للبلاد.

تناقضات لا حد لها تمت في تشكيل اللجنة حيث لم تشمل سوى ممثل واحد عن الأحزاب الإسلامية جميعا والتي اكتسحت جميع الانتخابات التي تمت بعد 25 يناير واتسمت بالنزاهة بشهادة الجميع.

كان العلمانيون الذين استحوذوا بشكل كبير على اللجنة ينتقدون اللجنة السابقة المنتخبة بشكل غير مباشر ويسخرون منها ويقولون أنها كتبت الدستور في عجلة من أمرها رغم أنها استمرت في كتابته 6 أشهر وهذه اللجنة استغرقت شهرين فقط وكانت جلساتها مغلقة لم يعلم عنها الشعب شيئا إلا ما كان المتحدث باسم اللجنة يصرح به، أما اللجنة الأولى فكانت جميع جلساتها على الهواء مباشرة وضمت 50 عضوا من التيارات العلمانية وهو ما يمثل نصف أعضائها ومع ذلك خرجوا يزعمون أن الإسلاميين استولوا عليها!

يكثر الكلام الآن بعد انتهاء عمل اللجنة عن نصوص الدستور وهل هي جيدة ومتوافقة مع الشريعة الإسلامية أم لا؟ والحقيقة أن القضية تكمن في حالة الشقاق التي يعاني منها المجتمع واستبعاد شريحة واسعة من التمثيل في اللجنة، وتعيينها من قبل حكومة لم تعترف بها حتى الآن سوى 3 أو أربع دول في العالم كله، وهو ما يلقي ظلالا قاتمة على شرعية اللجنة وأهليتها لكتابة دستور من أجل 90 مليون مصري لا يعرف الكثيرون منهم اسم الرئيس أو رئيس الوزراء المعينين ولا يعرفون على أي أساس تم اختيار أعضاء لجنة الخمسين الذي يمثلون تيارات فكرية فشلت فشلا ذريعا في الوصول لأعماق المجتمع المصري واكتفت بالتواجد بمقاهي وسط العاصمة ومقاعد القنوات الفضائية التي يمتلكها رجال أعمال جمعوا ثرواتهم في عهد ما قبل ثورة يناير وارتبطوا مع نظام مبارك بصلات وثيقة.

الأزمة الحقيقية ليست في الدستور الجديد نفسه على ما فيه من عوار كبير، ولكن في المناخ والطريقة التي كتب بها ومدى شرعيته ومدى نزاهة النتائج المتوقعة للاستفتاء عليه، وبالتالي لا ينبغي إضاعة الوقت في الحديث عن مواده بالتفصيل وانتقادها.

إن من أكبر المشاكل التي تواجه أي دستور في مصر أو في غيرها هو من سيطبقه وكيفية تطبيقه؛ فمادة الشريعة الإسلامية موجودة في الدستور المصري منذ عام 1971 ومع ذلك لم تطبق لأنه لم تكن هناك إرادة سياسية من البرلمان أو من الرئيس لتطبيقها لذا ظلت مادة (للديكور) وللضحك على الشعب وتخدير مشاعره الدينية لذا عندما أصر حزب النور السلفي على المادة 219 في دستور 2012 استبشرنا خيرا؛ لكنه تراجع عن ذلك بعد ضغوط العلمانيين في دستور 2013 وعدنا من حيث أتينا لأن مفهوم المحكمة الدستورية لمبادئ الشريعة مفهوم مطاط ويختلف باختلاف رؤية أعضائها وبالتالي دخلت الشريعة الإسلامية إلى الثلاجة مرة أخرى.

إن البرلمان القادم والرئيس القادم في ظل هذه الظروف لا يمكن أن يمثلا الشعب تمثيلا حقيقيا تماما مثل لجنة الدستور في ظل الأوضاع التي تمر بها البلاد، وحتى تعود الأمور إلى نصابها ينبغي أن تعود البلاد إلى المسار الصحيح الذي يضمن للجميع التعبير عن آرائهم بحرية وتخرج نتيجة التصويت في أي انتخابات معبرة عن الأغلبية الحقيقية وليس عن إرادة سياسية للسلطة الحاكمة.