الحِرَاك الجنوبي وحركة الحوثي؛ تقارب المصالح وتباعد الأيديولوجيات

بعد أن أفاقت اليمن من صحوتها في ظل نظام الحكم السابق الذي أثخن في صنع المشكلات وابتكار الحروب في كل أرجاء اليمن السعيد -الذي لم يعد سعيداً-؛ خرج الرئيس السابق من الحكم بعد ثورة شعبية شبابية كادت أن تدخل البلد في عمق الهاوية لولا تدخل المبادرة الخليجية التي فتحت الباب واسعاً للدخول في حوار شعبي شامل يكاد يصل إلى مرحلته النهائية.

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -


بعد أن أفاقت اليمن من صحوتها في ظل نظام الحكم السابق الذي أثخن في صنع المشكلات وابتكار الحروب في كل أرجاء اليمن السعيد -الذي لم يعد سعيداً-؛ خرج الرئيس السابق من الحكم بعد ثورة شعبية شبابية كادت أن تدخل البلد في عمق الهاوية لولا تدخل المبادرة الخليجية التي فتحت الباب واسعاً للدخول في حوار شعبي شامل يكاد يصل إلى مرحلته النهائية.


ويرى كثير أن المشكلات التي يتحاور حولها أعضاء مؤتمر الحوار الوطني، كانت نتائج حتمية للسياسات التي اتخذها النظام السابق، الذي ولَّد مشكلة في الجنوب (الحِرَاك الجنوبي)، وأخرى في الشمال (التمرد الحوثي).


وتكمن الكارثة في أن تلك المشاكل والحروب المفتعلة أصبحت المهدد الأول لأمن واستقرار اليمن والمنطقة بأكملها، حيث أصبح الحِرَاك الجنوبي يُشكِّل خطراً كبيراً في الجنوب نتيجة مطالباته الواسعة بفصل جنوب اليمن عن شماله، وأصبحت حركة التمرد الحوثية في الشمال تشكل عبئاً كبيراً على صنعاء، بسبب الحروب التي تشنها في مناطق متفرقة من محافظات الشمال (الجوف، حجة، عمران، وإب)، والأكثر خطورة أن تجتمع المشاكل تحت سقف ومظلة واحدة عندما تتقارب وتتحد الأهداف والمصالح المشتركة.

 

علاقة وثيقة وتنسيق مشترك

 

رغم نفي الحِرَاك الجنوبي علاقته مع جماعة الحوثي (أنصار الله)[1]، وحجم الدعم الذي يتلقونه من إيران، وواحدية الأهداف التي يريد الطرفان السعي لتحقيقها، والوضع العام الشائك الذي يريدون إيصال اليمن إليه؛ إلا أن مجريات الواقع وتتابع الأحداث تثبت بما لا يدع مجالاً للشك صحة هذه العلاقة الوثيقة بين الطرفين، بل إن تصريحات كثيرة لقيادات من الطرفين وحقائق ووثائق تثبت هذه الفرضية.


على الجانب الحِراكي نشرت كثير من وسائل الإعلام تصريحات كثيرة تؤكد حُسن العلاقة بين الحِرَاك الجنوبي والحوثيين، فقد كشف القيادي البارز في الحِرَاك الجنوبي، حسن زيد بن يحيى، عن زيارات متبادلة لناشطين في الحِرَاك الجنوبي وقيادات حركة الحوثي، معتبراً أن الحوثيين رفاق نضال مشترك، وأن تلك الزيارات تعبير صادق على عمق العلاقة النضالية بين الطرفين، مؤكداً أن هناك تحالفاً استراتيجياً بين الحوثيين والحِرَاك الجنوبي، وأنه ذاهب نحو التطور (حوار مع القيادي في الحِرَاك الجنوبي حسن زيد بن يحيى في صحيفة أخبار عدن، في تاريخ 28/1/2012م).


بل إن ممثل جماعة الحوثي في الحوار الوطني، عبد الكريم جدبان، أكد وجود علاقة بين جماعة الحوثي والحِرَاك الجنوبي، حيث وصفها بـ "الجيدة"، وأنها تجمع طرفين "تعرضا للظلم من قبل السلطة".

 

ويقول جدبان في تصريح نشره موقع الجزيرة نت: "تربطنا علاقات طيبة بكل المكونات السياسية والأحزاب في الحوار وخارجه" (الجزيرة نت: حقيقة العلاقة بين الحوثيين والحِرَاك الجنوبي).

 

أما القيادي في الحِرَاك الجنوبي، محمد مسعد العقلة، فقد أكد وجود علاقة جيدة لفصيل علي سالم البيض في الحِرَاك الجنوبي مع جماعة الحوثي، ونقل موقع الجزيرة نت عن العقلة قوله: "إن هناك شراكة بين الطرفين للعمل المشترك على مستوى الساحة اليمنية عموماً وليس في الجنوب فقط"[2].

 

كثيرة هي التصريحات المتبادلة من قادة وأنصار الحِرَاك الجنوبي وحركة الحوثي التي تثبت حجم العلاقة الوطيدة والأهداف المشتركة التي اجتمعت عليها الحركتان، ولا يخفي ذلك حضور جموع كبيرة من الحِرَاك الجنوبي إلى صعدة لتشييع رفات زعيم الحوثيين حسين الحوثي في يونيو الماضي، ورفع علم الانفصال في ساحة الصلاة على زعيم الحوثيين وفي طرقات محافظة صعدة[3].


سباق الانبطاح لإيران

 

قد يكون الولاء والانبطاح لإيران هو المهمة الوحيدة التي يتسابق عليها القيادات من جماعتي الحوثي والحِرَاك الجنوبي.


ولعل إيران هي التي قاربت الرؤى والمفاهيم بين حركة الحوثي والحِرَاك الجنوبي، فلم تشهد العلاقات تحسناً بين الطرفين إلا منذ أن أصبحت إيران هي الموجه العام لهما.


بالنسبة لحركة الحوثي فإن علاقتها بإيران كانت منذ الأيام الأولى لانطلاقها، حيث تم تصدير مفهوم الثورة الإيرانية إلى اليمن تحت يافطة حركة الشباب المؤمن التي تحوّلت إلى حركة قتالية مسلحة واجهت الدولة في ست حروب انتهت بسيطرة الجماعة على محافظة صعدة.


لكن علاقة الحِرَاك الجنوبي بإيران لم تأتِ إلا في وقت متأخر بعد أن نفدت الأدوات التي استخدمها في توصيل رسالته والمطالبة بحقوقه، فاستغلت إيران هذه المطالب الحقوقية ودفعت بإجراء لقاءات وتشاورات مع قيادات حِرَاكية، وقدَّمت لهم المساندة والدعم في مجالات التدريب والتأهيل والمال والسلاح.


ويشير كثير من المحللين إلى أن حركة الحوثي قد تكون هي الوسيط الأمثل الذي جمع بين الحِرَاك الجنوبي بإيران، حتى وصل بها الأمر إلى استضافة علي سالم البيض، زعيم الحِرَاك، في بيروت، الواقعة تحت القبضة القوية لحزب الله.

 

ويؤكد القيادي في الحِرَاك الجنوبي، قاسم عسكر، "إن بعض الشباب في الحِرَاك الجنوبي ذهبوا إلى إيران للتدريب، وإن بعض القادة البارزين في الحِرَاك ذهبوا إلى الحوثيين من أجل السلاح".

 

وبحسب عسكر؛ فإن حزب الله قدَّم بعض التمويل لقيادة الحِرَاك الجنوبي، وحصلوا على التدريب الإعلامي للقناة التلفزيونية التابعة لهم (عدن لايف)، والتي تبث في اليمن من بيروت[4].


والذي يجمع بين الطرفين أنهما أرسلا مئات من الشباب إلى إيران للتدريب، وحصول الجماعتين على أسلحة متطورة من إيران، حيث كشف ضباط يمنيون عن أن أسلحة أكثر تطوراً وصلت إلى أيادي الحوثيين، مثل القذائف التي تعمل بالدفع الصاروخي، وأن جزءاً من تلك الأسلحة كان ذاهباً إلى أيادي الحِرَاك الجنوبي.

 

وليس مستبعداً الحديث عن علاقة إيران القوية بالتيار الحوثي والحِرَاك الجنوبي، فإن إيران تسعى جاهدة للبحث عن حلفاء أقوياء يعملون بالقرب من أحد أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم لشحنات النفط.


بل إن إيران تقوم بالدعم الكبير للحِرَاك الجنوبي وحركة الحوثي في الشمال من أجل توسيع نفوذها في المنطقة التي أعادت تشكّلها على مدى عامين من انتفاضات الربيع العربي.


وفيما إذا وصلت العلاقات الإيرانية مع الميليشيات اليمنية إلى نقطة تطور؛ فإن ذلك سيكسبها نقطة ضغط استراتيجية، كتلك التي لديها مع حزب الله اللبناني، الحليف القوي في لبنان.


المظلومية شعار التزييف

 

تحت سقف المظلومية تمارس حركة الحوثي القتل والتشريد بحق المواطنين في صعدة والمناطق التي تسيطر عليها، وتحت سقف المظلومية كذلك يمارس أنصار الحِرَاك الجنوبي التنكيل بأبناء الشمال من العمال والتجار وأصحاب المحال تحت ذريعة أن أبناء الشمال يحتلون الجنوب.

 

المظلومية أصبحت شعاراً ولافتة للقتل والتشريد والتنكيل بكل من يعادي أو ينتقد العنف الحوثي في الشمال، والتطرُّف الحِراكي في الجنوب.


وأصبحت المظلومية عنواناً بارزاً للتصريحات التي يطلقها قيادات الجماعتين، إذ يقول عبد الكريم جدبان في تصريح سابق لموقع الجزيرة نت: "إن علاقة الحِرَاك الجنوبي بجماعة الحوثي جيدة، وتقوى علاقتنا بالحِرَاك الجنوبي بحكم الاشتراك في الظلم"[5].

 

وهو الأمر الذي يُكرِّره الحِرَاك الجنوبي، إذ يرددون أن الشمال احتل الجنوب واستحوذ على الخيرات والثروات النفطية، ويقول أحمد البحري، القيادي في حزب الحق، "إن النظام اليمني السابق أجبر الحوثيين والحِرَاك الجنوبي على حمل السلاح والتوجه إلى إيران كسند آخر، عندما تجاهلت الحكومة مظالمهم"[6].


موقف موحَّد من سورية

 

من الطبيعي جداً أن تتوحّد رؤى ومواقف الحِرَاك الجنوبي وحركة الحوثي مما يحصل في سورية على دعم ومساندة نظام بشار الأسد، طالما إيران هي العامل الأوحد في توجيه الطرفين.


هناك موقف موحد للحِرَاك الجنوبي والحوثي في الرفض المطلق لأي مطالب بإسقاط نظام بشار الأسد، بل خرجت مسيرات كبيرة في محافظات شمالية نظمها الحوثيون، وفي محافظات جنوبية نظّمها الحِرَاك الجنوبي؛ رُفع فيها شعار نظام بشار الأسد ورددت هتافات تساند وتشجع النظام السوري على مواصلة دحر ما وصفته بـ "الإرهابيين".

 

ولا يقتصر التوافق على الشأن السوري، بل إن الطرفين كان لهما موقف موحد ومتشابه في معاداة الإخوان المسلمين في مصر، والوقوف مع الانقلاب العسكري، وبرزت تصريحات تؤيد ما قام به العسكر في مصر.

 

علاقة داخلية لأهداف خارجية


ما يثير الاستغراب هو البون الشاسع والكبير بين الفكر الحوثي وفكر مكونات الحِرَاك الجنوبي، حيث إن أغلب مكونات الحِرَاك الجنوبي تتشكل أساساً من السنة، إلا أنها تجد قضية مشتركة لها مع حركة الحوثي الشيعية في شمال اليمن، من أجل معارضة الحكومة اليمنية، والعِداء للإخوان المسلمين الذين يشاركون في الحكم حالياً.


بل الأعجب من ذلك هو أن الفكر الإمامي المتمثل بالحوثيين، يلتقي مع نظيره الماركسي المتمثل في بعض فصائل الحِرَاك الجنوبي، على صعيد تحقيق المصالح الفئوية التي يسعى إليها من تبقى من سلاطين ومشيخات الجنوب، وأتباع المذهب الزيدي في الشمال.

 

ولأن التخريب ليس له دين؛ فإن التفاهمات ستحدث بين الحِرَاك الجنوبي والحركة الحوثية من أجل مواصلة التدمير لليمن، وصولاً إلى تحقيق أهدافهما في فصل جنوب اليمن لصالح الحِرَاك الجنوبي، وإعطاء الحوثي جزءاً كبيراً من الشمال كإقليم خاص به.


وطالما إيران ممسكة بطرفي الدعم والمساندة، فإنها لن تكل عن التوفيق بين الجماعتين من أجل أن تحقق المطالب التي تتطلع إليها في شمال اليمن وجنوبه؛ التوسع والنفوذ في الجنوب لأهمية الممرات المائية، والتوسع في الشمال من أجل زرع نفوذهم في حدود المملكة العربية السعودية وسحب الغطاء على المملكة في المناطق الشرقية للسعودية حيث أغلب السكان من الطائفة الشيعية.

ـــــــــــــــــ

 

[1]- المُسمَّى الجديد لحركة الحوثي، والذي يبدو أنه تقليد ومحاكاة لمُسمَّى حزب الله اللبناني.
[2]- الجزيرة نت: حقيقة العلاقة بين الحوثيين والحِرَاك الجنوبي
http://www.aljazeera...f5-3f1be184b187
[3]- للمزيد: المنتصف نت، الحِرَاك والحوثي يقاطعون ويعتصمون في "موفمبيك"
http://www.almontasa...005fedab58.html
[4]- المصدر أونلاين: تقرير أمريكي يحقق في علاقة طهران بالحِرَاك الجنوبي والحوثيين وخفايا الدعم الإيراني:
.http://almasdaronline.com/article/47509
[5]-
الجزيرة نت: حقيقة العلاقة بين الحوثيين والحِرَاك الجنوبي

http://www.aljazeera...f5-3f1be184b187

[6]-المصدر أونلاين: تقرير أمريكي يحقق في علاقة طهران بالحِرَاك الجنوبي والحوثيين وخفايا الدعم الإيراني:

.http://almasdaronline.com/article/47509


أحمد الصباحي
 

المصدر: مجلة البيان؛ العدد: [317]، محرّم 1435هـ، نوفمبر 2013م.