دماج المسلمة: تضيع بين جلَد العدو وغياب النصير
غريب أن تغيب أخبار تلك القرية الصغيرة مساحة العظيمة تأثيرًا عن عموم أخبار المسلمين المستضعفين في صحف ومواقع المسلمين في كل مكان، فدماج تلك القرية السنية التي تقع في وادٍ جنوب شرق مدينة صعدة بشمال اليمن، تلك المدينة التي تُعتبَر المعقل الرئيسي للحوثيين الشيعة.
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
غريب أن تغيب أخبار تلك القرية الصغيرة مساحة العظيمة تأثيرًا عن عموم أخبار المسلمين المستضعفين في صحف ومواقع المسلمين في كل مكان، فدماج تلك القرية السنية التي تقع في وادٍ جنوب شرق مدينة صعدة بشمال اليمن، تلك المدينة التي تُعتبَر المعقل الرئيسي للحوثيين الشيعة.
واشتهرت بأنها القرية التي يقصدها طلبة العلم من اليمن وغيرها ويتخرَّج منها أكابر العلماء نظرًا لوجود مركز دار الحديث الذي أسَّسه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله وهو من أهالي هذه البلدة.
ومعظم سكان هذه القرية الذين يبلغون حوالي عشرة آلاف نسمة من قبيلة وادعة، ولكنها بعد تأسيس الشيخ مقبل بن هادي قايدة آل راشد الوادعي لدار الحديث فيها قصدها طلبة العلم من كل مكان من داخل اليمن وخارجها، حتى غدا المهاجرون إليها يضارعون عددًا سكانها الأصليين، واستقر بها العديد من طلبة العلم تاركين أوطانهم وديارهم.
وقديمًا كان معظم أهل دماج من الشيعة الزيدية ولكنه وبعد قدوم الشيخ مقبل الوادعي من السعودية التي تعلَّم فيها العلم الشرعي على المذهب السني، وبعد عودته في ثمانينات القرن الماضي شرع في تدريس العلم لأبناء قريته وأسَّس دار الحديث فيها، فتحول أكثرهم إلى المذهب السني، مما جعل في قلوب الشيعة غصة على الشيخ مقبل الوادعي وعلى دار الحديث التي أسَّسها وعلى طالبي العلم في دماج وعلى أهل دماج جميعًا.
وكان لدار الحديث جهود كبيرة في إحداث نهضة فكرية وثقافية في دماج التي صار لها ذكر في العالمين العربي والإسلامي، فحدثت نهضة عمرانية أيضًا بتأسيس العديد من الدور التي تعتني بكتاب الله تحفيظًا وتفسيرًا وتجويدًا، وأصبحت لهم عناية كبيرة بكتب التراث وتدريسها وتحقيقها وبخاصةٍ كتب العقيدة والسنة وعلوم الفقه واللغة العربية التي يدرسون فيها النحو والبلاغة والصرف والعروض والقافية والإملاء والقراءة والكتابة.
وبعد وفاة الشيخ مقبل رحمه الله تولّى الدار الشيخ يحيى بن علي الحجوري بوصية الشيخ مقبل له وتم توسعة الدار كثيرًا حتى بلغت ثلاثة أمثال المسجد القديم مِمَّا أدَّى إلى تزايد عدد الطلبة فيها.
ولكن الشيعة الرافضة -التي يُمثِّلهم الحوثيون في اليمن- لم يرقهم ما يحدث من العلم الشرعي السني في بلاد اليمن في مناطق يعتبرون أنفسهم أغلبية فيها، فحاصر الحوثيون دماج بداية من يوم 20 أكتوبر2011م إلى هذه اللحظة دون أي تحرُّك من أي قوات مسلمة لنجدة إخوانهم من هذا الحصار الظالِم الذي منع فيه الحوثيون دخول المواد الغذائية والأدوية وأيضًا دخول أي طلبة وتم أيضًا منع خروج الحجاج للحج.
وقاموا بقتل كل من تقع أعينهم عليه من طلبة العلم عن طريق القنص من الجبال وكان من بين القتلى امرأة حامل مستغلين في ذلك انشغال اليمنيين عنهم في إقصائهم لعلي عبد الله صالح الذي طغى وتجبَّر على أهل اليمن.
ولكن الحوثيين لم يتوقفوا فقط على الحصار بل شنُّوا هجومًا عنيفًا على المسلمين العُزَّل في دماج يوم السبت الماضي باستخدام القذائف المدفعية والهاون والذي استهدف بالأساس دار الحديث، وأسفر عن قتل أكثر من 26 قتيلًا من طلبة العلم اليمنيين منهم والوافدين الذي مات أكثرهم نزفًا لعدم توافر الإمكانيات الطبية لإسعافهم بسبب هذا الحصار المطبق والذي لا يزال مستمرًا لتلك اللحظة بينما جُرِحَ منهم أكثر من 70 جريحًا لا يزال معظمهم في حالة خطرة ومُعرَّضون للموت في أي لحظة.
وأطلق المسلمون في دماج صيحات استغاثة بإخوانهم المسلمين في كل مكان لإنهاء تلك المأساة الإنسانية في دماج -وذلك قبل أن تتم المذبحة- لنجدتهم من براثن هؤلاء الغادرين الذين حاربوا العلم بالمدافع لاسكات باب العلم الشرعي الذي يكشف عوراتهم- ويُبيِّن مدى ضعف واهتراء عقيدتهم الفاسدة الباطلة وخاصةً وأن الحوثيين يُصرِّحون بأنهم يريدون تدمير دار الحديث قائلين: بأنهم "يتعرَّضون لحملة هدفها تحويلهم إلى الإسلام السني".
واشتكى المسلمون في دماج إلى الله سبحانه من جلد العدو وضعف النصير بل غيابه غيابًا كاملًا قائلين: "نشكو ما يحل بنا إلى الله، ونتعجَّب من وقوف الألوية العسكرية في صعدة موقف المتفرِّج، نحن لا نريد منها أن تقوم بالتدخل العسكري، ولكن على الأقل تمدنا بالسلاح والذخيرة للدفاع عن أنفسنا، جرَّاء ما نتعرَّض له من إبادة على أيدي الحوثيين الذين بدؤوا هذا الهجوم مع أول يوم في العام الهجري الجديد وفي شهر الله المحرَّم الذي هو من الأشهر الحُرم.
ووجهوا نداءً خاصًا عبر صحيفة "الوئام" إلى جميع قبائل اليمن إلى التحرُّك لإنهاء المأساة الإنسانية في دماج، وطالبوهم بعدم الوقوف موقف المتفرِّج، حتى لا يُنزِل الله سخطه على الجميع، ويكون الدور على من وقفوا موقف المتفرِّج مما يجري في دماج ولكي لا يقول أحد منهم يومًا ما: "أُكِلنَا يوم أن أُكِلَت دماج!".
يحيى البوليني