الوفاء بالوعد

إن من الأخلاق الإسلامية الرفيعة، والصفات المحمودة التي حثنا عليها الإسلام: الوفاء بالوعد، يقول الله تعالى عن إسماعيل عليه السلام مادِحًا إيَّاه بصفةِ الوفاء بالوعد: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} [مريم:54].

  • التصنيفات: أخلاق إسلامية -


الحمد لله ربِّ العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فإن من الأخلاق الإسلامية الرفيعة، والصفات المحمودة التي حثنا عليها الإسلام: الوفاء بالوعد، يقول الله تعالى عن إسماعيل عليه السلام مادِحًا إيَّاه بصفةِ الوفاء بالوعد: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} [مريم:54].

قال مجاهد: "لم يعد شيئًا إلا وفَّى به"، وقال مقاتل: "وعد رجلًا أن يُقيم مكانه حتى يرجع إليه الرجل، فأقام إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع إليه الرجل"، وقال الكلبي: "انتظره حتى حال عليه الحول!" (معالِم التنزيل؛ للبغوي: [1/237]).

وفي معنى وفاء إسماعيل عليه السلام بالوعد أنه: "وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفَّى به" (الجامع لأحكام القرآن: [15/88]).

وفي المقابل حذَّرنا الله عز وجل من إخلاف الوعد، وبيَّن أنه صفة من صفات المنافقين -والعياذ بالله-، فقد جاء في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث: إذا وعد أخلف، وإذا حدَّث كذب، وإذا اؤتمن خان».

فمن وعد إنسانًا وعدًا فإن عليه أن يفي بوعده إلا أن يكون الوعد وعدًا بمعصية أو بما فيه مفسدة، أو ما إلى ذلك؛ فإنه لا يفي به بل عليه أن يخلفه، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "فالمراد بالوعد في الحديث الوعد بالخير، وأما الشرّ فيستحب إخلافه، وقد يجب ما لم يترتَّب على ترك إنفاذه مفسدة" (فتح الباري في شرح صحيح البخاري: [1/90]، الناشر: دار المعرفة – بيروت، 1379هـ).

بل إن إخلاف الوعد مما فطر الله العباد على ذمِّه واستقباحه، يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: "وإخلاف الوعد مما فطر الله العباد على ذمِّه واستقباحه، وما رآه المؤمنون قبيحًا فهو عند الله قبيح" (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان: [2/47]، الناشر: دار المعرفة – بيروت، الطبعة الثانية، 1395 هـ تحقيق: محمد حامد الفقي).

 


كل شيء في الهوى مستحسن *** ما خلا الغدر وإخلاف الوعود
(لطائف المعارف؛لابن رجب: [68]).


 

وقد أنكر الله على من يَعِدَ وعداً أو يقول قولًا لا يفي به، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2].


 

وقد استدل بهذه الآية الكريمة من ذهب من علماء السلف إلى أنه: "يجب الوفاء بالوعد مطلقًا سواءً ترتَّب عليه عزمَ الموعود أم لا" (انظر: تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير: [4/458]).

وقد أجمعَ العلماءُ على: "أن مَن وعد إنسانًا شيئًا ليس بمنهيّ عنه فينبغي أن يفي بوعده" (الأذكار للنووي: [733]).


 

فالوفاء بالوعد صفة من صفات الكرام، وإخلافه صفة من صفات اللئام، وكما قيل:

 


وميعاد الكريم عليه دين *** فلا تزد الكريم على السلام
يذكره سلامك ما عليه *** ويغنيك السلام عن الكلام
(المستطرف: [1/285]).

وقد أنشدوا:
إذا قلت في شيء "نعم" فأتمَّه *** فإن "نعم" دينٌ على الحرِّ واجب
وإلا فقل "لا" تسترح وتُرِح بها *** لئلَّا يقول الناس إنك كاذب
(المستطرف: [1/286]).


 

اللهم اجعلنا من الموفين بالوعود والعهود والعقود، واحشرنا مع الذين أنعمتَ عليهم {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا} [النساء من الآية:69].


 

{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة من الآية:127]، {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة من الآية:128].


 

{رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة من الآية:201].
 

المصدر: موقع إمام المسجد