أفراح الرّوح.. انبثاقة الحياة

رقية القضاة

[الشمس تطلع والشمس تغرب، والأرض من حولها تدور، والحياة تنبثق من هنا وهناك،كلّ شيء إلى نماء، نماء في العدد والنوع، نماء في الكم والكيف، لوكان الموت يصنع شيئا لوقف مدّ الحياة! ولكنه قوّة ضئيلةحسيرة بجانب قوى الحياة الزّاخرة الطافرة الغامرة من قوة الله الحي.. تنبثق الحياة وتنداح] (سّيد قطب).

  • التصنيفات: الواقع المعاصر -

[الشمس تطلع والشمس تغرب، والأرض من حولها تدور، والحياة تنبثق من هنا وهناك،كلّ شيء إلى نماء، نماء في العدد والنوع، نماء في الكم والكيف، لوكان الموت يصنع شيئا لوقف مدّ الحياة! ولكنه قوّة ضئيلةحسيرة بجانب قوى الحياة الزّاخرة الطافرة الغامرة من قوة الله الحي.. تنبثق الحياة وتنداح] (سّيد قطب).

ترى هل كان سيّد رحمه الله سيسرّ أم يحزن وهو يرى الأمة المسلمة تنفض عنها غبار الوهن، وتتنسّم مع رائحة الدم رائحة الحريّة والانطلاق، وتنداح في عروقها انتفاضة الحياة الكريمة، وقد سقيت بمياه النبل والتصبّر والثبات، هل كانت البشرى تولد على وجهه الطيّب وهو يهتف: ألم أقل لكم إن الموت لا يصنع شيئا مع الحياة الزّاخرة بالنماء والعطاء، وهو القوّة الضئيلة المسلّطة على رقاب العباد بأمر الله لا بأمر العباد، ألم أذكّركم بقول الله تبارك وتعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2]. فلنعمل دون الالتفات إلى تربّص الموت بنا فهو مأمور لا آمر.

كان شهيد الحق سيحزن لدموع الثكالى والأرامل والمقهورين، كضعف بشريّ لازم للبشر، ولكنّه سيهنئ الأب الصابر الذي حرم من الصلاة على وحيدته التي رفعتها إلى مراقي الشهداء رصاصة غادرة من يد لئيم حاقد متجبر، لا يعرف له ربّا آمرا إلّا الطاغوت، وسيزفّ بشرى العتق من ربقة الذلّ وقيد الظلم إلى الأمة التي دفعت ثمن حريّتها من أبناءها وبناتها وشيوخها وعلماءها.

كان الشهيد الحيّ سيطلّ على مصر وقد تلوّن نيلها الفضيّ بلون الدم القاني في مشهد يذكّرنا بدجلة أيام التتار، سيناجي النيل الطاهر أن قد ازددت طهرا بهذه الدماء الطاهرة، ويملأ يديه من تراب رابعة العدوية المجبول بالنجيع الطاهر، يضمه بين كفّيه بنظرة حزن على ورود مصر وقد داستها أقدام (مغاوير مصر)!! ونظرة ثقة بأن ثمن النّصر قد قدّم برضى واستبسال.

كان سيبتسم لوجوه الشهداء النّضرة وقد أنارتها ابتسامات الرّاحة والطمأنينة كان سيّد سيضيف قائلا لأخته: أختاه ألا ترين إلى النيل كيف يجري كشريان ورد وانعتاقة ولادة لغدٍ قادم، النيل يا أختاه يجري بالحياة وبالنشيد وبالندى، والنيل يرسل للضفاف الخضر أحلى الأمنيات، يقول: يا مصر الكنانة.. أنت للتاريخ غرّة.. أنت في قلب الزمان صدى الحياة.. وأنت في كل الضمائر رمز ألوان الحياة، نسيج تاريخ الحياة.. أنت المنارة والحضارة والعبر.. أنت التي علّمت معنى الارتقاء لمن على أرض الكنانة عاش، أو منها عبر، أختاه إنّي ألمح البشرى على وجه الشهيد، وأرى بريق النور يلمع في سحابات الدّخان، حتى وإن حرقت بلاد النيل، أو سقيت كؤوس الموت من يد آثم أشرعنيد، الموت يا أختاه أصغر من رحابات الحياة، الموت كي نحيا كراما شامخين، الموت كي يعلو نداء الحق أروع ما يكون، الموت من أجل الخلود هو الحياة.

لا تحزني يا مصر،يا كنانة العرب، يا ورد الحضارة، فالموت أضعف من أن يهزم تدفّق الحياة في أرض النّيل، والموت أهون شأنا من أن يسكت صوت الحق في قلوب الأحرار، فيا أهلنا في مصر، ويا أحبابنا في سورية الصابرة المجروحة، وقد سقاها راعي حماها الأشرُ الغادرُ كأسَ السمِ النقيع، وهو يقهقه معربدا على جثث الأطفال والضعفاء المستضعفين ويرقص رقصته الأخيرة والتي سيسقط بعدها بإذن الله مثبورا صاغرا ذليلا.

ويا حماة الأقصى المرابطين فيه تذودون عن كرامة الأمة، يا رمز عزتنا في غزة الشمّاء، بوركتم وأنتم تردون بصدوركم العارية وأكفكم العزلاء إلا من السجيل.. اثبتوا فالأمة تنتظر منكم الكثير يا أهل الإسلام المتكالبة عليكم الأمم في حالة سعار حاقد، لن يوقف مدّ حرّيتكم الموت إذ: [لو كان الموت يصنع شيئا لوقف مدّ الحياة] وأنى له أن يَقدِر والأرواح ملك خالقها، يقبضها متى شاء ويرسلها متى شاء. وما القتلة إلّا أدوات يسيّرها ربنا ليتّخذ منكم شهداء، وما يفعل عدوّ أحمق مع قوم عرفوا الله حقا فصدقوه، واستعملهم فنصحوا له، ألا بُعدًا للظالمين كما بعد فرعون وهامان.
 
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام